|
وخُصص جزء واسع من الحوار لموضوع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفه خطوة ضرورية لإفشال "اليوم التالي" بمفهومه الإسرائيلي، أو "يوم نتنياهو" التالي، لأن نجاح "اليوم التالي" لن يؤدي إلا إلى بدء ثلاثين عاماً جديداً شبيهة بالعقود الثلاثة لما بعد أوسلو.
ورداً على سؤال، ذكّر بأنه داخل منظمة التحرير لطالما كانت هناك أطراف رافضة لأوسلو، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبالتالي فإن حجة أنّ حماس والجهاد لا يمكنهما الانضمام إلى المنظمة لأنهما ترفضان أوسلو، كلام مردود على أصحابه وغير صحيح.
وفي حين جزم بشارة بأن الغالبية الساحقة من الفتحاويين كقواعد وكقيادات، لا يرضون بهذا الصمت الرسمي حيال غزة، فإنه قدم مطالعة تاريخية عن ظروف تأسيس منظمة التحرير، كممثل رسمي للفلسطينيين بقرار من جامعة الدول العربية عام 1964، وتكريس هذه الصفة في 1974.
واستفاض في شرح كيف تحولت بالتدريج من هيئة رسمية تمثل الشعب الفلسطيني إلى كيان حقيقي ودولة نظرية للشعب الفلسطيني، وحصلت اعترافات كثيرة بالمنظمة كممثلة عن الفلسطينيين، حتى إنه في بداية الثمانينيات كان عدد من يعترف بالمنظمة أكبر من عدد العواصم التي تعترف بدولة إسرائيل. أكثر من ذلك، كانت المنظمة المثال لحركات التحرير الوطني في العالم على حد تعبير مدير "المركز العربي". وذكّر أنه بعد أوسلو، أقيمت السلطة ونشأت الازدواجية بين المنظمة والسلطة، وما حصل أن السلطة صارت تحاول جعل المنظمة جزءاً منها بدل العكس. وتوقف بشارة عند انتخابات 2005 وفوز حماس في المجلس التشريعي، وكيف أيقظت السلطة المنظمة لإقصاء حماس، أي إنها أصبحت أداة بيد السلطة. وخلص إلى أنه "إذا أردنا إحياء المنظمة، يجب أن تشمل كل الأطراف، وهذا أصبح ضرورياً". وفي السياق، أكد بشارة أن حماس والجهاد كانتا منذ البداية ضد المنظمة "لكن حصل تطور في فكر حركة حماس، وفي موازاة ذلك بدأت تصعد شرعيتها بسبب الكفاح المسلح، بعدما تخلت فتح عن ذلك الكفاح الذي يرفع بطبيعة الحال منسوب الشرعية الشعبية".
وبعد 7 أكتوبر، وفق بشارة، أصبحت شرعية حماس "كاسحة وخطابهم أصبح مختلفاً وصاروا يصفون أنفسهم كحركة تحرر، وهم باتوا جاهزين ليكونوا جزءاً من منظمة التحرير". وأسف لحقيقة أن الممسكين بالسلطة يريدون احتكار المنظمة، وليس من مصلحتهم إدخال قوى إضافية، لأن ذلك فيه شراكة، بما أن دخول المنظمة لا يعني دعم قيادتها الحالية، على حد تعبير بشارة.
ورداً على سؤال حول مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار، على ضوء رد حركة حماس على اتفاق باريس، وانقلاب بنيامين نتنياهو على مشروع الاتفاق، استبعد بشارة حصول نتائج إيجابية قريباً، لأن نتنياهو "يحاول أن يعرقل اتفاق الإطار المتفق عليه في باريس والذي كانت إسرائيل ممثلة فيه وكذلك أميركا".
وتوقف بشارة عند حقيقة أن مصر وقطر وحماس اتفقوا في ما بينهم على تعديل رد "حماس" على اتفاق الإطار، وأخذوا ملاحظات الأميركيين في الاعتبار، وأرسل الرد المعدل إلى إسرائيل، ونوقش في الحكومة هناك، فجاء الرد سلبياً من تل أبيب. وكشف أن الرفض الإسرائيلي يضرب معظم بنود الاتفاق ولا يُبقي إلا المرحلة الأولى من الاتفاق. حتى في ما يتعلق بتلك المرحلة، فإن نتنياهو يرفض مدة المرحلة الأولى (45 يوماً)، وأصبح يشترط أن تدوم فقط لـ35 يوماً على أن تكون المرحلة الأولى تلك هي الوحيدة، بدل المراحل الثلاث المنصوص عليها في اتفاق باريس.
وعن هذه النقطة، أوضح بشارة أنه لا يوجد لدى حماس أي دافع لتقديم تنازلات إن لم يتوقف إطلاق النار، وهذا لا يتوفر في هدنة الـ35 يوماً. وتابع أن الاحتلال يرفض أي شرط عن وقف اقتحامات المسجد الأقصى، وعن السجناء في الضفة، وتوزيع الإغاثة في كل القطاع، وعودة السكان إلى شمال غزة والوسط، وأن تحدد "حماس" هوية 500 أسير من ضمن الألف الذين يفترض أن يُفرج عنهم في مقابل الرهائن الإسرائيليين.
واختصر بشارة الوضع الحالي بالقول إن نتنياهو لا يريد اتفاقاً يؤدي إلى وقف إطلاق النار، لذلك يرفض أي مرحلة تلي الأولى، وهو يتراجع عن اقتراحات وافق عليها ممثلو الحكومة الإسرائيلية في باريس.
وفي ما يتعلق بأهداف الحرب وعما إذا كان طرأ أي تغيير عليها من جانب الاحتلال، رجح بشارة أن تذهب إسرائيل حتى النهاية في عدوانها على القطاع، لأن "كل الاستراتيجيات التي وضعت تقوم على الذهاب إلى النهاية في الحرب وأهدافها، لذلك يصعب أن يتراجعوا إلا إن طرأ تغيير كبير" خارجي أو داخلي، وهذا غير واضح حتى الآن. وتابع بشارة أنه لا عوائق عربية أو أميركية حقيقية لخطط نتنياهو وفريقه، و"أقصى ما نسمعه أحياناً النقد الأميركي، وهذا مع أنه جديد إلا أنه كلام نظري يشبه النصائح، ولا يُترجم تحذيراً لنتنياهو".
وعن أهداف الحرب، شرح بشارة أن القضاء على حماس كتيار غير قابل للتحقق، لذلك "صاروا يكتفون بالحديث عن القضاء على الجناح العسكري لحماس، وعلى قدرتها على حكم غزة، وهذا هدف واقعي، لذلك يتحدثون عن أشهر حتى عن سنة، وهذا أمر يجب التعاطي معه بجدية" وفق تقدير بشارة الذي كرر أنه يمكن وقف الاحتلال وخططه لو وُجدت نية عربية وغربية لفعل ذلك. ووافق بشارة على أن هناك هدفاً أساسياً مهماً جداً حققوا جزءاً أساسياً منه، هو جعل غزة مكاناً غير قابل للحياة، "وهذا يقود حتماً إلى الإبادة".
وعن تقديره لنوايا الاحتلال الخاصة باجتياح رفح، اعتبر بشارة أن الأمر يتعلق بما إذا كان سيصدر إنذار مصري رسمي وعلني لإسرائيل من نوع أن عملية اجتياح رفح ستعني انتهاء اتفاق السلام، وأن ترسل مصر فعلاً قواتها العسكرية إلى الحدود، وعدم الاكتفاء برفض التهجير وكأن كل شيء آخر مسموح.
وفي هذا السياق، لم يستبعد بشارة أن تل أبيب تخطط لاجتياح رفح قبل حلول شهر رمضان، بالتالي ربما يعملون على أن تكون الهدنة في رمضان. وسخر بشارة في غضون ذلك من أن "النصيحة الأميركية لإسرائيل مفادها ادخلوا إلى رفح لكن بخطة".
وتعليقاً على كلام بايدن أنه أقنع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بفتح المعبر، رأى بشارة أن كل ما يتعلق بمعبر رفح أوراق مصرية تُستعمل للضغط، بدليل أن القاهرة تجاهلت تنفيذ قرارات قمة الرياض (القمة الإسلامية ــ العربية) وقرارات محكمة لاهاي التي تفيد بضرورة فتح المعبر.
وعن تطورات الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، وتوقعاته في ما يتعلق بها، رجح بشارة أن تصعّد إسرائيل عسكرياً لإدراكها أن حزب الله وإيران غير معنيين بالحرب. وأعرب بشارة عن ثقته بأن إسرائيل ستضغط لتطبيق القرار الدولي 1701 ولترسيم الحدود البرية، وهنا المجال متاح لانتزاع تنازلات من نوع الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا مقابل تطبيق الـ1701.
وعن مدى واقعية حصول ذلك، ذكّر بشارة بأن كل شيء ممكن بدليل موافقة حزب الله على ترسيم الحدود البحرية (قبل نحو عامين بوساطة أميركية). ووصف مصداقية إيران على مستوى العالم العربي بأنها في سياق تراجعي، نتيجة سلوك طهران منذ حرب 7 أكتوبر.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها