- عدّلت سيناريو "علي معزة إبراهيم" كثيرًا خلال الخمس السنوات التي قضيتها في عمل الفيلم، هل كانت تختلف نهايته في البداية عن المعروضة حاليًا؟
* لم أغيّر في السيناريو، لكنّي طوّرته بشكل أو بآخر، لحلّ مشاكل كانت في النسخة الأولى، للوصول لأفضل نسخة منه، في كل الأحوال لا أقدم على التصوير إذا كنت غير راضِ عن المكتوب. لم تختلف النهاية بعد البدء في تصويره إذا كنت تقصد ذلك.
- ما الذي يجعلك لا تتوقع قبول "نجوم الصف الأول" بالعمل مع مخرجين شباب مثلك؟ هل مررت بتجربة مع أحدهم؟ وهل كان سيؤثر ذلك أساسًا في قبول ورواج "علي معزة إبراهيم" إلى جانب زيادة إيراداته أو غيره من الأفلام؟
* بلا شك، يؤثر وجود نجم صف أول، في إيرادات الفيلم والإقبال عليه، لكني في أفلامي أؤمن بالممثلين الذين أدوا أدوارهم وفق اختياراتي ورؤيتي. كان نجوم الصف الأول المصريون (نور الشريف وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز)، في الثمانينات، هم المحرك الأول للسينما، مثلًا تحمّس نور الشريف لأفلام مثل "ضربة شمس" أو "سواق الأتوبيس"، خلق إلى جانب تجارب فنانين أخرين مساحة لمخرجيين جدد سُمّي إتجاههم العام في ما بعد بسينما "الواقعية الجديدة".
النجوم الآن لا يتحمّسون للمشاريع الجديدة، ربما لنقص الوعي أو خوفاً من الفشل، فنجم الصف الأوّل ثبّت نفسه عند نقطة معينة من النجاح لدى جمهوره ويفضّل تأكيدها لجمهوره طوال الوقت، ولا يريد المجازفة أو المغامرة مع أشياء جديدة.
- ربما هناك تخوّف طوال الوقت من الفشل، لدى الجميع، وليس لدى نجوم الصف الأول فقط، إحساس بأن أي مشروع فاشل أو "محدود" يخطرنا بموت صانعه؟ على سبيل المثال، هل هذا سبب تأخر تواجدك بأعمال على الساحة؟
* ربما في الأمر مغالطة. هناك فرق بين أن تكون خائفاً من المغامرة بعمل جديد، وبين أن تقدم على مشروع مختلف يحتاج سنوات لإنتاجه في ظل إمكانات السوق المصري لأنك لن تجد من يتحمّس له. أملك أربعة مشاريع، يمكن أن أقدمها غداً إذا حُلّت المشاكل الإنتاجية ووجود ممثلين جيدين متحمسين لتلك النوعية من الأفلام.
مثلاً لدي مشروع فيلم "أوضتين وصاله" المأخوذ عن قصة لإبراهيم أصلان، اعتذر الفنان الراحل محمود عبد العزيز عن خوضه قبل أسبوعين من التصوير، وبعد ثلاثة أعوام من العمل عليه، فتوقّف المشروع. ثم قدمت مشروعاً آخر وهو "علي معزة إبراهيم"، ثم قررت خوض التجربة مرة أخرى.
- منطقة وسط البلد أو المدينة بشكل عام، حاضرة في أفلامك بقوة، سواء في فيلم "في الطريق لوسط البلد" أو في "علي معزة إبراهيم" الذين يهرب من زحمة "المدينة"، وفي فيلمك القصير عن ثورة 25 يناير "حظر تجوّل" الذي عرض في مهرجان "كان" ضمن فيلم روائي طويل بعنوان 18 يوم يظهر أيضًا سيطرة المدينة وحضورها، بينما تدور قصة "حار جاف صيفا" في وسط البلد. كيف ترى المدينة؟ ومدى تأثيرها في الفرد، في مصر أو حتى في الخارج؟
* في كل عمل فني أقدمه، أحاول تقديم المدينة من زاوية مختلفة عن السابق، أحاول الحديث عن شخصياتها. لدي شعور بأنه جزء من دورنا كصنّاع أفلام، مثلما كان دور مخرجي الواقعية الجديدة مثلًا بشكل غير واعٍ منهم ربما. لكن قاهرة الثمانينات، التي وثّقت آنذاك، ليست قاهرة الآن، نظراً لتغيرات ثقافية ومعمارية وإجتماعية وسياسية غيرّت كل شيء، حتى وجوه الناس في الشارع، توثيق الشوارع والأماكن داخل المدينة ومحاولة الحديث عن شخصياتها، كلما استطعت الحديث عن شخصيات هي جزء من زمانها ومكانها، كلما تعرفت عليها وقدمتها بشكل أفضل. كان جزء من دور السينما أن "ترصدها"، أي تتفاعل معها، تؤثر فيها وتتأثر بها، لأن تلك الشخصيات هي نتاج طبيعي لهذا المكان. المدينة في النهاية تخضع الجميع لقوانينها وهذا ظاهر في "حار جاف صيفا" بشكل أساسي.
- ثمة فكرة قديمة تقول أن "كل مخرج فعلياً يخرج فيلماً أوحد في حياته، بينما تظل البقية تكراراً لهذا الفيلم"، بمعنى آخر، هناك دائماً فكرة واضحة التكوين وسط كثرة الأفكار الأخرى. في أوّل أفلامك، الفيلم القصير "صباح الفل" الذي أنتجه المركز القومي للسينما، وفاز بجوائز، كانت البطلة (هند صبري) تشكو تجاهل زوجها. في "حار جاف صيفاً" كان البطل، ربما ليس منبوذاً لكنه مُتجاهَل نوعًا ما، الإبن يشرح له كيف يعمل بينما هو مشغول في العمل. وفي "علي معزة إبراهيم"، تحكي عن أبطال نبذهم المجتمع، ما قصة اهتمامك بالمنبوذين أو المتجاهَلين؟ هل هي فكرتك الأهم؟
* قيل لي أن هناك تيمة مسيطرة على معظم أفلامك؛ تيمة البحث عن شيء ما، في فيلم "صباح الفل" تبحث البطلة عن مفتاح الشقة الضائع، كما يبحث "عم شوقي" في "حار جاف صيفًا" عن حقيبته الضائعة. في "حظر تجوّل" يبحث عن الطريق إلى البيت، بينما في "ساعة عصاري" يبحث عما فقده من أمل، وأخيرًا في "علي معزة إبراهيم" يبحثون جميعًا عن طريقة للخلاص. لم أقصد ذلك بشكل واعٍ، لكن الفكرة في "علي معزة إبراهيم" شكلت البناء الأساسي للقصة.
- هل تحدثنا عن خوضك أول تجربة درامية في الجزء الثاني من مسلسل "الجماعة"، كيف أثرت في رؤيتك كمخرج؟
* تجربة المسلسلات بشكل عام تجعل المخرج أكثر جرأة وعنفاً، تجعلك تشعر بأن المشهد الواحد جزء من مشاهد كثيرة. أشعر أنني كبرت فنيًا عشر سنوات، خبرة كبيرة اكتسبتها من العمل، التعاون مع كاتب مثل وحيد حامد وعدد كبير من الممثلين، إلى جانب الحديث عن موضوع مختلف ومهم له اعتبارات وحساسيات كثيرة. بالإضافة إلى نجاح كان قد حققه الجزء الأول من العمل، فكان الرهان كبيراً، كان بمثابة "حقنة نمو مكثّفة" إذا جاز القول.
- ما مشاريعك المستقبلية؟
* فيلم "أوضتين وصاله" ربما نبدأه بعد شهر رمضان، وهناك مشروع آخر أيضاً مع الكاتب أحمد عامر. هذا إلى جانب عملين آخرين انتهيت منهما. بعد ثورة 25 يناير، كل شيء تغيّر، كل ما أدركه أني أحاول الإقبال على مشاريع أحبها وأتحمّس لها واكتشف نفسي من خلالها، أحاول تقديم ما يشغلني بشكل شخصي ويستمتع به الجمهور.
(*) عُرض "علي معزة إبراهيم" مؤخراً في سينما متروبوليس - بيروت.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها