الثلاثاء 2018/06/19

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

رحيل دايفيد دانكن: مُصوّر الجنود "على حقيقتهم".. وبيكاسو أيضاً

الثلاثاء 2018/06/19
increase حجم الخط decrease
مع رحيله اليوم، يرتاح الأميركي دايفيد دوغلاس دانكن DAVID DOUGLAS DUNCAN (1916-2018)، من حروبه التي شهد عليها كمصور في القرن الماضي، بدءاً من الحرب العالمية الثانية، كوريا، الباسيفيك، الشرق الأوسط، فيتنام... وما تلاها من حروب وصراعات.


من تحقيقاته المصورة، والنادرة التي لم تتناول الحرب، موضوع عن بيكاسو، صديقه الدائم والذي إختار السكن في الجنوب الفرنسي لتبقى ذكرى صداقته أقوى من صور الجنود الأميركيين، ودموعهم في خنادق الموت.

عمل في مجلة "لايف" بعد الحرب العالمية الثانية، إلتقى بيكاسو، صوّره في وسطه العائلي الحميم وفي محترفه.

وُلد دايفيد دوغلاس في ولاية كانساس. تخصص في علم الآثار. أغرم بالتصوير في الـ18 من عمره بعدما أهدته شقيقته كاميرا بسيطة. التقط أول صوره لحادثة حريق فندق في 1934. لم تلفته ألسنة اللهب بقدر ما إحتار لمشهد صوّره: رجل يترجى إطفائياً للعودة إلى الفندق الذي يحترق واسترجاع حقيبته التي تركها في إحدى الغرف. نُشرت الصورة في صحف المساء، فتعرفت الشرطة على وجه "ديلنجر" سارق المصارف والقطارات، فقبضت عليه.

تعلقه الإنساني بالجنود ومعاناتهم، بدأ مع تجنيده في البحرية أثناء الحرب الثانية. تعاطفه مع هؤلاء أثمر أكثر من عشرين كتاباً عن الحروب التي صورها، من بينها "أنا أحتج!" و"حرب من دون أبطال"... فضحت الحروب ولم تمجدها. "كان هدفي دائما البقاء قرب خطوط النار، لأنقل ما يشاهده وما يشعر به الجنود في تلك اللحظات من مخاوف ومعاناة وتوترات، ولأراقب سلوكهم تحت التهديد بالقتل".

صور مدهشة، داكنة، بالأسود وابيض عرّفت أميركا والعالم على مآسي الجنود والمدنيين تحت الحروب.لا أبطال فيها. تميزت بكثافة درامية. تحت الخوذ، وجوه شابة، معذبة، قذرة، مشدودة إلى المعركة، سئمت أصدقاءها المتهاوين واحداً تلو الآخر، في الخنادق الموحلة. "هذه السيجارة اللعينة يمكن أن تكون الأخيرة" نقل عنهم. "لم يكن لدي أي حس يتعلق بمهمة مصور الحروب، رأيت أن الجنود يستحقون أن نصورهم على حقيقتهم، يخافون، يبدون شجعاناً، يغوصون في حفرة، يتحدثون، يسخرون، أعتقد أنني حملت إحساساً بالكرامة إلى ساحات المعارك".

في كتابه "إنها الحرب: قصة مصورة من ثلاثة فصول" (1951) عن الحرب الكورية والذي وصفه إدوارد ستايكن بأنه أعظم ما صوّر عن الحروب، كتب: "أردت إظهار أثر الحرب على الإنسان، وسرد قصة حرب، مثلما كانت على مر العصور. فقط، تغيرت الأسلحة، والأمكنة والأسباب".

في فييتنام، ركّز أيضاً على جبن الجنود وهلع المدنيين، الغابات العارية والقرى المحترقة، رافضاً تدخل بلاده في هذه الحرب.

علاقته مع بيكاسو قصة غريبة: مصور حرب أميركي، غير مثقف، يجهل كل شيء عن أعمال هذا الفنان. يزوره في شباط 1956 تلبية لرغبة زميله روبرت كابا قبل سنوات. يستقبله بيكاسو وهو في مغطس الحمام، يقول له: "لم يصورني أحد بعد وأنا أستحم. أين كاميرتك؟ أحضرها حالاً!" لتبدأ صداقة استمرت حتى رحيل بيكاسو.

"لا يمكن أن نصدق بساطة هذا الرجل!" قال دانكن الذي لا يشبه نفسه كمصور لكل تلك الحروب. صور بيكاسو هادئة، بسيطة، فرحة وربما مملة، من دون صدمة أو شرارة. تجذب العين عبر تكوين أو قوة جوهرية. كأن كان هناك رابط بين الفوتوغرافيا ولوحات بيكاسو. "كنت محظوظاً، أنا المولود في كنساس سيتي الذي لا يعرف شيئاً عن بيكاسو، أجرؤ على دق بابه وأصبح صديقه..

دايفيد دوغلاس دانكن من القلائل الذين شاهدوا بيكاسو وهو يرسم تحفه.

لكن ما صادفه مع زميله الشهير هنري كارتييه – بريسون لا يشبه لقاءه ببيكاسو. وما حدث لم يكن ليحصل لو التقى شاعران أو رسامان أو موسيقيان. كان ذلك في ظل إشكالية طُرحت باستمرار: هل يحق لنا تصوير شخص يرفض أن يكون موضوعاً لعدستنا؟   

أخطأ دانكن. التقط لكارتييه- بريسون صورة بعدما طلبت منه "مجلة فانيتي فير"، بعدما تواعدا في العام 2000 في متحف بيكاسو في باريس. وجد دانكن "أنه من الغباء ترك الصورة في محفوظاتي، إنها للتاريخ،  يجب أن تنشر، فصور كارتييه-بريسون  نادرة". يرسل دانكن نسخة إلى بريسون مع رسالة كتب فيها : "إن حياتي كمصور يلخصها عنوان وحيد هو إعجابي بك واحترامي لك عزيزي هنري…". يغضب بريسون ويرد برسالة مكتوبة بخط طفولي عريض: "أرعبتني الصورة، أرجو عدم نشرها. مع  مشاعري الباردة".

أصرّ دانكن على النشر. صدر الكتاب وعلى غلافه صورة بريسون مغطياً وجهه بالكاميرا، بعنوان "من دون وجه: المصور الأشهر في العالم". أضيفت تحفة إلى مكتبة الفوتوغرافيا لكنها شغل القضاء والإعلام سنوات عديدة، مع عناد كارتييه-بريسون ودفاع دانكن عن حرية التعبير.

 

 

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها