الجمعة 2018/06/15

آخر تحديث: 08:27 (بيروت)

حذاء محمد صلاح وحجر رشيد

الجمعة 2018/06/15
حذاء محمد صلاح وحجر رشيد
حذاء محمد صلاح (أولريكا هاريس)
increase حجم الخط decrease


في سياق مشروع بدأ منذ عام 2016 حول مصر المعاصرة، يقدم المتحف البريطاني، وحتى نهاية الشهر الجاري، معرضاً بعنوان "الماضي حاضر: أن تصبح مصرياً في القرن العشرين". فالمتحف الذي يضم عدد هائلاً من الآثار المصرية، أشهرها هو "حجر رشيد"، يسعى إلى "تجميع الحداثة"، من خلال التقاط "الأشياء البسيطة" التي ترسم "تاريخاً معقداً". لكن حضور الماضي في الحاضر، ليس بالضرورة صيرورة طبيعية لها علاقة بالزمن نفسه وتطور المجتمعات، بل عملية مرتبطة بالحداثة، واختراع التراث، يلعب فيها علماء الآثار والتاريخ واللغات القديمة وأمناء المتاحف، دوراً جوهراً في تخيّل الماضي، وخلق هويات معاصرة من خلاله.


تبدأ اللوحة الأولى للمعرض، بإشارة إلى "الهوس بمصر" في أوروبا، في القرن التاسع عشر، والذي وصل إلى أقصى درجاته في فك شامبليون لرموز اللغة المصرية القديمة. إلا أن ذلك الهوس الأوروبي الأصل، وللمفارقة، سرعان ما تحول إلى واحد من عناصر مشروع قومي تحرري ضد الاستعمار البريطاني. فالصورة الفرعونية، غير أنها تقدم أساساً للفخر الوطني وتصورات عن الأصالة، فإنها تقدم أيضا عنصرا للوحدة بين المصريين على اختلاف طوائفهم الدينية وأعراقهم وميولهم السياسية. 
تقدم المعروضات، نماذج من توظيف الصور الفرعونية، في مجال الاقتصاد من خلال شعار البنك الوطني الأول، بنك مصر المؤسس في 1922، والصحافة بعرض نسخة من عدد لجريدة الأهرام 1876، التصورات عن الأنوثة ما بين أغلفة مجلة المصور لأم كلثوم مع آلهة فرعونية وماكينة خياطة "ممفيس" أميركية الصنع، وفي مجال الفنون تمثال "نهضة مصر" لمحمود مختار وعرض فيديو عن تيمة تضمين مشهد الأهرامات في أفلام السينما المصرية كخلفية للحدث تحمل دلالات اجتماعية وسياسية، وكذا مجال الاستهلاك اليومي والترويج التجاري، من أغلفة عبوات المعكرونة، وعلب التمر، زجاجات اللبن، والمشروبات الغازية، واعلانات الأسبرين، وصولا إلى الإشارات الفرعونية على العملات المعدنية والورقية ووثائق اسهم الشركات الخاصة. 


لكن ما يمكن قراءته في محتويات المعرض، ليست الطبيعة غير الأصيلة لعمليات صنع الهوية، المدعية للأصالة بالضرورة، بل الأساس الطبقي لها والفوارق الثقافية داخلها. فالدعاية والمنتجات التي تبنت تيمات فرعونية، في النصف الأول من القرن العشرين، تبدو معنية بتوجيه رسائلها الدعائية أما للأجانب المقيمين في مصر أو للمصريين من أبناء الطبقة الوسطى العليا أصحاب التعليم والثقافة الغربية. وتبدو تلك العلاقة الطبقية ظاهرة للعيان في إحدى صور المعرض، التي تظهر سير العمل في تمثال نهضة مصر، أحد رموز الهوية المصرية الحديثة، والذي يجسد تمثالا لأبي الهول تتكئ عليه فلاحة مصرية. فالصورة تظهر النحات محمود مختار واقفاً على سقالة خشبية بملابس وغطاء رأس أوروبي، ناظراً إلى التمثال بإعجاب، بينما تظهر أسفله مجموعة من العمال بالملابس التقليدية وهم يعملون بكد على جلي سطح التمثال. فتلك الهيراركية البصرية للطبقات، وتوزيع العمل بين يدوي وذهني، والتقسيم الثقافي بحسب الزي، التي تظهر في تلك الصورة، تبدو تعبيراً دقيقاً ومبهراً في حصافته لعملية إنتاج الهوية في مصر الحديثة، وأسباب هشاشتها. وتفسر تلك الهشاشة سهولة نبذ العنصر الفرعوني خارج الهوية المصرية المعاصرة التي صاحبت صعود الإسلام السياسي في السبعينات، وهي العملية التي يشير لها المعرض في أحد نصوصه التعريفية.


في الدور الثالث، وكجزء من مشروع "تجميع مصر المعاصرة"، يعرض المتحف واحدا، من أحدث مقتنياته، الحذاء الرياضي للاعب كرة القدم المصري، محمد صلاح. يظهر الحذاء الذهبي، من إنتاج "أديداس"، جنباً إلى جنب مع حذاء فرعوني آثري، في مفارقة مقصودة. يعيد المقتني، الذي جذب اهتماماً كبيراً وخاصة من بين مشجعي الكرة، تعريف دور المتحف، كما يراجع مفهوم أن "تصبح مصريا" في القرن الحادي وعشرين. فال "ملك المصري"، وفريقه "الفراعنة" الصاعد لكأس العالم، يمثل كل ما هو مصري، في عالم يمكن أن تكون فيه علامة المصرية هو حذاء رياضي من إنتاج شركة ألمانية، يرتديه عضو أحد فرق الدوري الإنكليزي. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها