الأربعاء 2014/11/19

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

روبرت فرانك بين أميركا المظلمة وتأثير جيل "البيت"

الأربعاء 2014/11/19
increase حجم الخط decrease
مع بلوغه التسعين من عمره، منذ أيام، أصرّ روبرت فرانك Robert FRANK على الإبتعاد عن عالم فضحته صوَر كتابه الذي إعتبر الأهم في خمسينات القرن الماضي، وأكد أنه لن ينظر إلى الوراء مرّة أخرى: "هذا النوع الفوتوغرافي أصبح معمّراً. لا جدوى منه. لم أعد مقتنعاً به. هناك سيل من الصور يتدفّق، لماذا علينا تذكّر كل شيء؟".

أدرك استحالة تخيّل صور الماضي من دون الحاضر وإرباكاته. كان في 1955، في الثلاثين من عمره، عندما موّل "غوغنهايم" جولاته الأميركية التي عاد منها بـ28 ألف صورة.  صدر "الأميركيون" في فرنسا العام 1958، بـ83 صورة بالأسود والأبيض، غيّرت طبيعة الفوتوغرافيا وما تعبّر عنه وطريقة هذا التعبير. تكرّس من بين الكتب القليلة التي وسمت القرن العشرين.

"كان بمثابة إنجيلي. نسخت العديد من صوره بقلم الرصاص. أوصد فرانك الباب أمامي. ما فعله كان رائعاً، لا يمكن لأحد تقليده، لذلك لم أتمكّن من السير في خطاه"، قال الأميركي جيف وال.

ويروي إد روشا: "اطلاعي على الكتاب في الجامعة كان تجربة هزّتني. أيقنتُ أنه لا يجارى. تأثرت بصوره". تحدّى هذا العمل كل القوانين الشكلانية التي وضعها هنري كارتييه- بريسون وواكر إيفانز، وأحبها فرانك نفسه من دون أن يجد مبرراً لتكرارها. اختار السير بعكس التصويرية والصورة الصحافية بحسب "لايف" و"تايم". عاش "الأميركيون" صدمة لم يضعف وقعها مع مرور الزمن لأنه، ببساطة، عرض الأشياء كما هي "كنت متعباً من الرومانسية، لذلك أظهرت الأشياء كما رأيتها، نقية وبسيطة"، قال.

نشأ فرانك في سويسرا. هجر عائلته البورجوازية في 1947. لم يألف الوسط الفني النيويوركي، ترك "هاربرز بازار" مفضلاً مدن الجنوب لتصويرها والعيش كل يوم بيومه.
رغم رفضه لنهج إيفانز ومقارباته الشكلانية، تعلّم منه الكثير. اختلفت نظرتاهما إلى الفوتوغرافيا وإلى الحياة. سأله إيفانز: "لماذا تخالط هؤلاء؟ إنهم لا ينتمون إلى طبقة معينة"،
ملمّحاً إلى كيرواك والشاعر آلن غينسبرغ، اللذين إعتبرهما فرانك وريثين لصورة أميركا الأخرى، الموحشة، الطالعة من مخيلتهما الخارجة عن القانون. أثّرا في أعمال فرانك، خصوصاً السينمائية التي تناولت الحياة الأميركية المفككة.

مع إزدياد قلقه، ترك فرانك التصوير في مطلع السبعينات ليعود إليه بعد سنوات قليلة، في أعقاب مآسيه العائلية ومنها فقدان ابنته، ومرض إبنه. أبدع صوراً فورية حفر عليها رسومات وكتابات. رؤىً ملطّخة، ما يشبه الدمى. آفاق مفتوحة على بحار رمادية وسماء داكنة. مرايا لا تعكس سوى الفراغ. كلمات ترمز إلى الوداع. مشاعر عفوية، صرخات في الفقدان والغياب.

"كنت هناك وشاهدت كل ذلك. كلنا حاضرون في هذه الصور. ألوان تنساب كالدماء. مرضت من الوداعات"، كتب في 2004. صوّر بإحساس ورقّة، لننظر إليها برهبة، وتخفق قلوبنا لذكريات وأغان منسية. 

قال عن الفراق: "كان عملي يتناول ما أراه، فأصبح يتناول كل ما أشعر به. أنا بصدد تدمير الصورة. لم أعد مقتنعاً بجماليتها بعد اليوم". ربما هنا تكمن القوة الحقيقية والدائمة لعمله "الأميركيون"، في البرودة الحقيقية القاسية لنظرة دخيل غريب على أميركا الحلم. أو كما قال له كيرواك: "كانت لك عينان!".

أميركا فرانك مكان مظلم، واقعاً ومجازاً، نظرات ناسه مرتابة، وحيدة. التقط ما كانت ديان آربوس تسمّيه "خواء" حياة الأميركيين، الهوة بين الحلم والواقع. إستاء منه النقّاد، إتهموه بمعاداة الفوتوغرافيا وأميركا: "صور بيضاء، قليلة الوضوح، موحلة، غامضة ومرتبكة".  صوّر "الأميركيون" أمكنة وأناساً يرفض مواطنوهم الإعتراف بهم: الحزن والقساوة والتنوع، حيث البؤس يحلّ مكان الأسطوري. كتب جاك كيرواك في المقدمة: "انتزع فرانك قصيدة حزينة من أميركا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها