في المعرض، وعدا المشهد الروتيني لدور النشر وتوزيع الأجنحة وعصبيات التواقيع وأحزابها والأنشطة الهامشية، وتململ الكثير من القراء من "غلاء" بعض الكتب، واستغلال بعض الدور لحظة التواقيع لإرساء أسعار مرتفعة نسبياً، وعدا اندفاع الكثيرين لإعطاء مواعيد في الكافيتيريا والحديث عن المناقيش وأحلام مستغانمي وجمهورها ومبيعاتها "الخيالية"، هناك بعض التحولات التي تطرأ هنا وهناك.
دار مثل "النهار" المعبّرة عن "ثقافة الجمهورية اللبنانية"، أصبحت علامة انهيار، وتحضر كتبها على هامش دار "سائر المشرق". ثمة تطور في بعض الدور السورية، "التكوين" تتبنى أدونيس وفراس السواح وعلي حرب، "سرد" لديها طموحات في عالم الرواية، والدور العراقية مثل "الرافدين" اختارت مع "تكوين" الكويتية طباعة الأعمال الكاملة لبسام حجار.
ثمة دور لبنانية إيديولوجية تحولت إلى طَبَّاعة كتب، لا تراعي أدنى معايير النشر، لا تهتم بالنوعية، الغاية الأساس تقاضي الأموال من الكاتب أو المؤلف أو الشاعر وإرسال المخطوطة إلى المطبعة. في مقابل هؤلاء، تغرق بعض الدور في الإدعاء وزعم "العراقة"، والاهتمام بكل التفاصيل، لكن من دون إنتاج الكتب أو توزيعها، مع النفخ في صغائر الأمور وجعلها عظائم المنجزات...
لم يعد جديداً الحديث عن الروايات المترجمة من كل اللغات (الروسية والفرنسية والانكليزية والاسبانية والألمانية... وحتى الإيرانية والتركية)، ويتفاوت مستواها بين الجيدة والركيكة (كل فرنجي برنجي) والرائعة. وفي مقدمة الكتب المترجمة: بول أوستر وكارلوس زافون وايلينا فرانتي، مع وجود تنافس شرس بين دور النشر من اجل الحصول على حقوق أبرز المؤلفين العالميين. فـ"التنوير" حظيت بماركيز، و"الجمل" بجوزيه ساراماغو وألبرتو مورافيا، و"الآداب" بايزابيل الليندي وأليف شافاق، "والفارابي" بأمين معلوف. وهنا يطرح السؤال عن أفق الرواية العربية و"الشبابية". فبرغم كثرتها وغزارتها في بعض دور النشر(الساقي، المتوسط)، هناك غمز من دور اخرى عن تعثرها في المبيعات، باستثناء بعض الأسماء التي تحضر أعمالها لأسباب لا علاقة لها بجوهر الرواية، بل بالشعارات الأيديولوجية أو الظهور الإعلامي والأفكار "النسوية" وربما الجنس، وصولاً إلى الجوائز ومدلولها.
كذلك لم يعد جديداً الحديث عن حضور الشعراء وغياب القصيدة. إذ لم تثمر السنوات القليلة الماضية نصاً شعرياً خاصاً يمكن التوقف عنده. لم يعد غريباً القول أن الكتاب النجم، في مرات كثيرة يكون حظاً، فليس مفهوماً لماذا يختار القراء أحلام مستغانمي أو دان براون أو باولو كويلو. الأرجح أنه فيروس الاستهلاك والدعاية.
الجانب الأكثر إثارة للانتباه في المعرض، هو حضور الكتب الدينية والمذهبية بشكل عام، وإيرانية الهوى بشكل خاص. وهذا انعكاس للتحولات في المنطقة، وله دلالاته في عالم "القراءة"، والتوجه السياسي. فكل عام، يتسم المعرض بموجة ما، تتضمن نوعاً من إفراز سياسي وحزبي، سرعان ما يتداعى ويتفكك. شهدنا موجة ميديا رافقت مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري و14 آذار 2005، كانت هناك أجنحة لبعض الرموز الحزبية والثقافية سرعان اختفت أو توقفت عن المشاركة. وبعد 2011، برزت موجة الثورة السورية وكتبها، ثم موجة كتب "داعش"، والآن موجة ما بعد دخول "حزب الله" إلى سوريا، إذ زادت الميديا والثقافة التابعتان لحزب الله وإيران. حتى في الدور السورية واللبنانية "الليبرالية" والعلمانية، يلاحظ وجود عناوين بارزة كثيرة تهتم بالتراث الشيعي والكربلائي. وهذا لا يعني أن الأصوليات والمذهبيات الأخرى (السنّية) غير حاضرة.
هامش
الناشر فايز علام كتب الأسئلة العشرة الأكثر ترداداً في معرض بيروت:
1 - هل عندك روايات لأحلام مستغانمي؟
2 - هل عندك روايات عن الحب؟
3 - هل عندك رواية "ظننته رجلاً"؟
4 – هل عندك رواية "أنت لي"؟
5 – هل عندك روايات أيمن العتوم؟
6 – هل عندك شيء لجبران؟
7 – هل عندك كتب قانونية؟
8 – هل عندك "قواعد العشق الأربعون"؟
9 – هل عندك كتب فرانسيه؟
10 – هل عندك cd؟
هذا إلى جانب أسئلة كثيرة عن كتاب يُسمى "نظرية الفستق"، والذي، لكثرة الحديث عنه، انبرى فايز علام للاستفسار عنه، ليتبين أنه للكاتب فهد عامر الأحمدي الذي يقول إنه كتاب سيغير طريقة تفكيرك وحكمك على الأشياء. يحتوي على مجموعة مقالات تتمحور غالباً حول تطوير الذات والبرمجة اللغوية العصبية وطرق التفكير والوعي والسلوك الإنساني.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها