الأربعاء 2018/11/14

آخر تحديث: 13:26 (بيروت)

"سوسبيريا" 2018: سحر ورقص.. لكن أين الرعب؟

الأربعاء 2018/11/14
"سوسبيريا" 2018: سحر ورقص.. لكن أين الرعب؟
فيلمٌ مدعٍ يتمحور حول مفهوم الشر
increase حجم الخط decrease
بعد 41 عاماً على نسخته الأولى، يعود "سوسبيريا" على يدي لوكا غوادانينو. إعادة تقديم الفيلم التحفة تحدٍّ كبير، إذ إنّه شكّل علامة فارقة في أفلام الرعب وأخرجه مايسترو أفلام الجياللو(*) داريوأرجنتو.

مع استنساخ كلّ فيلم أصيل، نكون أمام سيناريوين لا مفر من أحدهما –إلّا في ما ندر: أن يكرر المخرج الفيلم بأسلوبه الخاص، فيأتي العمل الجديد أضعف من الفيلم الأصلي، أو أن يعيد قولبته فيسرق أحداثاً ومفاهيماً من القصة الرئيسة ثمّ يعالجها من زاوية جديدة، ما يؤدي إلى ضياع الفيلم وفقدان نكهته، لأن المقارنة ستفرض نفسها ويحكم على الفيلم من خلالها.

ينطبق السيناريو الثاني على نسخة غوادانينو الجديدة بالكامل. "سوسبيريا" 2018 فيه كل شيء إلا "سوسبيريا" 1977: فيلم رعبٍ غير مرعب، ولن يجلب للمشاهدين بكلّ تأكيد أيّكوابيس.

كما في فيلم أرجنتو، يبدأ غوادانينو فيلمه مع وصول سوزي (داكوتا جونسون) إلى ألمانيا للانضمام إلى مدرسة رقص. في الوقت ذاته، تختفي الراقصة باتريشيا (كلوي غريس موريتز) من المدرسة بطريقة غامضة. وكما في الفيلم الأصلي، تشكّل المدرسة غطاءً لساحرات يمارسن طقوساً غريبة وسحراً أسود، وتستغلّ الراقصات في إطار تلك الممارسات. تعجب مديرة المدرسة مادام بلان (تيلدا سوينتون) برقص سوزي، وسرعان ما تبدأ الأسرار بالتكشّف. بهذا التسلسل الفاضح لكلّ مكنونات الفيلم تجاهل المخرج المنطق السردي المنطقي الذي يفترض أن يحافظ على التشويق. 


توازياً مع السحر المتواري في المدرسة، تدور قصّة أخرى في الخارج، في برلين الغربية عام 1977، وشبح النازية لا يزال جاثماً على المدينة. الجدار مرئي من النوافذ، بينما تبثّ الاذاعة والتلفزيون أخبار العمليات العسكرية لمجموعة اليسار المتطرف بادر ماينهوف (الجيش الأحمر). ينجز غوادانينو خلطته العجيبة من الدراما والسياسة، ثمّ يضيف قليلاً من الأفكار النسوية، في مزيج يضعه تحت خانة الرعب، لكنّه لا يمتّ لذلك النوع بصلة. فيلمٌ مدعٍ يتمحور حول مفهوم "الشر"، بينما وُضع في سياقٍ غير متصل بالقصة، سخيف، وغير مثير للاهتمام. ارتكب المخرج ما لا يجدر لأي كان فعله بفيلم رعب: فكر كثيراً، بينما كان عليه أن يشعر، ثمّ أساء استخدام عنصري العنف والدم الأساسيين لفيلم كهذا، فتركهما لنهاية خاوية ومتوقعة.

يُقال إن حلم إعادة "سوسبيريا" كان يراود غوادانينو منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ثمّ بعد النجاح المبهر لفيلمه "نادني باسمك" (2017)، شعر الإيطالي بأنه قادر على مواجهة التحفة التي لم تمس منذ عرضها في السبعينيات. أخد غوادانينو النسخة الأصلية الاستثنائية المدعومة بقصة مؤرقة ومعززة بسينوغرافيا مثقلة بالألوان والتفاصيل، محوّلاً إياها إلى شيء باهت بلا لون، معتمداً حصراً على الحوارات. طوفان من الكلمات يغمرنا منذ الدقائق الأولى. اختار المخرج أن يخبرنا كلّ شيء متغاضياً عن حقيقة أثبتتها السينما بالتجربة: أعظم مساعد للإخراج والسيناريو هو عقل المشاهد الذي يجدر تحفيزه لسد الثغرات التي يتركها المخرج من دون تفسير، ما يولّد إثارة وترقباً وتساؤلات وبالتالي متعة. ساعتان ونصف، وقتٌ طويلٌ جداً، قسّم إلى ستّة اجزاء وخاتمة سخّرت لتفسير كلّ تفصيل، فتحولت المشاهدة إلى شيء محبط.

بالنسبة إلى الطاقم التمثيلي، فقد رفعت تيلدا سوينتون من قيمة الفيلم، خصوصاً أنها لعبت دورَين ببراعة وخداع. بقيت الشخصية الثانية التي تلعبها في الفيلم طي الكتمان، ولم يكشف عنها إلا حديثًا. حتى أنّ بعض أفراد طاقم العمل لم يعلموا بهوية الدكتور جوزيف كليمبير المجهولة، إذ قيل لهم إنّه ممثل غيرمحترف، يمثّل للمرّة الأولى، واسمه لوتز إبرسدورف. لكن عدم مجيء السيد إبرسدورف إلى مهرجان البندقية خلال عرض الفيلم الأول، أثار الشكوك. كانت تلك استراتيجية مقصودة تشويقًا وترويجًا للفيلم، قبيل طرحه في الصالات. كان فاضحاً أداء زميلاتها الباهت، إذ كنّ مجرد رؤوس تتحرك، وأجساداً ترقص.

على الرغم من أن كل عمل سينمائي يجب أن ينظر إليه على أنه عمل فريد، الّا أنّ"سوسبيريا" الجديد يفرض مقارنة لا مفرّ منها مع النسخة القديمة. هذا العمل السينمائي غير مؤثّر، ضائع في تفاصيل لا لزوم لها، غارق في الحوارات، ويفتقر بفداحة لإبداعات تخرج من أحشاء المخرج. حشو من دون أيّ عناء للربط بين عناصر متباعدة: ما علاقة النازية بالسحر؟ ما علاقة قوة المرأة بفيلم رعب؟ وكيف تدخل سوزي في خضمّ فيلم رعب وإلى بيئة مظلمة من دون أن تسبب لنا أدنى شعورٍ بالقلق؟ خسر لوكا غوادانينو كل الرهانات، الفيلم مذبحة للعيون وللعقل.

يقال إنك إن لم تحبّ فيلماً، فهذا يعني أنك لم تفهمه.
لم يعجبني "سوسبيريا" الجديد، هل هذا يعني أنّي لم أفهمه؟
قطعاً لا.
لم أحبه لأنه سيئ، لأنه دوامة من الملل القاتل ولأني فهمته أكثر مما ينبغي، فلم يترك لي مجالاً للتفكير.

(*) الجياللو: نوع من الإثارة الإيطالية في الأدب والسينما. خارج ايطاليا جياللو تشير تحديدا إلى نوع خاص من افلام الرعب الإيطالية التي تحتوي على عناصر غامضة، جرائم، اثارة نفسية، استغلال، اعتداءات جنسية. كل هذا في طريقة تصوير معتمدة على ألوان فاقعة مظهرة التفاصيل المروعة والمرعبة.

(**) "سوسبيريا" في الصالات اللبنانية ابتداء من 15 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها