الإثنين 2018/11/19

آخر تحديث: 13:44 (بيروت)

توماس مكمولان.. عندما تتكلم الجدران

الإثنين 2018/11/19
increase حجم الخط decrease
في دراسة جديدة له، تناول الناقد والصحافي البريطاني توماس مكمولان Thomas Mcmullan معنى ورمزية الجدران في أعمال مصوري وكالة "ماغنوم".
رأى مكمولان أن "الجدران تتكلم وتصمت. هي، بنظر المصور، حواجز بين الناس والأماكن، وحاجبة للضوء. لكنها تشكل أيضاً خلفيات. هي مسرحية، تؤدى بإبداع، وبصوت صارخ، في كثير من الأحيان، على الرغم من أنها جامدة بلا حراك، وعلى الرغم من أنها تقسّم ، تعمم التفرقة، تسيل الدموع، وتحاصر".

تناول مكمولان أولاً أعمال البريطاني مارك باور(1959) عند سقوط جدار برلين في 9تشرين الثاني1989: حشود صاخبة، تسلقت الجدار المغطى بالشعارات، "كأنهم تسلقوا نصاً مكتوباً" كتب مكمولان. في الأيام التالية، بعد إنهياره، توحدت برلين الشرقية والغربية وظهر في الصور الحراس والمحتفلين والصحافيين حول بقايا الجدار الذي كان قد شُيد بوجه الآخر.

"قد تكون للجدران اذان، لكن لديها أفواه أيضاً". في حديثه عن صوره لكتابات الجدران التي التقطها في عام 2001، قال الإيراني عباس عطاري (1944- 2018): "خلال الثورة الإيرانية، تكلمت جدران طهران. عليها، تزاحمت القصائد والشعارات، واختلطت بالصيحات. بعد سنوات، ظهرت على جدار في طهران صرخة بسيطة، "لا". اكتملت دائرة التاريخ. تكلمت الجدران مرة أخرى".

في 2011 وجد جدار عباس مثيله، في صور أليكس ماجولي (إيطاليا- 1971) عن ثورة تونس. رجل يجلس عند جدار يحدق في هاتفه المحمول. بدت فوقه عبارة "الموت للديكتاتور"، "كأنها فقاعة في قصة مرسومة. يخلق جمع الشخص والجدار في إطار واحد، نوعًا من المشهدية التعبيرية. لمن الكلام هنا، للجدار أم للرجل؟" تساءل مكمولان. في تحقيق آخر لماجولي، ظهرت جدران مختلفة، تساقط طلاؤها وغطتها الرطوبة. إنها لسجن رسمي من نوع آخر، احتجز مرضى نفسانيين، حضر في كل الصور وحاصر أجساد نزلائه النحيلة. جدران أشبه بقماشة مزخرفة، علقت عليها صور قديسين. حيطان تتحدث عن النزلاء/المساجين، تعكس ربما تخيلاتهم. في عمله هذا، صور ماجولي، صفحة من قصة فرنكو باساغليا، الإيطالي الذي كان وراء إقفال مثل هذه الأماكن في إيطاليا.

صوّر الأميركي بروس دافيدسون(1933)، شخصياته أمام جدران المترو المغطاة بالكتابة، "لأنني أردت تحويل هذه الأنفاق من واقعها المظلم، المهين وغير الشخصي، إلى تجربة جديدة مع اللون والإحساس. المساحات الضيقة تحت الأرض تحاصر مرتاديها. الغرافيتي والإعلانات تُغرق الوجوه في نشاز مشهدي".

أما عن جدار جوزف كودلكا، الأضخم والأعنف (معرضه في بيروت، "دار النمر" حتى 22 كانون الأول 2018)، فكتب مكمولان: "بدأ كوديلكا مع المجلات المسرحية. وضع في صوره خيال كواليس المدينة، مسرح التخلف المأساوي".

في عمله الضخم "منافي" العديد من الجدران التي لا يمكن لا للإنسان ولا للحيوان ولا للضوء اجتيازها. برأي كوديلكا: "الجدران ثرثرة ومناغاة، لكنها خانقة أيضاً، للجدران تردداتها البعيدة".  في "الجدار"، البطل هو الجدار نفسه، مقسّم الأمكنة، محاصرها، وسجانها. استعمل كوديلكا الكاميرا البانورامية لمحاكاة ضخامة وقمع جدار الإحتلال "يتوافق البانورامي مع مجال الرؤية البشرية" يقول كوديلكا. اختفى الوجود البشري من حول الجدار الذي لم يخل من كتابات ورسومات مناهضة لوجوده، لكنها ليست سوى مجرد طلاء أسود. "للجدران معانٍ مزدوجة، إما تحتضنك أو تبقيك خارجها، تحميك أو تتنكر لك، كل ذلك يعتمد على هوية من بنى الجدار."(مكمولان)

ما الذي تخفيه الجدران خلفها؟ ربما يعتبر هذا الشكل الفني من الإخفاء تقنية فوتوغرافية، أدركها هنري كارتييه- بريسون كدلالة على الفضاءات الممتدة خلفها: في صورة لهمن 1932 شخصان يختلسان النظر عبر ثقب في جدار، وفي 1962 في برلين، أشخاص ينظرون إلى ما وراء الجدار، كأنهم يتساءلون عما يحدث عند الجانب الآخر منه؟

بألوان زاهية صوّر الأميركي أليكس ويب(1952) عبر جدران هاييتي المنهارة مع رحيل ديكتاتورها دوفالييه في أواخر الثمانينيات. جدران إختلطت عليها الرسومات مع منافذ أطّرت بدورها الواقع لتحوله إلى صور.

ختم مكمولان دراسته: "الجدران إن حكت، لصوتها أصداء رنّانة".
لم يجد مصورو القرن الماضي غيرها للتعبير عن المرئي من نضالات في سبيل الحريات يستحيل تصويرها، وربما شكّلت، وحدها "الصفحات" التي تنتفض أولاً، فتكتب تاريخاً مرئياً تعجز الرقابات عن محوه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها