الثلاثاء 2018/05/22

آخر تحديث: 14:04 (بيروت)

شريف البنداري لـ"المدن": المدينة تسيّر الجميع.. والمعزة درّبتني لأدرّبها

الثلاثاء 2018/05/22
شريف البنداري لـ"المدن": المدينة تسيّر الجميع.. والمعزة درّبتني لأدرّبها
قد أبدأ العمل قريباً على رواية ابراهيم أصلان "اوضتين وصالة"
increase حجم الخط decrease
ثمة مفهوم دارج لدى صنّاع السينما والأعمال الأدبية "الحكّائين"، أن هناك قصصاً تُحدث صدى بمجرد عرضها أو كتابتها، خلطة مضمونة النجاح، سواء كانت قضية أثارت جدل الرأي العام أو أخرى يقدّمها نجم/ـة شبّاك ليست في حاجة لقصة قوية لتنجح. في المقابل، ثمة سردية مغايرة يصعب خوضها، وهذا ما أثاره المخرج شريف البنداري وفريق فيلم "علي معزة إبراهيم". فهو خط قصصي من الصعب السير بمحاذاته. قصة شابين، أحدهما يحب معزة، وآخر يسمع أصواتاً، هو نفسه لا يعلم مصدرها أو ما تعنيه! سخرية يواجهها "علي" الذي قام بدوره علي صبحي، وحصل على جائزة مهرجان دبي السينمائي الدولي لأفضل ممثل. تضغط عليه أمّه لزيارة أحد الروحانيين، وفي الطريق يجد إبراهيم (أحمد مجدي)؛ المنبوذ الآخر الذي يعاني صخب أصوات متخيَلة تؤرقه.

لم يستطع الشابان الاندماج في المجتمع الذي لم يستهجن تفكيرهما. وبدافع الهروب من "عالمهما"، يحاولان الابتعاد عن القاهرة "المدينة الصاخبة" بصحبة "ندى"؛ المعزة التي يعتبرها علي بديلة لخطيبته التي أبعده عنها الرحيل المفاجئ.

كانت السردية الواضحة التي يقدمها تتر البداية، تعطي انطباعاً مبدئياً عن الأحداث؛ دبدوب يجوب وسط البلد على وقع أغنية "الكوتشي اللي باش" لمحمد محسن، وسط سخرية الناس."الكوتشي اللي باش م اللف في شوارعك يِحرم عليه يبوس أرض غيرك والقلب القماش اللي مكوي بعمايلك لسا معبّق بريحة عبيرك". خطاب ربما يصنّف في مظلومية كاتبه مصطفى إبراهيم -أحد شباب الثورة- والمتعاطفين معه، لكنّه قد يكون تكثيفاً للحب الشديد وربما غير المفهوم، لهؤلاء الذي نبذهم المجتمع بالرغم من استمرارية حبهم.

"المدن" التقت المخرج شريف البنداري وحاورته في عمله "علي معزة إبراهيم" ومشروعه السينمائي عموماً:

- ما سبب تصنيف فيلم "علي معزة إبراهيم" +16، وما تأثير ذلك في توزيع الفيلم ورواجه؟

* عندما عُرض الفيلم على الرقابة في مصر تم الإتفاق على أنه سيكون +16 بلا حذف، لكن قبل نزول الفيلم بيومين فقط، أُبلغنا بحذف جملتين بعد مشادات قوية بيني وبين الرقابة، وهذا الحذف المفاجيء كانت له توابع قوية، أولها ظهور مشاكل في يوم عرضه الخاص، كما أثر في توزيع الفيلم والإقبال عليه بشكل كبير. الفيلم عرض في فرنسا مثلًا، بوتيرة توازي ثلاثة أضعاف عرضه في مصر، والأمر يرجع ربما للذوق المختلف وتقبل الجمهور لمشاهدة أفكار مختلفة، لكن المنع أثر أيضاً في دخول البعض وفي توزيعه بالتأكيد.

- السيناريست أحمد عامر، وصاحب القصة إبراهيم البطوط، تجمعهما مشاريع سينمائية أخرى كما تشارك أنت أحمد عامر في فيلم جديد أيضًا، هل ترتاح لفكرة الثنائيات الفنية؟

* تعد مشاركتي في هذا الفيلم بالتحديد من قبيل الصدفة، كان مخرج العمل في البداية صاحب القصة إبراهيم البطوط، وإثر خلافات بسيطة أثناء العمل قرر ترك الفيلم، ثم بعد ذلك بعام عرض عليّ عامر القصة وقبلتها بعد الرجوع لبطوط أولًا. أحب العمل مع القصة التي تجذبني ولا أنظر لشخص صانعها.

- شخصياً لا أجد تصنيفاً واضحاً لأعمالك، ففيلم "علي معزة إبراهيم" مثلًا، هناك من يعتبره خيالياً، ويصنّفه البعض الآخر كوميديا إلى حدٍ ما، هل تقصد عدم قولبة أعمالك في سردية معينة؟ ولماذا؟

* لم أقصدها بشكل واعٍ، كما أني لا أعتبرها هدفاً أحاول الوصول إليه في حد ذاته، لكنّي في الوقت نفسه لا أرى مشكلة فيه، بالرغم من أن البعض قد يخاف من عدم القولبة تلك. على سبيل المثال، كانت ردود الأفعال بعد "حار جاف صيفًا" تتساءل حول كونه فيلماً قصيراً أم لا! بينما لم أر أي أزمة في ذلك. الأفلام في مصر تنقسم إلى أفلام مستقلة أو دعنا نقول "مختلفة"، أخذت طابعاً أو فهمت فهماً سيئاً لدى الجمهور، أفلام تعكس هواجس شخصية لصانعيها فقط ولا تهتم بالمتلقي، وأفلام "تجارية" ربما تصل إلى حد التسطيح في التناول. أحاول أن أجمع بين الإثنين في العمل الذي أقدمه. حتى الصدى والاحتفاء الذي ناله فيلم مختلف، مثل "يوم الدين" مثلًا في مهرجان "كان"، لا يعد فارقاً، طالما لم يحقق النجاح الكامل بتحقيق رضا الجمهور العام وإيرادات كبيرة.
في النهاية، أرى نفسي راوي حكايات، هذا يعني أني طرف يحكي وهناك آخر يتلقى ويجب وضعه في المعادلة أثناء صناعتي العمل، لا أريد تصنيف أعمالي أو قولبتها.. المهم أن "يستمتع" الجمهور.

- "ندى"، المعزة، اسمها في العنوان والأفيش أيضًا، لتأكيد حضورها كبطلة، كيف اخترتها؟ وكيف تعاملت مع عدم وجود مدربين مصريين أو أجانب منخفضي الكلفة في ظل "الموزانة المحدودة" للفيلم كما قلت؟

* كمخرج أحاول في كل مشروع جديد أن تكون هناك تحدّيات، ربما لم أتخيل يوماً أن أقدم عليها، وهو الأمر المثير في عمل الإخراج عمومًا. لم أتوقع أن أجلس لأذاكر تاريخ جماعة الإخوان المسلمين وتاريخ دخول السلاح في مصر، بالإضافة إلى رُتب الضباط وما يعنيه لقب "البكباشي" أو غيره قبل ثورة 1952، لأنجز عملاً يتعلق بتلك الفترة، لكنك كمخرج توضع في سياق يضطرك للتعامل مع الأمر والتفاعل معه. في "علي معزة إبراهيم" قرأت كثيرًا حول أنواع الماعز وصفاتها، حتى استطيع اختيار الأكثر ملاءمة للدور، وكان عليّ أيضا معرفة لغة الإشارة، الأمر يشبه المغامرة .
كان هناك سيناريو واضح في الفيلم يحتاج أن تظهر ندى المعزة، غاضبة مرة، أو تسير بجانب شخص، أو تركض خلف آخر، حاولنا في البداية البحث عن مدرب ماعز في الخارج نظراً إلى غياب تلك المهنة في مصر، اكتشفنا أن الموضوع سيتطلب موازنة موازية، ما جعلنا نصرف النظر عن الأمر. فكان الحل أن نتفادى الموضوع بمجهود ذاتي، مع مراقبة ندى المعزة في البروفات، اكتشفت سيرها في المسارات نفسها إذا تركتها في غرفة ما. كانت في زاوية تلك الغرفة، حقيبة، وفي الزاوية الأخرى زجاجة مياه، وهي ستذهب بفضول إلى هذه الأشياء. عند خروجها من الغرفة، وإعادتها مرة أخرى، ستقدم على الخطوات نفسها، وهي صفة مشتركة في الماعز عمومًا، وكنت أستغل ذلك في التصوير، هي صدف تم الترتيب لها.


- عدّلت سيناريو "علي معزة إبراهيم" كثيرًا خلال الخمس السنوات التي قضيتها في عمل الفيلم، هل كانت تختلف نهايته في البداية عن المعروضة حاليًا؟

* لم أغيّر في السيناريو، لكنّي طوّرته بشكل أو بآخر، لحلّ مشاكل كانت في النسخة الأولى، للوصول لأفضل نسخة منه، في كل الأحوال لا أقدم على التصوير إذا كنت غير راضِ عن المكتوب. لم تختلف النهاية بعد البدء في تصويره إذا كنت تقصد ذلك.

- ما الذي يجعلك لا تتوقع قبول "نجوم الصف الأول" بالعمل مع مخرجين شباب مثلك؟ هل مررت بتجربة مع أحدهم؟ وهل كان سيؤثر ذلك أساسًا في قبول ورواج "علي معزة إبراهيم" إلى جانب زيادة إيراداته أو غيره من الأفلام؟

* بلا شك، يؤثر وجود نجم صف أول، في إيرادات الفيلم والإقبال عليه، لكني في أفلامي أؤمن بالممثلين الذين أدوا أدوارهم وفق اختياراتي ورؤيتي. كان نجوم الصف الأول المصريون (نور الشريف وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز)، في الثمانينات، هم المحرك الأول للسينما، مثلًا  تحمّس نور الشريف لأفلام مثل "ضربة شمس" أو "سواق الأتوبيس"، خلق إلى جانب تجارب فنانين أخرين مساحة لمخرجيين جدد سُمّي إتجاههم العام في ما بعد بسينما "الواقعية الجديدة".
النجوم الآن لا يتحمّسون للمشاريع الجديدة، ربما لنقص الوعي أو خوفاً من الفشل، فنجم الصف الأوّل ثبّت نفسه عند نقطة معينة من النجاح لدى جمهوره ويفضّل تأكيدها لجمهوره طوال الوقت، ولا يريد المجازفة أو المغامرة مع أشياء جديدة.

- ربما هناك تخوّف طوال الوقت من الفشل، لدى الجميع، وليس لدى نجوم الصف الأول فقط، إحساس بأن أي مشروع فاشل أو "محدود" يخطرنا بموت صانعه؟ على سبيل المثال، هل هذا سبب تأخر تواجدك بأعمال على الساحة؟

* ربما في الأمر مغالطة. هناك فرق بين أن تكون خائفاً من المغامرة بعمل جديد، وبين أن تقدم على مشروع مختلف يحتاج سنوات لإنتاجه في ظل إمكانات السوق المصري لأنك لن تجد من يتحمّس له. أملك أربعة مشاريع، يمكن أن أقدمها غداً إذا حُلّت المشاكل الإنتاجية ووجود ممثلين جيدين متحمسين لتلك النوعية من الأفلام.
مثلاً لدي مشروع فيلم "أوضتين وصاله" المأخوذ عن قصة لإبراهيم أصلان، اعتذر الفنان الراحل محمود عبد العزيز عن خوضه قبل أسبوعين من التصوير، وبعد ثلاثة أعوام من العمل عليه، فتوقّف المشروع. ثم قدمت مشروعاً آخر وهو "علي معزة إبراهيم"، ثم قررت خوض التجربة مرة أخرى.

- منطقة وسط البلد أو المدينة بشكل عام، حاضرة في أفلامك بقوة، سواء في فيلم "في الطريق لوسط البلد" أو في "علي معزة إبراهيم" الذين يهرب من زحمة "المدينة"، وفي فيلمك القصير عن ثورة 25 يناير "حظر تجوّل" الذي عرض في مهرجان "كان" ضمن فيلم روائي طويل بعنوان 18 يوم يظهر أيضًا سيطرة المدينة وحضورها، بينما تدور قصة "حار جاف صيفا" في وسط البلد. كيف ترى المدينة؟ ومدى تأثيرها في الفرد، في مصر أو حتى في الخارج؟

* في كل عمل فني أقدمه، أحاول تقديم المدينة من زاوية مختلفة عن السابق، أحاول الحديث عن شخصياتها. لدي شعور بأنه جزء من دورنا كصنّاع أفلام، مثلما كان دور مخرجي الواقعية الجديدة مثلًا بشكل غير واعٍ منهم ربما. لكن قاهرة الثمانينات، التي وثّقت آنذاك، ليست قاهرة الآن، نظراً لتغيرات ثقافية ومعمارية وإجتماعية وسياسية غيرّت كل شيء، حتى وجوه الناس في الشارع، توثيق الشوارع والأماكن داخل المدينة ومحاولة الحديث عن شخصياتها، كلما استطعت الحديث عن شخصيات هي جزء من زمانها ومكانها، كلما تعرفت عليها وقدمتها بشكل أفضل. كان جزء من دور السينما أن "ترصدها"، أي تتفاعل معها، تؤثر فيها وتتأثر بها، لأن تلك الشخصيات هي نتاج طبيعي لهذا المكان. المدينة في النهاية تخضع الجميع لقوانينها وهذا ظاهر في "حار جاف صيفا" بشكل أساسي.

- ثمة فكرة قديمة تقول أن "كل مخرج فعلياً يخرج فيلماً أوحد في حياته، بينما تظل البقية تكراراً لهذا الفيلم"، بمعنى آخر، هناك دائماً فكرة واضحة التكوين وسط كثرة الأفكار الأخرى. في أوّل أفلامك، الفيلم القصير "صباح الفل" الذي أنتجه المركز القومي للسينما، وفاز بجوائز، كانت البطلة (هند صبري) تشكو تجاهل زوجها.  في "حار جاف صيفاً" كان البطل، ربما ليس منبوذاً لكنه مُتجاهَل نوعًا ما، الإبن يشرح له كيف يعمل بينما هو مشغول في العمل. وفي "علي معزة إبراهيم"، تحكي عن أبطال نبذهم المجتمع، ما قصة اهتمامك بالمنبوذين أو المتجاهَلين؟ هل هي فكرتك الأهم؟

* قيل لي أن هناك تيمة مسيطرة على معظم أفلامك؛ تيمة البحث عن شيء ما، في فيلم "صباح الفل" تبحث البطلة عن مفتاح الشقة الضائع، كما يبحث "عم شوقي" في "حار جاف صيفًا" عن حقيبته الضائعة. في "حظر تجوّل" يبحث عن الطريق إلى البيت، بينما في "ساعة عصاري" يبحث عما فقده من أمل، وأخيرًا في "علي معزة إبراهيم" يبحثون جميعًا عن طريقة للخلاص. لم أقصد ذلك بشكل واعٍ، لكن الفكرة في "علي معزة إبراهيم" شكلت البناء الأساسي للقصة.

- هل تحدثنا عن خوضك أول تجربة درامية في الجزء الثاني من مسلسل "الجماعة"، كيف أثرت في رؤيتك كمخرج؟

* تجربة المسلسلات بشكل عام تجعل المخرج أكثر جرأة وعنفاً، تجعلك تشعر بأن المشهد الواحد جزء من مشاهد كثيرة. أشعر أنني كبرت فنيًا عشر سنوات، خبرة كبيرة اكتسبتها من العمل، التعاون مع كاتب مثل وحيد حامد وعدد كبير من الممثلين، إلى جانب الحديث عن موضوع مختلف ومهم له اعتبارات وحساسيات كثيرة. بالإضافة إلى نجاح كان قد حققه الجزء الأول من العمل، فكان الرهان كبيراً، كان بمثابة "حقنة نمو مكثّفة" إذا جاز القول.

- ما مشاريعك المستقبلية؟

* فيلم "أوضتين وصاله" ربما نبدأه بعد شهر رمضان، وهناك مشروع آخر أيضاً مع الكاتب أحمد عامر. هذا إلى جانب عملين آخرين انتهيت منهما. بعد ثورة 25 يناير، كل شيء تغيّر، كل ما أدركه أني أحاول الإقبال على مشاريع أحبها وأتحمّس لها واكتشف نفسي من خلالها، أحاول تقديم ما يشغلني بشكل شخصي ويستمتع به الجمهور.


(*) عُرض "علي معزة إبراهيم" مؤخراً في سينما متروبوليس - بيروت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها