الثلاثاء 2015/07/14

آخر تحديث: 19:45 (بيروت)

اليوم التالي للاتفاق النووي الإيراني

الثلاثاء 2015/07/14
اليوم التالي للاتفاق النووي الإيراني
سيناريوهان متداولان يتنبآن بتطور الأوضاع في إيران (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
لا يبدو بأن توقيع الإتفاق النووي بين مجموعة (5+1) وإيران، هو سدرة المنتهى، ونهاية المطاف لمشوار طويل دام أكثر من عشرة أعوام. الاتفاق في أحسن أحواله سيكون بداية لمرحلة إقليمية جديدة، قد تنطوي على احتمالات مفتوحة، تتداخل فيها الديناميات السياسية الإيرانية الداخلية، والتوافقات-المواجهات الإقليمية والدولية.

الإتفاق النووي ورغم صعوبة التوصل إليه، عبر السنوات الماضية، إلا أنه ظل هدفاً لم تتخلّ عنه الدول الكبرى، وإيران. المفاوضات الصعبة التي جرت على حافة الهاوية، والتهديد الدائم من الأطراف المعنية بتركها، وسط مخاوف إسرائيلية وعربية، عكست رغبة عالمية، بنقل الحدث في الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة. شعرة معاوية، لم تنقطع بين الأطراف المتفاوضة، وإن كانت تحدث على إيقاع الهتافات الإيرانية الصاخبة بـ"الموت لأميركا".

اليوم التالي للاتفاق، لما تتضح معالمه بعد. الإشارات الدولية والمحلية متنافرة حول الغد، وهي تحمل الكثير من التفاؤل والشك. وإذا كانت مجموعة القوى الكبرى تراهن على إنجاز تاريخي، واضافة قيمة للسلام العالمي، كما خرجت تصريحات الإعلان عن الاتفاق، إلا أن الخوف ازداد في الشرق الأوسط المضطرب، في ضوء الطموحات الإيرانية التوسعية.

هناك سيناريوهان متداولان يتنبآن بتطور الأوضاع في إيران.

السيناريو الأول يمكن الإحاطة به وفق نظرية "حصان طروادة" غربي في الداخل الإيراني، إذ تراهن الولايات المتحدة ومن خلفها مجموعة الدول الكبرى الغربية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) على حصول تغيير داخلي إيراني، يقوم على تعزيز دور الإصلاحيين في الحكم. فالنجاح الذي قاده فريق الرئيس حسن روحاني، المحسوب نسبياً على الإصلاحيين، سيقوده إلى فوز كاسح في الانتخابات التشريعية الإيرانية، العام المقبل، وإلى إعادة انتخاب روحاني رئيساً في العام 2017.

هذا الفوز في الانتخابات سيكون على قاعدة فتح الاقتصاد الإيراني أمام الشركات الغربية، وتحسين الوضع المعيشي للسكان. فالاقتصاد الإيراني المتداعي، عقب رفع العقوبات، سينتعش ويؤمن مزيداً من فرص العمل، ورفعاً لمستوى دخل الفرد، مع تحسن قيمة صرف الريال، وزيادة الدخل القومي. التحسن في الاقتصاد الإيراني، سيقوي الإصلاحيين، وسينعكس إيجاباً في تمرير قوانين إصلاحية للاقتصاد والحياة السياسية الداخلية.

مقاومة المحافظين للإصلاحات، ستتراجع مع تدفق السيولة المالية، وفتح السوق أمام تنافس الشركات لتنفيذ عقود استثمارية في البنى التحتية المتهالكة، ومنشآت استخراج النفط، ومحطات توليد الطاقة.

الطاقم المتشدد المحيط بالمرشد علي خامنئي، سيجد نفسه مضطراً للتنازل وتقاسم أرباح العوائد الإقتصادية للانفتاح، مع البرجوازية الإيرانية، بعدما احتكر الاقتصاد لعشرات السنين. شركة "خاتم الأنبياء" ومن خلفها "الحرس الثوري" والمرشد الأعلى، ستكون الأكثر عرضة للتضعضع، مع التشريعات الجديدة الإصلاحية. احتكار "خاتم الأنبياء" لسوق العقارات، ومشاريع الطاقة والنفط، في شروط تنفيذية متدنية تقنياً، سيواجه بفورة المتنافسين الجدد المحليين والدوليين.

الانفتاح الاقتصادي الإيراني على العالم، والانخراط في دورة رأس المال العالمية، سيساهمان في دعم توجهات الطبقة الوسطى الإيرانية، الراغبة في علاقات جوار إقليمية هادئة، وخفض حدة التوترات التي قادها الفريق المتشدد. اعادة فوائض النفط الإيراني، وإلغاء تجميد الأصول المالية، وضخها في السوق الداخلية ذات الـ80 مليون مستهلك، سترسم ملامح إعادة تشكل سياسي في بنية النظام الإيراني. كما أن معسكر المحافظين والمتشددين، سيواجه استحقاقاً قاسياً، بعد وفاة المرشد الأعلى، في ظل عدم التوافق على خليفة توافقي له. المعسكر المتشدد الإيراني، وفق هذا السيناريو، سيكون الخاسر الأكبر من الاتفاق النووي، وسيضطر للانحناء لعاصفة الانفتاح، وإعادة التكيف مع ضرورات التحديث القادمة.

السيناريو الثاني، يقول بأن المعسكر المتشدد سيزداد صلابة بعد هذا الانجاز النووي؛ إذ سيصر على أن الاتفاق حقق اعترافاً دولياً بإيران، يؤهلها لأن تكون أقوى لاعب إقليمي. المعسكر المتشدد سيزداد صلابة، وسيرفض الإصلاحات السياسية-الإقتصادية التي سيقدمها فريق روحاني. المعسكر المتشدد سيستمر في تمويل مغامرات إيران التوسعية في الإقليم، على حساب إعادة توظيف الفوائض المالية في السوق المحلية، وتطويق انجازات الفريق الإصلاحي، سيتسبب في استمرار الوضع المعيشي على حاله. فشل الإصلاحيين في توظيف انجازهم التاريخي، سيتسبب في خسارتهم للانتخابات البرلمانية المقبلة. هذا السيناريو، يعني رفض النخبة الحاكمة لإعادة تقاسم الثروة، وإعادة هيكلة النظام. ما قد يُنذر باحتجاجات شعبية على غرار الربيع الإيراني في العام 2009، ضمن تصاعد للصراع السني-الشيعي. قد يترافق ذلك الخلل، مع تنامي مطالب الإثنيات والقوميات في إيران لتخفيض الهيمنة الفارسية-الشيعية على المجتمعات المحلية.

السيناريو الثاني، قد يبدو له مؤيدون خارجيون، كالصين وروسيا، اللتين تفضلان استمرار هيمنة "الحرس الثوري" ومؤسسات المرشد الأعلى المالية، على مفاصل الإقتصاد الإيراني. تلك الهيمنة الاحتكارية، ستضمن علاقات تفضيليّة للشركات الروسية والصينية، الداعمة للنظام الإيراني.

السيناريوهان غير واقعيين تماماً، وما قد يحصل هو مزيج هجين بينهما. يأتي ذلك، في ظل استمرار التوتر المذهبي في المنطقة، وبوادر تشكّل "تحالف سني" لتطويق طموحات إيران المتغولة في العراق سوريا ولبنان واليمن. يُضاف إلى ذلك، الخوف الإسرائيلي "الوجودي" من امتلاك إيران لتقنية عسكرية نووية، خلال العقد المقبل.

وفي كل الأحوال، فإن الشرق الأوسط قبل المعاهدة النووية هو غيره بعدها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها