الثلاثاء 2015/09/22

آخر تحديث: 13:57 (بيروت)

هكذا أعدمت "الشروق" نجيب محفوظ..

الثلاثاء 2015/09/22
هكذا أعدمت "الشروق" نجيب محفوظ..
كتب روائي القاهرة غير متوفرة في القاهرة
increase حجم الخط decrease
بدأ الأمر بسؤال عابر للبائع في مكتبة الشروق - وسط القاهرة عن مجموعة "دنيا الله" لنجيب محفوظ، إحدى أجمل المجموعات القصصية في الأدب العربي قاطبة، اعتذر البائع معلنا عدم وجودها في المكتبة، ولم ينزعج السائل كثيرا، فلا بد أنه واجدها في هذا الفرع أو ذاك، في هذي المكتبة أو تلك.

لكن بعد ساعتين من "اللفّ" في مكتبات وسط القاهرة كلها، لم يعثر السائل على كتابه المفضّل، عاد إلى "الشروق" مجددا، ليسأل عن عمل محفوظي رائع آخر هو" ليالي ألف ليلة"، أجاب البائع سريعا: نفدت منذ مدة، ولم تُعد طباعتها بعد!

ومرة أخرى يفشل السائل في العثور على مطلبه في أي مكتبة. بعد يومين يعثر شقيق السائل على نسخة وحيدة من "الليالي" في أحد الفروع البعيدة في أطراف القاهرة، كانت النسخة الأخيرة لدى الفرع في أحد المولات التجارية الشهيرة التي تشتهر في بيع الأثاث، ربما لهذا "نجت" تلك النسخة من النفاد.

ويتذكر السائل فجأة أحداث رواية "أبناء الجبلاوي" للروائي المصري إبراهيم فرغلي، حيث في روايته الاستعادية للأدب المحفوظي يخلق المؤلف حبكة محورها أن روايات نحيب محفوظ قد اختفت فجأة من المكتبات بلا أثر، ربما لم يتخيل المؤلف أن "فانتازيا" روايته ستتحول إلى حقيقة بعد سنوات قليلة على يد ناشر محفوظ ومحتكره الوحيد، دار الشروق.

في 2005، قبل عام واحد من رحيل عميد الرواية العربية، اشترت دار الشروق حقوق النشر الحصري –ورقيا وإلكترونيا- لأدب محفوظ، لتنهي بذلك 60 عاما من حقوق "مكتبة مصر- سعيد جودة السحار". اشترت "الشروق" الحقوق من محفوظ مباشرة، ما أثار صدمة مكتبة مصر لخسارة كاتبها الأهم، وهي ما زالت حتى اليوم تبيع بعض أعمال محفوظ أثناء  دور ات"معرض القاهرة للكتاب" قائلة أن تلك من "نسخ المخازن القديمة". أما المكتبة نفسها، في مقرها الشهير في الفجالة، فتخلو من أي عمل محفوظي. وحين لم يجد السائل "دنيا الله" في "الشروق"، ذهب – استجابة للناصحين- إلى مكتبة مصر، فاستقبله موظف على الباب قائلاً: ليس لدينا أي محفوظ، إذهب إلى الشروق. وعلى رفوف الفجالة لم تكن سوى أوراق ولوازم مدرسية استعداداً للعام الدراسي الجديد.

يعود السائل إلى "الشروق" هذه المرة محتشدا، إلى فرعها الرئيس في طلعت حرب، يسأل عن الموجود من روايات محفوظ ويحصيها بنفسه، ليس على الرفوف وفي "الخزانات" إلا 16 عملاً بالتمام والكمال، أي ما لا يزيد عن ربع التراث المحفوظي الهائل المهيب.

يسأل الموظفين ليتأكدوا بأنفسهم عبر "السيستم الآلي" من الفروع الأخرى: رواية "الطريق"؟ غير موجودة.
زقاق المدق؟ غير موجودة.
خمارة القط الأسود؟ الشحاذ؟ بداية ونهاية؟ رحلة ابن فطومة؟ همس الجنون؟
تحت المظلة؟ رادوبيس؟ قلب الليل؟
نفدت، نفدت، نفدت، نفدت، نفدت.
ما معنى نفدت؟ لماذا لا تعاد طباعتها؟ يقول السائل.
"للإدارة خطتها"، يجيب البائع.

"خطة الإدارة" تمثلت في مضاعفة أسعار الروايات فور شراء حقوقها، فمن كان يشتري "الطريق" من "مكتبة مصر" بستة جنيهات، صار يشتريها بأربعة عشر جنيها، ثم عشرين، ثم 28 جنيها، وهكذا صار الأمر على الروايات جميعا، التي تخطت أسعارها الثلاثين والأربعين والخمسين جنيها، وهكذا صار على من يريد جمع أعمال محفوظ الكاملة، أن يدفع ما يساوي 2000 جنيه مصري (كانت طبعة الأعمال الكاملة القديمة من مكتبة لبنان توصف بأنها فاحشة الثمن لأنها كانت بخمسمئة جنيه فقط). وهكذا، كما في مثل هذه الحالات، اقتصر المبيع –ومن ثم إعادة الطباعة- على الأعمال "الشهيرة" جماهيرياً، فتطبع "أولاد حارتنا" وتنفد، وتعاد طباعتها ولا تخلو منها "الفاترينة"، ويمكن العثور على "الحرافيش" في أي وقت.

أما الأعمال الأقل شهرة، تلك التي لم تحول إلى السينما أو لم تكن "ممنوعة"، وعلى رأسها أعمال "المرحلة الرمزية" رواية وقصصاً، فلا وجود لها. لقد نفدت منذ زمن ولم تُعد طباعتها لأن "للإدارة خططها". خطط يمكن أن تستشف من تصريحات صحافية متكررة لمديري النشر في الشروق، تشكو من "عدم إقبال الشباب على أعمال محفوظ"، من دون أن تتطرق إلى مضاعفة أسعار تلك الأعمال أضعافاً مضاعفة.

أيمكن إجبار ناشر على طبع أعمال نفدت لديه؟ غالباً لا يمكن، إلا إذا تضمنت شروط العقد بين الناشر والمؤلف –الورثة في حالة محفوظ- ما يجبره على ذلك بعد فترة زمنية معينة.

لكن أيبقى أدب محفوظ، "نوبلنا" الوحيد، هرمنا الروائي، رهن أمزجة وحسابات مسؤولي النشر في دار خاصة؟ أي قاهرة تلك التي لا يمكن العثور في مكتباتها على أعمال راويها الأعظم؟ وأي دور لأي وزير ثقافة إن لم يتدخل (محفوظ هو الوحيد من كتّاب مصر الكبار الذي ليس لأعماله طبعة شعبية في "الهيئة العامة للكتاب- إنه "نفوذ" الشروق مرة أخرى).

إذًا، فقط إذا لم تكن قارئاً حقيقياً لأدب محفوظ، إذا كنت تبحث فحسب عن "المشهور والممنوع من أعماله"، يمكن أن تشتري بسهولة "أولاد حارتنا" و"الحرافيش". لكنك – صدق أو لا تصدق- لن تجد حتى "الثلاثية" كاملة، إذ ليس لدى ناشر محفوظ الوحيد، سوى "السكرية" "وبين القصرين"، ذلك أن "قصر الشوق" نفدت، ولم تدخل إعادة طباعتها بعد في "خطط الإدارة".

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب