الإثنين 2015/10/19

آخر تحديث: 14:50 (بيروت)

حول مستقبل القضية الكردية في سوريا

الإثنين 2015/10/19
حول مستقبل القضية الكردية في سوريا
من مصلحة الشعب الكردي والعربي في سوريا أن يتفقوا في اطار دولة مواطنة لامركزية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
تتنازع أكراد سوريا ثلاثة مشاريع سياسية تختزل قضيتهم التي تفجرت بجذرية مع الثورة السورية الشاملة ضد نظام الأسد. وتلك المشاريع هي خيارات نظرية توجه الواقع الكردي، على الرغم من أنه لم يتحقق أي منها كاملاً على أرض الواقع بعد.

الخيار الأول، هو الانفصال "الكانتوني" عن سوريا، الشعب والقضية، نحو الحكم الذاتي، وهو الخيار الذي يمضي فيه حزب "الاتحاد الديموقراطي" مع جاهزيته للمضي مع الواقع، إن كان مؤداه هو الانفصال الكامل أو الانفصال الجزئي في ظل حكم فيدرالي أو حتى كونفدرالي في سوريا المستقبل.

من ايجابيات هذا الخيار أنه يحقق تلاحماً كردياً "شعبوياً" وحماية معقولة للأكراد في المدى القصير، مدعماً بحماية أميركية هدفها الأول هو القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية". ومن سيئاته؛ تلاقيه السياقي مع مشروع النظام الطائفي في سوريا، ومشروع "النظام الإسلامي" الذي تتولاه "دولة" البغدادي، وذلك عبر فصل القضية الكردية عن قضية الشعب السوري عامة، وجعلها ضمن قضية قومية منفصلة، أو أقليات تحتاج إلى حماية وربما إلى دول منفصلة ومستقلة في المستقبل.

الخيار الثاني مرتبط بالأول ويعيش في قلبه، وهو العمل على تحقيق الحلم الكردي بدولة كردستان الكبرى التي تمتد أرضها في أربع دول؛ إيران وتركيا والعراق وسوريا. وهذا الخيار موجود في قلوب الأكراد استناداً إلى المظلومية التي تعرض لها الشعب الكردي في كل دولة من تلك الدول. لكنه كـ"الحلم العربي" بالوحدة القومية العربية، ليس سوى طريق معبد بالكوارث، التي ليس أقلها الديكتاتوريات القائمة على أحلام الشعوب وجثث ابنائها في الوقت ذاته.

من الطبيعي أن يحلم الأكراد بدولة كبرى تجمع شملهم المشتت، لكن هذا الحلم بالأمة القومية الذي ظهر بقوة في منطقتنا نهاية القرن التاسع عشر ودفع بالعرب واليهود للتوجه نحو تأسيس الدول القومية مرة باسم الدين واللغة والتاريخ والأرض المشتركة، ومرة باسم الدين والتاريخ و"المظلومية" مع غياب الأرض فعمد اليهود إلى احتلالها. هذا الحلم هو الكامن خلف دافع الأكراد لتأسيس دولة قومية استناداً إلى العرق واللغة والأرض و"المظلومية" اليوم.

للمقارنة المجردة لكن المفيدة واقعياً، ودون أحكام اخلاقية، بين الحلم الكردي بدولة كبرى، والحلم اليهودي، نجد أن الأكراد "متقدمون" مدنياً وتشريعياً عن أقرانهم العرب، وذلك ما ظهر في التشريعات الجديدة التي سنتها "وحدات حماية الشعب" في مناطقها في سوريا، من مثل تشريعات تمكين المرأة، ومنع الزواج من قاصر، ومنع تعدد الزوجات، وإقرار الزواج المدني. ومن المعروف أن وضعية المرأة والقوانين التي تحميها، وتساويها حقوقياً بالرجل، من أهم العوامل المساعدة في تقدم المجتمعات المدنية، كما أن الأكراد في شمال العراق وسوريا مدعومين أميركياً كحلفاء حقيقيين لمكافحة الارهاب.

تقدم المجتمع المدني الاسرائيلي لم يَحُل يوماً دون عنصرية اسرائيل تجاه الفلسطينيين والعرب عموماً. كما أن الظروف التاريخية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية التي جعلت الغرب يدعم بكل ما لديه قيام "دولة" إسرائيل، مختلفة بالمطلق عن الظروف الدولية اليوم بعدما تأسست وتحددت دول المنطقة والإقليم. واليهود كفئة اجتماعية حملت مظلومية تاريخية وحمَّلت عليها مشروعاً سياسياً، هم أغنى تاريخياً من الأكراد، وأكثر نفوذاً في الغرب والعالم، وهذا بالمعنى الاقتصادي والسياسي تحديداً. كما يعتبر قيام "دولة" يهودية في محيط عربي مُحتل، ومنزوع الأنياب، أسهل بما لا يقاس من قيام دولة كردية في محيط قوي إقليمياً وغير قابل للمنازعة. وأخيراً، فإن قيام دولة يهودية على أرض فلسطين ما زال فاشلاً وسيبقى، على الرغم من كل الدعم الدولي والقوة العسكرية المستخدمة والموظفة لها وعلى الرغم من طول الزمن الذي قارب 67 عاماً على إعلانها.

هذه المقارنة ليست للمفاضلة الأخلاقية، فالقومية العربية لم تك أنجح من قرينتها اليهودية، بل إن نتائجها أقسى في سوريا والعراق تحديداً، والقومية الكردية لن تكون أفضل من سابقتيها بكل تأكيد.

يبقى الخيار الثالث هو الأفضل في ما يخص المشروع السياسي الكردي في سوريا، وهو الاندماج مع ثورة الشعب السوري ضد الطغيان الأسدي ورديفه الداعشي، وعدم الانجرار إلى مشاريع طائفية وعرقية تحيل الكرد إلى وجود معادٍ وغير آمن في المحيط العربي، وربما يجب الوقوف بقوة، من الأكراد قبل غيرهم، أمام منهجيات أسدية قامت بها "وحدات حماية الشعب" عبر تهجير العرب واقتلاعهم من بيوتهم واجراء تصفيات عرقية بحقهم، مثلما أثبت تقرير "منظمة العفو الدولية" مؤخراً.

الاندماج في الثورة السورية لن يحيل إلى دولة مركزية في سوريا، فهذه قد انتهت إلى غير رجعة، ولكن من مصلحة الشعب الكردي والعربي في سوريا أن يتفقوا في اطار دولة مواطنة لامركزية تعيد الحقوق السياسية والثقافية للجميع على قدم المساواة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب