الإثنين 2018/09/03

آخر تحديث: 11:53 (بيروت)

أكرم الزعتري: النافذة الثالثة

الإثنين 2018/09/03
increase حجم الخط decrease
"النافذة الثالثة" معرض مختلف للفنان أكرم الزعتري (لبنان- 1966)، يستكشف أركيولوجيا الصورة الفوتوغرافية (يستمر حتى 5 كانون الثاني 2019، في "صفير- زملر غاليري" الكرنتينا، بيروت).

الإنتقال بين أقسامه الـ15، رحلة في "حفريات" الصور والسلبيات(نيغاتيف)، وأزمنتهما المتراكمة منذ ولادتهما معاّ. فكرة المعرض مستوحاة من الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو حول "مقدرة الشاشات على نقل المُشاهد عبر الزمان والمكان نحو عوالم موازية". في إطار إلتزامه وموقعه داخل "المؤسسة العربية للصورة"- بيروت، استعان أكرم الزعتري بهذا المفهوم ليشير إلى العمليات المختلفة المرتبطة بالنتاج الفوتوغرافي والتي تحمل مواده كل هذا التراكم من الآثار.

يخلو معرض "النافذة الثالثة" من أية جمالية قد تدهش العين، غير أنه يضمن انبهارها بهذه العوالم الرائعة، التي تنعدم فرص الغوص في أعماقها من دون فنان، مؤرخ ومحلّل، مثل أكرم الزعتري.   

لا تبقى الصور هي نفسها على مر السنين. الصورة كائن مادي، ترسم انتقالها من موطن إلى آخر، عبر البورتريه، جمع الصور، توزيعها وحفظها، وربما في ظروف تتسم بالإحتلال أو النزوح، أو الحصار، أو الحرب. راقب أكرم المتغيرات التي تُترك على "أجساد" الصور والسلبيات بعد أحداث استثنائية مرت عليها، والتي لا علاقة لها بمضمونها أو بالهدف الذي التقطت لأجله. وقد تكون هذه المتغيرات بسبب مصورها، أو طريقة حفظها... ما يحولها من مجرد تغيرات بفعل الزمن والظروف إلى لغة مرئية، وربما، إلى وسيلة لتدوين تاريخي.  يشدد أكرم زعتري على أهمية تحولها إلى صورة "عمياء": يتلاشى الموضوع، يتراجع الوصف أمام تآكل السلبية وإهتراء الصورة. 

صور المعرض وسلبياته لها إمكانياتها وقدراتها على أن تشهد على قرن من عدم الإستقرار، شكّل تهديداً جدياً للوثائق والصور، كما هي حال علم الآثار والأعمال الفنية ذات الطابع التاريخي. "هي كائنات تدرك المواد والعمليات التي أنتجتها. فعّالة، تفتقد لجزء لتبرز أجزاء أخرى. قد تبدو محطمة، لكنها تُظهر مكوناتها الجوهرية.  ليست أجساماً واقعية، لكنها على نحو ما، تخطيطية... مثل جسد بشري في درس تشريح." كتب أكرم الزعتري.

من أقسام المعرض:
"عن فقدان الصور وزمن الصراع"، فيديو (37 دقيقة): العلاقة بين الصور والحروب، ومخاطر ضياعها. مقابلات مع أفراد فقدوا صورهم العائلية بسب التهجير والنزوح.
"عن التصوير والناس والعصور الحديثة" فيديو (38دقيقة): مقابلات أجراها أكرم بين 1998- 2000. تأمل في الحياة المزدوجة للصور: الحياة الأولى لدى أصحابها، والثانية في مؤسسة تضمن حفظها.

"تاريخ": صور التقطت عشوائياً بسبب عطل تقني واجه مصورها هاشم مدني. 
"ظل المصور": غالباً ما كان يظهر في الصور العائلية. يحجب الضوء عن الصورة، يطغى عليها. "إنه شكل مبكّر لسلفي الظل".

"ضد التصوير": يرى أكرم الزعتري أن الصورة ليست مجرد وصف مرئي؛ هي مادة لها مكوناتها. بوجهيها، الأمامي والخلفي، تتفاعل مع بيئتها، ويمكن أن توثقها. جعل أكرم الفوتوغرافيا تتراجع عن إلتزامها بالتقاليد الوصفية والسردية والجمالية التي طالما تميزت بها، ليلحقها بالفنون التشكيلية: "كل أثر لتلف الصورة يسهم في تاريخ هذه المادة المستقلة عن مضمون الصورة الأساسي المتلاشي، والنتيجة: مشهد تجريدي للتآكل يسرد سيرته الخاصة".
"النحت بالزمن": شريط السلبية وتأثره بالعوامل المناخية.

"جسد الفيلم": سلبيات مصور أرمني (أنترانيك باكيردجيان) صورها في القدس. أصدقاء، نزهات، إحتفالات دينية... منذ 1948 بدأت سلبياته تتخذ منحى مأساوياً: تحصين الدير الأرمني ولجؤ العائلات إليه هرباً من العصابات الصهيونية. "جسد الفيلم" كشهادة عن الحرب، علامات الافلام التجارية، تآكل السلبية...  إنها قصة حرب على لسان طبقة الفيلم الكيميائية الحساسة التالفة بفعل الزمن. التقطت أفلام باكيردجيان في وقت أجبرته الظروف على هجرة منزله والإنتقال إلى الدير المحصّن.

"أركيولوجيا" سلبية مكبّرة صوّرها أنترانيك أنوشيان (1908- 1991) - من مجموعة محسن أ. يمين - لرياضي، تلاشت أقسامها الأساسية المهمة. "دهشة الأركيولوجي وإحساسه بالخيبة لدى عثوره على قطعة أثرية ضاعت أجزاء عديدة منها".
"الشاهد السري": لوحة من مكعبات خشبية بألوان أكريليك، تمثل مكونات الصورة الرقمية (Pixel) مكبّرة لتعبث بشكل الوجه فتجعله غير معروف.

"النافذة الثالثة" قراءة مبدعة ومعمّقة في تاريخ الفوتوغرافيا، المحلية والأقليمية، وتحليل ابتعد قليلاً عن المضمون المرئي ليقبض على عناصر مطمورة دونت أزمنة مضطربة.
هذا ما يبقى من التنقيب في صور إمتدت على مدى قرن من الزمن، ما يدعونا إلى التساؤل، ولو لم يحن الوقت بعد، عن الرقمي وأمكنة التنقيب عنه؟ 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها