الثلاثاء 2017/12/12

آخر تحديث: 10:53 (بيروت)

أولادنا يكرهون اللغة العربية

الثلاثاء 2017/12/12
أولادنا يكرهون اللغة العربية
"المدينة الضائعة" لضياء العزاوي
increase حجم الخط decrease
أولادنا يكرهون اللغة العربية
تلامذتنا يكرهون اللغة العربية، ويجدون نحوها وصرفها ضرباً من الأحاجي الصعبة مقارنةً بقواعد اللغتين الفرنسية والانكليزية. لكنهم ليسوا وحدهم المسؤولين عن غياب انجذابهم إلى لغتهم الأم. بل إدارة المدرسة ثم الأساتذة.

غالبية الادارات، ولا سيما في المدارس الخاصة، تهمل اللغة العربية على حساب الفرنسية والانكليزية. قلما تحفّز تلامذتها على مطالعة كتب باللغة بالعربية خلال السنة الدراسية في إطار البرنامج المفترض. تكتفي بكتاب القراءة الذي كثيرًا ما يشترك في توليفه، لا تأليفه، اثنان، وأكثر أحيانًا. ولا يخفى أن هنالك مدارس تتبنّى كتاب قراءة معيّناً صادراً عن دار للنشر معينة، ورعى توليفه أشخاص معيّنون. مثل هذا التبني ليس بريئاً من شبهة الصفقات، والمنفعة.

من يتصفح بعض تلك الكتب، مع التحفظ عن ذكر معلومات تتصل بها إلا عند الاقتضاء، يخرج بملاحظات كثيرة. أبرزها:
ثمة نصوص مستلة من كتب أدبية قد لا يهضمها طالب جامعي يتخصص باللغة العربية، فكيف تلميذ في المرحلة التكميلية. ومنها نصوص لجبران ونعيمة والريحاني. للمثال، وقعنا في أحد كتب القراءة للصف الخامس على نص من كتاب "مرداد" وملحق يتضمن أسئلة حول النص. لم يستوعب التلميذ المعني شيئاً منه رغم إعادة الشرح مرتين وثلاثاً.

وهنالك نصوص ركيكة لكتّاب ليسوا من ذوي الكفاية الأدبية، بعضها أُدرج لصلة تربط الكاتب بأحد المشرفين على الكتاب، أو بصاحب الدار الناشرة، أو بأحد المتنفذين في مجال التربية والتعليم. وبعضها الآخر أُدرج مراعاة لقاعدة 6 و 6 مكرر التي تكمن وراء علل الدوائر الرسمية.

عدا أن الأسئلة المتعلقة بالنص محبوكة حبكاً أدبياً يوحي أن معدّها ليس مدركاً أن الذي سيجيب عن هذه الأسئلة تلميذ صاعد حديثاً إلى المرحلة المتوسطة. فإذا استوعب التلميذ النص استغلقت عليه الأسئلة، وحثّته على ترك الدرس إلى أمر آخر.

كذلك تأتي غالبية النشاطات المدرسية في أعياد المعلم والاستقلال والام، وفي مناسبات أخرى، بلغة فولتير أو بلغة شكسبير.

وحده النشيد الوطني يُطلق باللسان العربي، وإن يكن الذين يحفظونه كاملاً هم قلة. ولولا نقلُه إلى لغة أخرى ممكن، لنُقل.

وفي لوحة الاعلانات التابعة للإدارة، قلما يُنشر بالعربية قرارٌ أو معلومة، ما عدا أوراق النعي ذات الصلة بأفراد الهيئة التعليمية.

إلى ذلك، تختار المدارس مدرّساً للغة العربية من غير المتخصصين فيها من باب التوفير، أو البخل، علماً أن أقساطها مرتفعة. وهو قد يكون جاهلاً الحد الأدنى من القواعد وطرائق تلقينها، ويُقدم على المهمة مرغماً لضيق فرص العمل. ومتعذر أن تأتي حصصه في التدريس مثمرة، لأنه يدرّس مادة ليس متخصصاً فيها، وربما لا تروقه. فالمدرس لا يستطيع أن يحبب المادة إلى تلامذته إذا لم يكن هو مشغوفًا بها. احدى الاعلاميات روت أنها أحبت اللغة العربية، لأن المدرس، وهو شاعر معروف، كان مشغوفاً باللغة، ونقل شغفه هذا إلى طلابه. وروت أن المدرس نفسه أوقف الدرس ذات نهار، وكان الجو ماطراً، ودعا التلامذة إلى تأمل المطر والاصغاء إلى موسيقاه ثم كتابة عشرة سطور عن المشهد وانطباعاتهم حياله.

ومعلوم أن الكتابة عن موضوع معيوش هي غيرها تماماً عن موضوع من وحي نصوص مقروءة أو محفوظة.

المستغرب كذلك هو أن المدرسة تنيط بذلك المدرس الطارىء تدريس، عدا العربية (قراءة، استظهار، إنشاء أو تعبير)، جميع المواد المدرجة باللغة العربية في البرنامج: تربية، جغرافيا، تاريخ.  

ليست المدرسة الخاصة منفردةً وراء تدني مستوى اللغة العربية لدى النشء، فهنالك أيضاً مسؤولية كبيرة على الأهل والتلميذ. ولهذه المسألة حكاية أخرى. 
 

(*) مقالة من سلسلة مقالات بمناسبة اليوم العالمي اللغة العربية في 18 الجاري.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها