الجمعة 2014/12/19

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

قاسم سعودي: يكفي الصراخ بوجه القتلة

الجمعة 2014/12/19
قاسم سعودي: يكفي الصراخ بوجه القتلة
الكائنات العراقية موجودة في نصوصي وهذا ما يضيف رائحة عذبة اليها
increase حجم الخط decrease

قاسم سعودي، شاعر وقاص من العراق. له في الشعر "رثة ثالثة"، "مصباح مغلق"، "ما لم يره الراكض"، و"كرسي العازف". ومؤخراً صدرت مجموعته الخامسة بعنوان "حين رأيتك اخطأت في النحو". حاصل على المركز الثالث في جائزة الشارقة للإبداع (2009) في أدب الطفل عن مجموعته القصصية "حكايات الدرهم الذي كان يغني" الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2009، وأجرت معه "المدن" هذا الحوار.


• لما اخترت قراءة قصيدة "يدي اليمنى" تحديداً في حفلة جائزة أثير الشعرية والتي حضرها الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، كضيف شرف، هل من رسالة قصدت تمريرها له من خلال هذه القصيدة؟

* قصيدة "يدى اليمنى" من النصوص التي أحب في مجموعتي "كرسي العازف" وفيها أقول:

يدي اليمنى تؤلمني كثيراً

ربما أطعمتُ اليومَ مراراً دجاجاتَ البيتِ
أو كنتُ في يومٍ ما عامل بناء ماهر
أو ساعدتُ جارنا العجوز في حمل باب حزين
أو كنتُ أضغطُ على الزناد كثيراً وقت رعب المعارك
أو إني تعودتُ أن أكتبَ لأصدقائي رسائلَ حبٍ ثقيلة
أو أسندتُ بها رأسي الكبير
يديَ اليمنى تؤلمني
ليسَ من كلِّ هذا
أعرفُ السبب جيداً
كنت أصفقُ طويلاً للطغاة والبرابرة والقتلة

وأظن أن القصيدة تتجاوز شخص عبد الرزاق عبد الواحد وغيره من شعراء العسكرة الشعرية الظلامية، الذين لطالما حفروا رؤوسنا بقصائد المديح الصاخب للطاغية وحروبه القذرة، وقرأت النص في الحفلة التكريمية لجائزة الأثير الشعرية، لأن المتلقي في سلطنة عُمان يمتلك وعياً عالياً في تذوق النصوص الشعرية، وهنا أسجل اعتزازي بهذه الجائزة وقيمتها الإبداعية والإنسانية والقائمين عليها من الشباب المبدعين، لا سيما في مشروعها الجمالي الذي يتقدم خطوة بعد أخرى في تسليط الضوء على تجارب شعرية شبابية متنوعة في المشهد الشعري العربي.

•  القارئ لأعمالك يستشعر انعدام الحواجز بينك وبين خيالك. ما سر هذا الرابط وهذا العمق الذي يفضي بك الى كتابة مثل هذه النصوص والتي تنجح من خلالها في خطف أنفاس القارئ؟

* أظن أن النصوص لا تنجح دائماً في خطف ذهن القارئ، لكنها قد تلامس ذائقته بشكل ما، وما ينجح منها فهذا ما يسعدني ويمنحني كمية كبيرة من الهواء، أنا أبحث عن الهواء في رأس القارئ، أدفعه إليه وأسرقه منه، ربما أنجح في ذلك أو لا، لكني سأبقى سعيداً بالهواء الذي يأتي ولا يأتي.
 
•  الى أي مدى تنجح في جعل صورك معبّرة عن الحدث الشعري؟

* لا يمكنني أن أحدد ذلك، انا أعمل على شعرنة الفكرة اليومية، أو تلك العالقة في رأسي الكبير، وفي ذاكرتي المزدحمة بالمفقودات العظيمة، أظن أن شعرية الفكرة هي الفضاء الأنسب والأصلح لأقدام نصوصي حتى تسير بهدوء في طريق الشعر ذلك الطريق الطويل والداكن والمضطرب والمؤلم والعذب.

•  ايقاعك الشعري يختلف من قصيدة الى اخرى، هل تعمدت هذا الأمر لتنقذ القصيدة من فخ الرتابة؟

* ربما هذا صحيح، فأنا ضد التكرار، لكن ثمة تكراراً حميداً تجد له وظيفة جمالية في متن النصوص، أظن أن الايقاع يتشظى من قصيدة لأخرى لكنه واحد، وهذا ما يجعل النصوص تتنفس من دون ثقل، هنا أو هناك، تختلف في التناول والرؤى والتجسيد وهذا عنصر مهم جداً في الكتابة الشعرية.

• نجحت في تحويل صفحتك الشخصية في "فايسبوك" الى مجموعة شعرية متنقلة وفيها لا نقرأ إلا شعراً، هل يترجم ذلك تحيزك للشعر؟

* نعم أنا أميل إلى الشعر كثيراً وأتمنى أن يميل عليّ، وأنا سعيد بأن صفحتي الشخصية في فايسبوك متابعة من بعض الأصدقاء والصديقات والمهتمين، أظن أن ذلك جاء كرد فعل تلقائي لصعوبة النشر في الصحف والمجلات الثقافية المزدحمة بعشرات النصوص التي تنتظر النشر والخاضعة لمعايير فكرية وفنية معينة، لكني أنشر هنا وهناك وخصوصا في الصحف العراقية وغيرها من الصحف والمجلات العربية متى أتيحت الفرصة لي.

• الى أي حد تنتمي الى نصك؟

* أنا كلي في نصوصي، وليس أنا. دائما هناك ثمة مسافة وأجنحة من الذاتي حتى العام وبالعكس، وأنا أركض دائماً بين خلايا نصوصي ورائحة العالم وكوكب الخلاص، أركض من دون أن أجد نفسي، وربما أجدها في صورة شعرية مشاكسة أو نقطة سعيدة في أخر السطر.

• الحس الساخر أيضاً وجد صداه في قصائدك على الرغم من أنها حبلى بالكثير من الآهات والأوجاع!؟

* ربما تناول غير المألوف بدرجة ما، وبسياقات فنية وجمالية معينة، قد يحيل إلى السخرية لا سيما من الوضع الراهن، لكنها سخرية تقطر دماً وليست تهكمية أو انفعالية بقدر ما هي تؤثث لرحلة النص الشعري الخطرة والملتبسة في آن، لتتحول إلى عنصر فرح صغير ربما على رأس الفجيعة.

•   كيف أثر ارتباطك بالعراق، وتحديدا مدينتك بغداد، في نصوصك؟

* الكائنات العراقية موجودة في النصوص بكل تأكيد، وهذا ما يضيف رائحة عذبة إليها، لكنها تحمل معها حساً إنسانياً لا يرتبط بجغرافيا محددة أو زمن معين أو فئة ما، إنها كتابة إنسانية بالعموم.

  كتبت للطفل. لماذا خضت هذه التجربة؟ وكيف تقيّمها؟

* أظنها من التجارب التي أسعدتني كثيرا، الصدفة والشغف والرغبة في تقديم شيء للأطفال وحدها من قادتني لكتابة مجموعة قصصية لهم ومع تشجيع بعض الأصدقاء والصديقات الذين تحمسوا للنصوص بشكل جيد، وخصوصا بعد فوزها بجائزة الشارقة للإبداع العربي العام 2009 تشجعت أكثر، ثم طباعتها في دار الهدهد الإماراتية على يد الشاعر الإماراتي علي الشعالي، وما حصلت عليه من تقدير شجعني لكتابة مجموعة اخرى سترى النور قريبا عنوانها "الإوزة التي تصطاد النجوم".

• "حين رأيتكِ أخطأتُ في النحو". إصدارك الخامس، أين التقى مع، وأين اختلف عن كل ما أنتجته من قبل؟

* لم يختلف لكنه حاول الوصول لأبعد نقطة أستطيع من خلالها أن أتنفس، النصوص تكملُ نفسها مع النصوص السابقة، لكن ربما اعتماد الأسلوب التقطيعي للقصائد التي جاءت على شكل مقاطع صغيرة والوجع الأكثر ومحاولة الكشف عن عوالم جديدة وملاطفة الأرواح التي تختزل الوطن في الحقائب، حقائب الجنود الراكضين في الحرب أو حقائب الأطفال الذاهبين إلى المارس، أو حتى الحقائب الثقيلة في مدن المنافي والغياب.

• في هذا الإصدار قمت بملاطفة الألم والفرح في آن، فأي روح عكستها من خلال هذا التضاد؟

* نعم أحاول دائما العمل على ثيمة التضاد والاعتماد على عنصر المفارقة، من المهم جدا أن تفاجئ القارئ وتسحبه إلى غرفة النص ومن ثم التحليق به، ليس هناك سقوف في غرف القصائد، وهذا ما يجعل النص أكثر تماسكا ودهشة ربما.

•  كل نصوص هذه المجموعة كتبت في بغداد، في شوارعها وأزقتها. هل كان لهذا الأمر أثر في الشكل الذي خرجَت به؟

* بالتأكيد، فالشعر في بغداد له رائحة خاصة، رائحة تصل لأعلى نجمة في الأعالي ثم سرعان ما تنزل لجنازة طفل قتله أحد الحمقى من الانتحاريين العرب، رائحة لها عيون بغداد وجسورها وكائناتها الطيبة، لها رائحة التوق لحياة أجمل بعيدا عن المفخخات الغبية وسوء الظن والأيام القصيرة.

• عن اصدارك الأخير تقول "أن صدور مجموعة شعرية في هذه الأيام اليابسة لهو أشبه بزراعة قلب جديد على شجرة الويلات وتقديم كوب حليب لطفل رضيع لا يعرف ما يكتبه له أمراء السوء والافتراس والجنون"، لماذا؟

* ربما لأن النصوص تحاول جاهدة محاورة كل تلك الكائنات وأقصد تلك التي تنظر إلى  النجوم، والتفاعل معها، وهذا ما يتطلب مساحة كبيرة من التأمل والكشف والمغامرة، وخصوصاً مع ما تشهده ضفاف الوطن من ويلات، أن الكتابة في زمن الموت والأمل تتطلب كشفاً حقيقياً لذات النصوص وطقوسها المتحركة بالأمل والحرقة والنزيف رغم أنف الخراب.

•  في ظل كل هذا الموت والحزن الذي يحيط بنا ماذا يفعل الشعر؟ وهل يبالي من يعيش كل هذا القهر بما يكتبه الشعراء؟

* ربما تستطيع قصيدة ارجاع طفل ميت إلى الحياة، أو ملاطفة أرملة صغيرة ودعوتها للنسيان، أو تقبيل رأس أمّ تفرح بزفاف ولدها بينما قلبها حزين على ابنها الثاني الذي فقدته في الحرب، أنا مجنون أليس كذلك، لكن تكفي المحاولة، محاولة ترميم البوصلة والصراخ بوجه القتلة الذين لا يحبون العراق ويربطون الطغاة المقبورين به، فالوطن أكبر من الأسماء، أكبر من القتلة، أكبر من الطاغية.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها