الجمعة 2018/06/29

آخر تحديث: 13:59 (بيروت)

ما تبقى من جماعة "الفن والحرية" السورية

الجمعة 2018/06/29
ما تبقى من جماعة "الفن والحرية" السورية
لوحة يوسف عبدلكي
increase حجم الخط decrease
مع بدايات الثورة السورية تأسست صفحة "الفن والحرية" على فيسبوك، وكانت بمثابة غاليري افتراضي يعرض أعمالاً لفنانين تشكيليين سوريين وعرباً، ولم يكن لعرض تلك الأعمال من شروط سوى "أن يكون العمل الفني مقبولاً كسوّية"(1)، بحسب الفنان يوسف عبدلكي، وهو واحد من ستة أو سبعة فنانين أطلقوا تلك الصفحة.

وبحسب عبدلكي فإن المبادرة كانت "نوعاً من إعلان تضامن مع القوى الشعبية ضد الاستبداد، بحيث لا يقف الفنانون التشكيليون المشاركون في هذا الحراك موقفاً حيادياً في لحظات ثورية كهذه".

أما لماذا اسم "الفن والحرية"، فلأنها "تحية غير مباشرة لشباب الثورة المصرية"، حيث الاسم يعود إلى "الجماعة الفنية التشكيلية المصرية المعروفة التي تأسست عام 1939، وكان من أهم رموزها كامل التلمساني ورمسيس يونان وفؤاد كامل، وطرحت وقتها أفكاراً جديدة معاصرة، وعبرت عن رغبة عارمة بتثوير الفن والثقافة وهزّ المسلمات في المجتمع والفن".

كانت جماعة "الفن والحرية" مواكباً رائعاً للحدث السوري الكبير، وقد نشرت بالفعل عدداً كبيراً من الأعمال الفنية، واستمر بعض أسمائها في تلك المواكبة اليومية، وإن لم يكن عبر تلك الصفحة بالذات، إذ تلمّس كل منهم طريقه وطريقته في التعبير وفي تقديم الثورة في بلده إلى العالم. 

مرّت سبع سنوات على اندلاع الثورة، تغيّر كل شيء في تلك البقعة من الأرض، دمار وقتل وتهجير ومجازر متنقلة، كان الحدث من الفظاعة بحيث أن أحداً لم ينتبه متى وكيف اختفت تلك الجماعة، وماذا حلّ بأصحابها، وعلى أي ضفة يقفون اليوم، وإن كانت استطاعت أن تخلق نقاشاً ثقافياً يواكب ويؤسس ويبني.

لكن معرضاً فنياً متنقلاً في غير مدينة عربية وعالمية أقيم أخيراً تحت عنوان "الفن والحرية: الانشقاق، الحرب السوريالية في مصر (1938- 1948)" قد يصلح لتأمل الشق السوري من الجماعة، ما أخذ من الأصل، وكيف افترق عنه. 

في العام 1938 تأسست في مصر جماعة "الفن والحرية"، وأصدرت بياناً تحت عنوان "يحيا الفن المنحط". كان ذلك رداً على معرض في ميونخ افتتح في عام سابق وحمل اسم "الفن المنحط"، وعرض لفنانين مثل أرنست لودفيغ، وشاغال، ورؤول هوسمان، وماكس بيكمان وسواهم، برعاية وزارة الدعاية النازية.

أراد المعرض "النازي" أن "يبرز الروابط ما بين الحداثة والأمراض النفسية والنقص البيولوجي"، والتأكيد على "أن اللوحات والمنحوتات والكتب المنتجة من قبل التعبيريين والتكعيبيين والدادئيين، ليست إلا شخبطة مريضة وتلطيخاً يقوم به أشخاص أدنى في المستوى البشري"(2).

 أما الجماعة المصرية فكانت "مصممة على التحريض للثورة ضد كل المعتقدات الثقافية والسياسية التي اعتنقتها الطبقة البورجوازية المحافظة. في ذلك الوقت، كان المشروع القومي السائد يعتمد على نشر تاريخ موحد مبني على أساس تراث الفن الفرعوني، ولكن تماشياً مع رفض السوريالية لمواءمة الفن مع الدعاية السياسية، ثار تيار الفن والحرية على دمج الفن بالشعور القومي، واعتبروه جريمة". كما أن "الجماعة سخّرت ثورتها ضد مذهبي الطبيعية والرمزية اللذين تحبذهما البرجوازية، ويعتمدان في تصويرهما الجسد البشري -حتى الذي يخص الأشخاص الأكثر بؤساً- بطريقة مثالية. فرسموا أجساداً مشوهة ومقطعة وبشعة، لتعكس الظلم الاقتصادي المروع الذي أصاب مجتمعها".

كانت الجماعة المصرية من القوة والإيمان بالأفكار الجديدة بحيث أنها انتزعت اعترافاً غربياً استثنائياً حين كتبت مجلة فرنسية تحت عنوان "الشرق يدافع عن قيم الغرب".

أما الجماعة السورية فيبدو أنها وقعت ضحية سوء فهم، لقد أرادت من الاسم فقط -على ما يبدو- الربط بين الفن والحرية. وحتى لو لم يكن الأمر كذلك، حتى لو كان هنالك فهم لأفكار ومقاصد الأصل المصري، فلن تجد أثراً لأفكاره في الفرع السوري، الفرع الذي لم يشترط سوى التضامن مع الحراك الواسع في البلاد ضد النظام الحاكم.  إلا إذا اعتبرنا أعمالاً ولدت لاحقاً، وليس في إطار الجماعة السورية المندثرة، كأعمال يوسف عبدلكي العارية في معرض دمشقي أثار جدلاً، كنوع من تمرد على الموديل العاري كما تفضّله النظرة المكرسة والسائدة (حتى لا نقول كما تفضله البورجوازية).

لم يحظ الفن التشكيلي السوري نفسه بالنقاش الذي يستحق، ذلك الذي يصيب جوهر الفن ومذاهبه بغض النظر عن مواكبته أو موقفه المباشر مع الثورة أو ضدها، بل وكذلك لم يجر النقاش في معنى "المباشرة" هنا، وإن كانت هذه تعني حقاً تأييد الثورة ببروباغندا تشكيلية، وفي ما إذا كان التعبير المباشر نوعاً من البروباغندا. 

 النظام السوري، ومن ورائه قوى تكالبت على البلاد، ودعمته في وقفته ضد شعبه، دمّر في طريقه، ليس فقط المدن، بل وكذلك كل المشاريع الموازية، المشاريع التي كان بإمكانها أن تمنح الثورة اسمها، كثورة تشمل الفكر والفن وكل نواحي الإبداع. 

هكذا يصبح مفهوماً أن لا تجد الثورة السورية ذلك البناء الثقافي اللائق بها، إذ لم يستطع الفن الأكثر التصاقاً بها، والأكثر مواكبة لها، أن يجد طريقه.

 ----

١- من مقابلة أجريتها مع الفنان يوسف عبدلكي في دمشق- "السفير الثقافي" بتاريخ 30-9-2011

٢- اعتماداً على تغطية الكاتب أحمد شوقي علي في "المدن" تحت عنوان "هل انتصر هتلر على السوريالية المصرية؟". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها