الجمعة 2018/07/13

آخر تحديث: 13:27 (بيروت)

جائزة "جميل".. مَن يُعرّف الفن الإسلامي؟

الجمعة 2018/07/13
increase حجم الخط decrease
في العقد الخامس من القرن التاسع عشر، بدأ متحف فيكتوريا وألبرت اللندني جمعَ مقتنياته لقسم الفن الإسلامي. وكان الأول من نوعه لفنون المجتمعات المسلمة في عالم المتاحف. وكان الهدف من المهمة المضنية والطويلة، التي جمعت معروضات عبر مساحات شاسعة من العالم تمتد من جنوب الأندلس وشمال أفريقيا، وتصل إلى شبه القارة الهندية وحدود الصين، تتجاوز مجرد الاقتناء والعرض. فإدارة المتحف، في ذلك الوقت، كانت معنية بأهداف شديدة البراغماتية، وهي إثراء التصميمات الصناعية البريطانية، بتقنيات وجماليات وخامات الفنون والعمارة الإسلامية، وغيرها من الثقافات الأخرى. لكن الأغراض ذات الطبيعة التقنية والتسويقية تلك، لم تخف أساسها الإيديولوجي. فالرأسمالية الأوروبية كانت تعتبر أنها الوريث الشرعي لحضارات العالم، والمالك طبيعي لكنوزها بحكم الواقع الاستعماري واستحقاق التفوق المفترض.

لكن اكتمال عملية احتواء التقاليد الفنية الإسلامية، داخل المنظومة التقنية والثقافية الغربية، منتصف القرن التاسع عشر، كانت قد سبقته مراحل أكثر تناقضاً في علاقة الشرق بالغرب. ففي حين وضع الفنان الفلورنسي، غوتو دي بوندوني، نهاية القرن الثالث عشر، اللبنات الأولى للتقاليد البصرية في عصر النهضة الأوروبية، فإنه وضع أيضاً في جداريات القديس فرانسيس الأسيزي تصوراً لعلاقة الإسلام بالغرب في الفنون. فالأسيزي المتقشف والروحي، الذي شارك في الحملات الصليبية، وانتهى به الأمر في دمياط، صُوّر في الجدارية بوصفه النقيض لكل ما يمثله السلطان المملوكي المتغطرس والدنيوي في المشهد نفسه. والتزم فنانو النهضة بعده، بتلك العلاقة، أي الإسلامي بوصفه ممثلاً للشر والانحطاط، ونقيضاً للسمو المسيحي والأوروبي. فألبست الشخصيات الشريرة في لوحات قصص الكتاب المقدس، ملابس مملوكية وعثمانية، وأحيطت بديكورات ذات أنماط إسلامية. وفي المقابل فإن شخصيات كالمسيح والعذراء، رسموا بملامح أوروبية، على النقيض من الأشرار أصحاب البشرة الداكنة والملامح الشرقية. إلا أنه، ومع الاختلافات الواضحة بين علاقتي النقيض والاحتواء، فإن العامل المشترك بينهما هو هيمنة الغربي في عملية تعريف ما هو الشرق وما هو الفن الإسلامي.

ولذلك، ليس من المستغرب، أن يعلن نهاية الشهر الماضي، من لندن، ومن "متحف فيكتوريا وألبرت" تحديداً، عن الفائزين بجائزة "جميل"، إحدى أكبر جوائز الفنون التي تستكشف المجتمعات والثقافة الإسلامية، كما تعرّف نفسها. ولا يعد الأمر مفاجئاً أن تكون لجنة التحكيم برئاسة ترايسترام هانت، مدير متحف فيكتوريا وألبرت، وبعضوية تانيا هارود، مؤرخة الحرف البريطانية، ونوفمبر بينتر، مدير البرامج في متحف الفن المعاصر في تورونتو، والثلاثة لا يدّعون تخصصاً، لا في الفنون ولا في الثقافة الإسلامية. وفي معرض الجائزة في "متحف فيكتوريا وألبرت"، والذي سيستمر حتى نهاية الأسبوع الأخير من نوفمبر، ليس من المفاجئ، أن أربعة من الفنانين الثمانية، الذين وصلوا إلى التصفيات النهائية، مقيمون خارج أوطانهم في العواصم الكوزموبوليتانية، نيويورك وباريس، أو حتى دبي.
ً
الجائزة ومعرضها، وإضافة إلى إشارتها للمركزية الغربية في تحديد وتقييم الإسلامي في الفنون، تشير أيضاً إلى أزمة تعريف الفن الإسلامي إجمالا. فمارينا تبسم، الحائزة على جائزة هذه الدورة مناصفة، تقدم في تصميمها لمسجد الرؤوف في دكا، تصوراً للإسلامي في مكان العبادة، بوصفه فهماً فريداً لعلاقات الفراغ والتهوئة ومساقط الضوء، باستلهام الفترة السلطانية في البنغال خلال القرنين الرابع عشر والسادس عشر. هكذا، فإن الإسلامي، في عمل تبسم، يبدو تراثاً معمارياً وظيفياً يتعلق بأنظمة للتهوئة والإضاءة الطبيعية، يناسب مناخ البنغال ويحمل جماليات روحية فريدة في الوقت نفسه. وتلجأ ورده شابير، من باكستان، وهيف كهرمان من العراق، إلى تراث رسوم المنمنات لعرض موضوعات آنية، عن المسارات الشخصية والحدود المفروضة عليها من المجتمع وتجربة الاغتراب العراقي في السويد. ويستكشف يونس رحمون من المغرب، الأرقام ودلالاتها الصوفية، مستخدماً 77 مصباحاً في شكل طواقٍ تُضاء مركزياً، لدلالة التوحيد ورابطة الإيمان. ويلعب مهدي مطشر، من العراق، والفائز بالجائزة مناصفة،  بتجريدات الشكل الهندسي وتقاطعاته في التصميمات الإسلامية. وتتجاوز مجموعة نقش، من الأردن، تيمات الأرقام والهندسية، لتقدم حفراً بالليزر على الخشب لنقوش الأزياء الفلسطينية التقليدية.

أما هالة كايسكو، من البحرين، فتمزج النسج التقليدي وتراث الحرف الشعبية في بلدها بتصميمات الكيمونو الياباني وأزياء الرعاة القبارصة.

وبين التيمات المكررة تلك، في الإشارات الروحية الباطنية للأرقام والأشكال الهندسية، وتراث المنمنمات الفارسية المغولية، والأزياء وحرف النسج التقليدية ونقوش الشال الفلسطيني، والتصميم الإسلامي كعمارة لمناخ المناطق الحارة.. يقدم كامروز آرام من إيران، عملاً يتساءل فيه عن معضلة الفن الإسلامي وتعريفه. ولا يحتاج آرام أن يعود إلى التراث أو الحِرَف التقليدية، بل يقفز مباشرة إلى المتحف، مستعيناً بالبطاقات التذكارية التي يبيعها "متحف فيكتوريا وألبرت" نفسه. فالعمل يكشف عن اقتطاع أدوات الحياة اليومية، مثل الآنية وقطع فخارية، من سياقها الدنيوي والعالمي، وتأطيرها قسراً في عالم المتحف كفن ينتمي للإسلام. وما يركز عليه آرام هنا، ليس إن كانت هذه العملية عادلة أو دقيقة، بل يدفعنا للتساؤل عمن يقوم بها فعلاً، وأين، ولأي أغراض، وبفعل أي دوافع، وطبقاً لأي قيم جمالية ومرجعيات إيديولوجية؟

لا يقدم آرام إجابة لتلك الأسئلة، ولا بدائل للواقع، فـ"جائزة جميل" في دورتها الخامسة، والأعمال المشاركة فيها، تتكفل بالإجابة. فالإسلامي هو ما حدده تراث متحفي وأكاديمي غربي بالأساس، أما الفنانون المحليون والمؤسسات المنخرطة في الفنون "الإسلامية"، فإن أهم ما يميز إنتاجهم هو التعبير عن توتر أزمة التعريف المبدئية، والمستمرة إلى اليوم، ومحاولة حسم علاقتها الشائكة بين التراثي والحِرَفي والتقليدي وبين الحداثة، والوظيفي والجمالي، وبين العالمي وبين الروحي. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها