الأحد 2014/06/15

آخر تحديث: 12:14 (بيروت)

العراق: "العملية السياسية" إنتهت

العراق: "العملية السياسية" إنتهت
increase حجم الخط decrease


مهما تكن حصيلة سقوط مدينة الموصل، واختراق بعض مدن غرب العراق من قبل تحالف "داعش-النقشبندية"، فإن "العملية السياسية الطائفية" القائمة فقدت قدرتها على الاستمرار. على الأقل وفق القواعد والآليات التي ظلت متبعة حتى الآن. هذا في حال استبعاد احتمال التدخل الخارجي والإقليمي، ومايمكن أن يترتب في حال حصوله من تداعيات بعيدة، وأكثر خطورة من المتوقعة، بعد الإهتزاز العميق الذي طرأ فجأة على التوازنات الداخلية.

ومهما تكن النتائج التي سيسفر عنها الوضع الحالي، فإنها على أي حال لن يتم بلوغها بسهولة. وستستغرق وقتاً وجهداً لأسباب ناجمة عن حالة الأطراف المتصارعة، سواء تلك التي تدخل المدن وتُسقط بعضها، أو التي انهارت وتسعى بحماس للتجمع مرة أخرى. فالمسلحون لا يمتلكون بالفعل من الناحية العسكرية مقومات إستدامة زخم انتصاراتهم على امتداد مساحة كبيرة؛ تتطلب أعداداً هائلة من المقاتلين، وأنواعاً من الأسلحة، وتغطية جوية، وخطوط إمداد لتأمين الحفاظ على الأرض التي يتم احتلالها. وبدورها، فإن القوات الحكومية وجيش السلطة المركزية، لا يتوفر على اللازم من الجاهزية، أو هو غير قادر على تأمينها بالسرعة المطلوبة، حتى وإن أُعلن النفير العام، أو ارتكز للفتاوى. هذا مع العلم أنه بالأصل ضعيف القدرات ولا يتمتع بالتماسك اللازم، وغير مدرب كما يجب، ولايملك الوقت لذلك. كما أن بنيته لا تتيح له خوض المعارك التي فرضها عليه المسلحون، واللذين يمزجون بين أساليب حرب العصابات والحروب التقليدية. يضاف إلى ذلك براعة استخبارية، واستخدام ملفت للحرب النفسية، وهذه أسباب موضوعية من شأنها أن تجعل المعركة الحالية ليست قصيرة بأي حال.

الأغلب أن متغيرات جوهرية، سوف تطرأ على قواعد اللعبة السياسية المتبعة منذ قيام "العملية السياسية المحاصصاتية" حتى اليوم. فحالة الطوارئ لم تعلن، لعدم عقد جلسة البرلمان لهذا الغرض عند منتصف الأسبوع الماضي بسبب عدم اكتمال النصاب. إلا أن الممارسة العملية العامة، سوف تأخذ هذا المضمون، وسيتراجع إلى الحد الأدنى دور البرلمان والكتل السياسية الأخرى. وقد أعلن المالكي باعتباره "القائد العام للقوات المسلحة" الإستنفار الأقصى في صفوف القوات المسلحة. وهو على الأغلب سيلجأ إذا دعت الضرورة، كما يراها، إلى تعطيل الدستور وتسيير البلاد بالأحكام العرفية. فإن فعل، سيُفتح الباب أمام آلية جديدة تتعدى أسس وقواعد الحالة المتوافق عليها اليوم. وبهذا تكون المجابهة الراهنة ونتائجها وسياقاتها، قد جعلت منه المتصرف الوحيد عملياً. بينما سيتضاءل باضطراد دور ومكانة القوى المنافسة، أو عموم أركان "العملية السياسية الطائفية"، مع احتمال ظهور حلفاء جدد، يضعون أيديهم بيد المالكي، ويشكلون كتلة أو كتلاً غير القائمة، أو تلك التي تشكلت وتبلورت، خلال حقبة "العملية السياسية المحاصصاتية"، المنتهية اليوم.

لاطريق وسطاً، فالذي يتقدم اليوم هو مستوى آخر غير المستوى السياسي المحاصصاتي البحت، وقد انتقل الوضع وتأمين استمراره والحفاظ عليه، نحو خانة مختلفة من الممارسة. وسيترتب على المالكي أن يخوضها بأدوات ليس من المؤكد أنه يملك منها ما يتناسب مع حجم ونوع وتفاصيل ماهو مفروض عليه من مصاعب وتحديات. كذلك فإنه من غير المستبعد أن يفرز المشهد المتنامي منذ الآن، خيارات لم تكن قابلة للتداول، أو أنها لم تكن مبررة أو قابلة للتبني دولياً وإقليمياً من قبل. مثل دعوة الانتقال بالبلاد إلى نوع آخر من النظام السياسي، أو من "العملية السياسية الوطنية" المتعدية للطائفية وللمحاصصة.

لا طريق يمكن تصوره والحالة هذه، سوى الدعوة إلى "المؤتمر الوطني العام"، أي اجتماع كافة المكونات والتيارات والقوى العراقية، لأجل التفاهم على صيغة العيش المشترك الجديدة. وذلك بعد سحق وانهيار الدولة الحديثة الإكراهية، إثر الاحتلال عام 2003، وبعد تعثر وعجز "العملية السياسية الطائفية". وهو خيار نموذجي وإن كان يحتاج إلى دعم، يصل إلى تقبل نشوء عملية سياسية موازية، إذا تطلب الأمر. مما سيستدعي جهداً أوسع وأبعد من قدرات القوى العراقية، ذات التوجهات الديموقراطية الفعلية والسلمية.

وفي هذه الأجواء المتنامية، يبدو الخيار الأخير ملجأ لتقليص السياسات الرامية لتوجيه الأحداث الأخيرة، وجهة طائفية بحتة. بحيث تُرهن عملية الرد على ماجرى ويجري، بالاستنفار وفق المحركات المعتادة في العملية السياسية الحالية. حيث استمر التأجيج الطائفي كمحرك أساسي الذي رافق العملية الانتخابية، مع التغيير الحالي المسلّح. واذا ربط ذلك بالمحركات الطائفية مع مفعول انقلابي، فهو خطر على ما تبقى من الروابط الوطنية ومقومات وحدة الكيان.

increase حجم الخط decrease