الأربعاء 2014/12/31

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

حصيلة 2014 في تركيا

الأربعاء 2014/12/31
حصيلة 2014 في تركيا
نسبة التأييد الشعبي للحزب الحاكم ارتفعت، لدى قاعدته الاجتماعية، بدلاً من أن تتأثر سلباً بدعاوى الفساد (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
الحدث الأول الذي طبع الحياة السياسية التركية، طوال العام المنقضي، بلا جدال، هو الحرب الضروس بين رجب طيب أردوغان وفتح الله غولن، أو بين حزب العدالة والتنمية الحاكم من جهة، وجماعة "الخدمة" الإسلامية المعتدلة من جهة أخرى. هو صراع شرس على السلطة بين تيارين إسلاميين شكلا في السابق حلفاً قوياً أطاح بالوصاية العسكرية المديدة على الحياة السياسية التركية، كما بالتيار العلماني الكمالي الذي تراجع وزنه في الحياة السياسية والثقافية لمصلحة التيار الإسلامي. فخلت الساحة تماماً لطموحات أردوغان السلطوية، وبدا له، بعد انتصارات انتخابية متتالية، أن التفرد التام بالحكم أصبح ممهداً أمامه. في تلك اللحظة ضربته جماعة غولن في مقتل، بكشفها لملف فساد حكومي فاق توقعات أشد خصوم حزب العدالة والتنمية. جماعة غولن التي تسللت، على مدى سنوات، إلى داخل أجهزة الأمن ومؤسسات القضاء وبنت امبراطورية إعلامية كبيرة، استخدمت تنصتها على المكالمات الهاتفية لأركان السلطة، بمن فيهم أردوغان وعائلته، لتبني ملفاً قضائياً لا تشوبه شائبة ضد الحكم.

أردوغان الذي بوغت بتلك الضربة الموجعة، عشية الانتخابات البلدية، رد على الجماعة بتطهير مؤسستي الأمن والقضاء من شبكة مريدي غولن، وعيّن بدلاً منهم مدراء شرطة وقضاة موالين، سرعان ما أبطلوا مفعول دعاوى الفساد القائمة ضد وزراء ورجال أعمال محسوبين على الحكم، وإن كانت ضربة غولن كلفته إقالة أربعة وزراء صدر قرار قضائي بوقف ملاحقتهم هذا الشهر.

يمكن القول إن أردوغان هو المنتصر، إلى الآن، في تلك الحرب التي لجأ فيها الطرفان إلى وسائل غير مشروعة ضد الخصم. ففي الانتخابات البلدية التي جرت، نهاية شهر آذار/مارس، فاز حزب العدالة والتنمية بنسبة عالية من الأصوات فاقت الأرقام المحققة في الانتخابات السابقة. أي أن نسبة التأييد الشعبي للحزب الحاكم ارتفعت، لدى قاعدته الاجتماعية، بدلاً من أن تتأثر سلباً بدعاوى الفساد. مع العلم أن القطاع الاجتماعي المتدين يشكل قاعدة اجتماعية مشتركة بين حزب العدالة والتنمية وجماعة فتح الله غولن وبعض الجماعات الصغيرة الأخرى في إطار التيار الإسلامي العريض.

جاءت المحطة الثانية المهمة في تكريس انتصار أردوغان على خصومه، عبر أول انتخابات رئاسية ينتخب فيها رئيس الجمهورية من الشعب مباشرةً، وقد فاز فيها بفارق كبير من الأصوات على منافسيه. وإذ انتقل أردوغان، من غير استراحة زمنية فاصلة، من كرسي رئاسة الوزراء إلى كرسي رئاسة الدولة، انتقل معه مركز القوة السياسية إلى منصبه الجديد الذي طالما كان فخرياً وشكلياً وبعيداً عن الصراعات السياسية. إضافة إلى القوة، نقل أردوغان معه إلى كرسي الرئاسة أيضاً طبعه المشاكس وظهوره اليومي وسجالاته التي لا تتوقف ضد مختلف خصومه في المشهد السياسي التركي، إلى حد بهتت معه صورة خليفته في رئاسة الحكومة، وزير خارجيته السابق أحمد داوود أوغلو.

ثم كانت الحملة القضائية ضد مؤسسات غولن الإعلامية، في 14 كانون الأول/ديسمبر، استكمالاً لـ"اجتثاث" الجماعة الذي توعد به أردوغان مراراً، بمثابة نقطة الختام للعام الجاري في الحرب بين الطرفين، ومن غير المتوقع أنها انتهت كما يأمل أردوغان ويطمئن أنصاره. فـ"الجماعة" ليست باللقمة السائغة التي يمكن أن تقضي عليها حملات الحكومة مهما كانت موجعة.

اللافت للانتباه أن جماعة غولن التي باتت في مواقع دفاعية، انتقلت من الوسائل القذرة، في حربها على الحكم، كالتنصت على المكالمات الهاتفية وفضح مفاسد أركان العدالة والتنمية، إلى وسائل مشروعة من نوع المقاومة السلمية بما يتناسب مع موقف ضحية عسف السلطة. الأمر الذي أكسبها تضامن قوى وشخصيات طالما كانت على خصومة شديدة معها، وإن لم يصل الأمر حد تحالفات سياسية.

الحدث الثاني الذي كان له أثر مستدام في الحياة السياسية التركية هذا العام، هو معركة بلدة كوباني الكردية على الجانب السوري من حدود تركيا الجنوبية، بين "قوات حماية الشعب"، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي الذي هو امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني من جهة، وقوات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من جهة ثانية. وكان لهذه المعركة، المستمرة إلى الآن، مفاعيل كبيرة داخلية ودولية معاً. فقد وقفت الحكومة التركية موقف من يتفرج على القتال الذي يدور لصق أنفها، وهي تكاد لا تخفي رغبتها في هزيمة القوات الكردية. ولم يتردد أردوغان في وصف القوات الكردية السورية المدافعة عن كوباني بالإرهابية، مثلها مثل قوات داعش.

وهذا ما استثار غضب كرد تركيا من أنصار حزب العمال الكردستاني الذين نزلوا إلى الشوارع وحدثت صدامات دامية أدت إلى مقتل أكثر من ثلاثين شخصاً. وإضافة إلى الشرطة التي قمعت المظاهرات، كان هناك أنصار حزب الله التركي، وهو تيار إسلامي ينشط بين كرد تركيا، الذين بينهم وبين الأوجلانيين صراع دموي يعود إلى أكثر من عشرين عاماً.

وقد جرى هذا في وقت دخلت فيه المفاوضات بين الحكومة وأوجالان لحل المسألة الكردية في تركيا حلاً سلمياً، في أزمة قابلة للانفجار في أي لحظة. فقد أعلن الطرف الكردي عن غضبه من مماطلة الحكومة الدائمة في الوفاء بالتزاماتها، وهدد القادة الميدانيون لحزب العمال الكردستاني بالعودة إلى التصعيد العسكري ما لم يتحقق تقدم ملموس على مسار الحل السلمي.

كذلك تعارض الموقف التركي من معركة كوباني مع الموقف الأميركي الذي يعتبر "داعش" الخطر الأول الذي تجب مواجهته في العراق وسوريا. فازدادت الضغوط الأميركية على الحكومة التركية لإرغامها على المشاركة الإيجابية في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش". بل إن الطائرات الأميركية ألقت بأسلحة ثقيلة من الجو لدعم المقاتلين الكرد في كوباني، كما أرغمت تركيا على فتح ممر عبر أراضيها لوصول قوات من بيشمركة البارزاني إلى كوباني لمساندة المدافعين عنها.

أخيراً، شكلت نتائج قمة الدوحة لدول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المصالحة القطرية – السعودية، انتكاسة جديدة للسياسة الخارجية التركية التي كانت على تعارض مع سياسة المحور السعودي – المصري بسبب المواقف المتباينة للطرفين من حركة الإخوان المسلمين.

تبدو تركيا، على مشارف السنة الجديدة، في وضع لا تحسد عليه. سواء بكثرة الخصوم الداخليين للحكومة وصعوبة استرضائهم أو استعدائهم جميعاً، أو بتغريد سياستها الخارجية خارج سرب حلفائها الإقليميين والدوليين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها