الإثنين 2014/12/22

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

إقالة مدير المخابرات المصرية..السيسي يتجه للمصالحة أم للمواجهة؟

الإثنين 2014/12/22
إقالة مدير المخابرات المصرية..السيسي يتجه للمصالحة أم للمواجهة؟
لا يبدو أن إقالة تهامي ستؤدي إلى أي تغير درامي مفاجئ في بنية النظام المصري ومساره الحالي (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بعد يومين فقط من عزل الرئيس السابق محمد مرسي، صدر قرار تعيين اللواء محمد فريد تهامي، رئيساً لجهاز المخابرات العامة، وذلك في 5 تموز/يوليو 2013. ظلت الأسئلة تدور حول سبب اختيار السيسي للواء تهامي بهذه السرعة البالغة، لهذا المنصب، حتى أتت إقالته المفاجئة له، السبت، لتطرح المزيد من الأسئلة.


الصقر الأكثر تشدداً

تُجمع المصادر الصحافية الغربية والمصرية، على أهمية الدور الذي لعبه اللواء تهامي في التشدد والتصلب الكبير للنظام المصري ما بعد 30 حزيران/يونيو. كان السيسي يميل بشكل شخصي للتفاوض مع الإخوان، وإيجاد حل وسط ما، بينما كان اللواء تهامي يرفض أي وجود لهم.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن ديبلوماسي أميركي بارز قوله: "لقد كان الأكثر تشدداً، ولم يخضع لأي إصلاح تماماً. لقد كان يتحدث وكأن ثورة 2011 لم تحدث من الأساس". وقالت الصحيفة أن تهامي وصف الإخوان بالإرهابيين الذين يجب سحقهم، حتى انتصر في النهاية على الآراء العاقلة داخل الحكومة المصرية، وقامت قوات الأمن بفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة حسب رغبته.


الرواية الرسمية: الأسباب صحية

حسبما أعلن الخبير العسكري المتقاعد اللواء سامح سيف اليزل، والذي تستخدمه السلطات العسكرية لإيصال رسائلها للجمهور، إذا لم ترد لسبب أو لآخر نشرها رسمياً، فإن إقالة اللواء تهامي أتت على خلفية سفره للعلاج بالخارج، لسوء حالته الصحية منذ شهرين.

لكن من ألّف هذه الرواية، وربما لتعجله، لم يحسب أن تهامي كان قبل أسبوع واحد في رحلة إلى المملكة العربية السعودية، التقى خلالها بولي العهد الأمير سلمان، ووزير الدفاع، ومدير المخابرات، وبالتالي يستحيل أن تكون حالته الصحية متردية إلى هذا الحد ويمكنه القيام بهذه المهام.


"حاميها حراميها"

في عام 2004، أصدر الرئيس المخلوع حسني مبارك، قراره بنقل اللواء تهامي من منصبه كرئيس للمخابرات الحربية، إلى منصب رئيس جهاز الرقابة الإدارية، ويبدو أن أداءه في هذا المكان كان مرضياً للغاية لمبارك، حتى أنه ظل يمدد له كل عام بعد سن المعاش، لأربع سنوات. بعد الثورة قام المشير طنطاوي، بدوره، بالتمديد لتهامي، لعام خامس.

سر هذا الرضا "المباركيّ" السامي، ظهر منذ الأيام الأولى بعد الثورة، حيث بدأت الصحافة المصرية تنشر قصصاً مذهلة عن فساد تهامي.

في 18 نيسان/أبريل، نشرت صحيفة "صوت الأمة" المصرية، تقريراً كبيراً حول تستر تهامي عن فساد آل مبارك؛ فقد عطّل تقرير تحريات أسرة مبارك، سبعة أسابيع كاملة، عن جهاز الكسب غير المشروع. وحين اضطر لإرساله، قام بنفسه، بحذف كل ما قد يدينهم به، ومنه تكلفة فيلا شرم الشيخ، ذات الـ 100 مليون جنيه. ورَفَضَ تسمية مبارك بالرئيس السابق، وأصدر تعليماته بذكره كـ"رئيس الجمهورية".

التفاصيل المنشورة وقتها، تتضمن الكثير من وقائع التستر على الفساد قبل الثورة، مثل إعطائه أوامر الانسحاب لضباط الجهاز، قبل دقائق من قبضهم على مساعد وزير المالية، متلبساً بتقاضي رشوة 250 ألف جنيه. تكرر ذلك مع أمره لضباط الجهاز، بالانسحاب من باب مكتب رئيس سلطة الطيران المدني، الذي يتلقى رشوة 125 ألف دولار.

كما تتضمن التفاصيل، اتهامات لتهامي بفساد شخصي، مثل إعادته للواء محمد حسن، إلى منصبه كنائب رئيس قطاع، رغم أنه نفسه من أقاله بسبب مخالفاته، على خلفية زواج نجل اللواء محمد حسن بابنة شقيقة تهامي.

برز في تلك الآونة اسم الضابط معتصم فتحي، الذي كان يتولى ملف وزارة الإسكان، وقدّم ملفاً ضخماً بفساد إبراهيم سليمان، كان مصيره الإخفاء والتحريف. وحين شهد معتصم أمام رئيس نيابة الأموال العامة المستشار علي الهواري، حول ما حدث، اتصل به اللواء تهامي صائحاً "انت شفت إبراهيم سليمان بيسرق يا معتصم؟!"، وعلى أثر ذلك تم إجبار معتصم على الاستقالة.

ولكن رغم نشر كل تلك الوقائع، لم يفكر المجلس العسكري بإقالته، أو حتى فتح تحقيق بالموضوع، واستمر تهامي محتفظاً بصلاحياته الكاملة على الجهاز، والتي تشمل قدرته على النقل الداخلي أو الخارجي، أو الفصل لأي ضابط.

في مطلع أيلول/سبتمبر 2012، وبعد شهرين فقط من تولي الرئيس محمد مرسي لمنصبه، عاد المقدم معتصم فتحي إلى الواجهة، عبر بلاغ للنائب العام عبد المجيد محمود، يسرد فيه تفاصيل غزيرة عن فساد اللواء تهامي، وبعضها مدعوم بالمستندات. عدّد فتحي 14 قضية فساد كبرى تستر عليها اللواء تهامي، كما اتهمه بتلقي هدايا بملايين الجنيهات. استدعت الرئاسة المقدم معتصم، وبعد أربع ساعات من حديثه مع مساعدي مرسي، تم إصدار قرار بعزل تهامي، ونشرت الصحف أخباراً عن قرب استدعاء النائب العام له، للتحقيق.

ظن كثيرون أن قصته قد انتهت هنا، لكنها تبدو وكأنها بالكاد بدأت. أولاً؛ اختفى فجأة الحديث عن التحقيق مع تهامي، بشكل كامل. تجمد ذلك البلاغ في أدراج النائب العام عبد المجيد محمود، ثم أدراج النائب طلعت عبد الله، دون أن يُسمع عنه مرة أخرى أبداً. ربما كان ذلك لأن دائرة الفساد التي كانت ستنفتح حسب قائمة الأسماء الطويلة التي سردها المقدم معتصم، ستشمل أكبر مسؤولي أجهزة الدولة، كلها، بما فيها الجيش، ولا يرغب أحد في تحمل تبعات ذلك.

وبعد أن كاد اسمه يُنسى، أعاده السيسي فجأة إلى الواجهة، بتوليته رئاسة المخابرات العامة. نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر غربية، تعرف الجنرالان، أن التهامي كان بمثابة "مرشد" للسيسي، وأنه ساهم في ترشيحه لتولي مكانه برئاسة المخابرات الحربية.


سيناريوهات المصالحة

قد يرتبط إقصاء تهامي، بالجهود المبذولة حالياً من النظام المصري، لعقد مصالحات مع أطراف دولية، كان قد اكتسب عداوتها، وعلى رأسها قطر، التي التقى مبعوثها الرئيس السيسي، السبت، بوساطة سعودية، وأعلنت الأطراف الثلاثة التزامها بالمصالحة.

كان تهامي يمثل الجناح الأكثر تشدداً، في رفضه لأي تهدئة مع الإخوان، وحلفائهم الدوليين. ويبدو أنه قد أسمع المسؤولين السعوديين حين التقاهم، منذ أسبوع، ما لا يحبون، في ما يخص هذا الملف. فاشتكوا منه للرئيس السيسي، باعتباره صاحب دور معرقل.

مصالحة أخرى تجري فصولها الآن بين مصر وأميركا، حيث خفف الطرفان لهجتهما الحادة بعد 30 حزيران/يونيو، وعينت أميركا سفيراً جديداً لها في مصر، بعد سبعة أشهر من الاكتفاء بوجود قائم بالأعمال. مؤخراً، سلمت أميركا مصر، طائرات الأباتشي والتي كانت من أسباب التوتر بينهما.

الكاتب الصحافي محمد هاني، ذكر في مقاله بجريدة "المصري اليوم"، كواليس عودة العلاقات المصرية الأميركية إلى طبيعتها، بوساطة أردنية. وأن الأميركيين، قد طلبوا من السيسي "إبعاد العناصر التي تلعب أدواراً سلبية"، ورجّح أن يكون تهامي من هذه العناصر المعنية.

وهناك مصالحة ثالثة لم تنعقد حتى الآن، بين النظام الحالي والإخوان. وبالتأكيد لو كان هناك احتمال ولو ضئيل للتوصل إليها، عبر الوساطات الدولية المختلفة، فإن تهامي كان سيسعى لتدمير أي جهود في هذا الاتجاه لو بقى في منصبه.


سيناريوهات المعركة

من المحتمل أن ترتبط اقالة تهامي، أيضاً، بأسباب صراع داخلي بحت؛ فإقالته تأتي بعد أسبوعين فقط من التسربيات التي هزت أركان المؤسسة العسكرية المصرية، وفيها تظهر محادثات داخل مكاتب أكبر قيادات القوات المسلحة، ما رجّح احتمال أنها عملية داخلية من جهاز أمني ما ضد آخر. وهو ما قد يطرح اسم تهامي في مواجهة غضب الرئيس، سواء كان هو من سجل، أو هو من أدى تقصيره لحدوث التسجيلات.

إقالة تهامي تأتي أيضاً، بعد أيام من طلب محمد حسنين هيكل، من السيسي، أن يقوم "بثورة على نظامه"؛ بأن يثور على نظام مبارك داخل دولته. ويمكن وضع ذلك في سياق تصريحات متتالية وغير مسبوقة من السيسي، صريحة للغاية في انتقادها للرئيس مبارك، كان آخرها، السبت، في لقاء جمعه بعدد كبير من المثقفين المصريين، قال لهم: "مبارك منه لله هوا اللي خرب البلد، كان مفروض يمشي من 15 سنة أو أكثر".

حسب هذه النظرية، يمكن وضع إقالة تهامي في سياق صراع داخلي يخوضه الرئيس السيسي ضد رجال مبارك داخل نظامه، لتأسيس شرعية جديدة خاصة به. ولا يبدو أنها تقدم أي جديد أفضل، في ما يخص ملفات الحريات والحقوق، لكنها تسعى لدولة أكثر قوة وتقديماً للخدمات، وأقل فساداً وترهلاً.

وحتى هذه الحرب ضد الفساد تبدو مليئة بالمحاذير، فالسيسي قال في لقاء المثقفين بصراحة "أحذر كل الفاسدين، اللي أخد جنيه هيدفعه.. لكني لا يمكن أن أبدأ بهذا على الفور.. هناك أعمدة في الدولة مبنية على أساس خاطئ، لكن لا يمكن أن أهدمها حتى لا أهدم الدولة".


أيا كان التفسير الأدق، فلا يبدو أن إقالة تهامي ستؤدي إلى أي تغير درامي مفاجئ في بنية النظام المصري ومساره الحالي. ولا يمكن أن نفوّت دلالة خروج تهامي بأكبر صيغة تكريم ممكنة، فسبب الإقالة المعلن هو المرض لا أكثر، وتم منحه "وسام الجمهورية من الدرجة الأولى"، وهو ما لا يُمنح لمن توجد أدنى نية لمحاسبتهم على الفساد، بطبيعة الحال.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها