الإثنين 2023/09/18

آخر تحديث: 18:30 (بيروت)

إسرائيل:الجريمة المنظمة..حجة لزيادة الرقابة على السلطات المحلية والمجتمع العربي

الإثنين 2023/09/18
إسرائيل:الجريمة المنظمة..حجة لزيادة الرقابة على السلطات المحلية والمجتمع العربي
increase حجم الخط decrease
نشر المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية "مدى الكرمل" ورقة تقدير موقف بعنوان: "الجريمة المنظمة... حجّة لزيادة الرقابة على السلطات المحلية والمجتمع العربي". تتناول ورقة الموقف قرارات الحكومة الإسرائيلية وعدداً من الوزراء في الشهر الأخير بشأن المجتمع العربي، حيث أصدرت الحكومة الإسرائيلية وعدد من الوزراء خلال الشهر الأخير، عدداً من القرارات بشأن المجتمع العربي، من هذه القرارات، قرار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بإيقاف تحويل ميزانيات وهبات الموازنة للسلطات المحلّية العربية التي بلغت قيمتها 200 مليون شيكل، بحجّة منع وصول هذه الميزانيّات في نهاية المطاف إلى جيوب منظمات الإجرام. وكذلك قرار الحكومة السماح للشرطة باستخدام منظومات مراقَبة متطوّرة وحديثة على الهواتف الذكية بحجة مكافحة الجريمة. كما ناقشت اللجنة الحكومية لمكافحة العنف في المجتمع العربي إمكانية إلغاء أو تأجيل انتخابات السلطات المحلية المقرر إجراؤها في نهاية تشرين الأوّل القادم، في اثنتي عشرة (12) سلطة محلية عربية، بحجة احتمال سيطرة منظمات الإجرام على تلك السلطات.

تشير هذه القرارات والسياسات إلى أن الحكومة الحالية تستغل تفاقم الجريمة في المجتمع العربي، وتستغل تغلغل الإجرام المنظم إلى السلطات المحلية العربية كي تفرض قيوداً، وكي تزيد الرقابة الأمنية والشرطية على المجتمع العربي عامة، وعلى السلطات المحلية خاصة. إلى جانب ذلك، من شأن هذه القرارات أن تؤدي إلى إضعاف دور ووظائف السلطات المحلية العربية، وبالتالي إلى تفكيكها. في الإمكان اعتبار هذه الخطوات تمهيداً لإحالة إدارة ملف المجتمع العربيّ إلى الأجهزة الأمنية علناً ورسمياً.  

تقييد ورقابة على ميزانيات السلطات المحلية العربية
قرر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بداية آب/أغسطس، تجميد هبات موازنة مخصصة للسلطات المحلية العربية بقيمة 200 مليون شيكل، أقرت في عهد الحكومة السابقة، بخلاف موقف وتحفظ وزير الداخلية موشيه أربيل الذي عارض التجميد. وقال سموتريتش إنه يتفحص ويعيد النظر مجدداً في ما يجب فعله بهذه الميزانيات، وذلك ”حسب الأولويات“. بينما كان موقف وزارة الداخلية أنه ينبغي تحويل هذه الأموال المستحقة إلى السلطات المحلية العربية، وأن عدم تحويلها قد يعمق الأزمة المالية والاقتصادية لهذه السلطات.

أحد ادعاءات وزر المالية الرئيسية شأن اتخاذ هذا القرار كان أن هذه الميزانيات تتسرب  في نهاية المطاف إلى عصابات الإجرام المنظم التي تسيطر على العديد من مناقصات السلطات المحلية العربية، وعلى جزء من الخدمات التي تقدمها للسكان في البلدات العربية. كذلك اعتبر الوزير المذكور أن هذه الميزانيات هي أموال سياسية أقرتها الحكومة السابقة بضغط من القائمة العربية الموَّحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية) التي كانت شريكة في حكومة ِبينت- لـبـيد. وادعى ِسموتريتش أنه "لم ولن يكون هناك أي مبرر في العالم لتفضيل السلطات العريبة بعد الآن ومنحها هي فقط هبات خاصة لا تحصل عليها السلطات المحلية اليهودية الضعيفة.

قوبل قرار سموتريتش بانتقادات من داخل التحالف الحكومي ذاته، ومن بعض الوزراء، ومن قبل عدد من الصحفيين الذين رأوا أنه قرار سياسي عنصري يأتي لمعاقبة السلطات المحلية العربية، وللانتقام من الحكومة السابقة، ويرمي لى مغازلة قاعدة سموتريتش الانتخابية اليمينية الاستيطانية، وأن السلطات المحلية العربية تعاني أصلاً من إجحاف في الميزانيات والموارد. وعلى نحو ما أشارت إليه بعض التقارير الإعلامية، ثمة إشكالية قانونية في منع تحويل ميزانيات أقرت بقرار حكومة سابقة، وأن أقصى ما يمكن أن يفعله سموتريتش هو إعاقة وعرقلة التحويل.

رؤساء السلطات المحلية العربية، ممثلين باللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، رأوا أن القرار بمثابة إعلان حرب ضدهم، وأنه يأتي ابتغاء حرمان البلدات العربية من ميزانيات مستحقة، وأن القرار قد يعطل قدراتهم على تزويد السكان بالخدمات. في أعقاب القرار، أعلنت اللجنة الإضراب والتظاهر أمام مبنى وزارة المالية في القدس، وأقروا إضراباً عاماً في السلطات المحلية العربية، وهددوا بالإعلان عن إضراب عام في جهاز التعليم مع بداية العام الدراسي.

بعد خطوات الاحتجاج والإضراب التي اتخذتها السلطات المحلية العربية، واجتماعات عقدتها الحكومة بمشاركة مندوب عن السلطات المحلية العربية، تقرر عقد اجتماع خاص بين وزير المالية سموترتيش ووزير الداخلية وعدد من رؤساء السلطات المحلية العربية وبمشاركة رئيس جهاز الأمن العام وقائد الشرطة. عقد الاجتماع المقرر في مقر وزارة الأمن في تل أبيب في 28 آب/أغسطس. في هذا الاجتماع، عدل وزير المالية عن قراره السابق وأقر تحويل الميزانيات إلى السلطات المحلية العربية، مشترطاً إقامة منظومة وآليات حكومية، بمشاركة جهاز الأمن العام لتراقب وتتابع تحويل وصرف ميزانيات السلطات المحلية العربية، بغية ضمان عدم وصولها إلى منظمات الإجرام. بذا نجد أن سموتريتش نجح في فرض منظومة رقابة جديدة تتابع موضوع الميزانيات المخصصة للسلطات المحلية العربية، بمشاركة جهاز الأمن العام والشرطة، وبموافقة رؤساء السلطات المحلية العربية.

على ما يبدو هذا هو هدف سموتريتش الحقيقي، إذ يعرف أنه لا يستطيع قانونياً منع تحويل الميزانيات لفرض هذه المنظومة. الخطر الكامن في هذا القرار أنه يحول موضوع ميزانيات السلطات المحلية العربية وتوزيعها إلى رقابة جهاز الأمن العام ووزارة الداخلية، وقد يمهّد لتدخل أوسع لجهاز الأمن العام في إدارة السلطات المحلية العربية، وتحويل قضية الميزانيات إلى مسألة أمنية لا مدنية، بحجة منع تسرب ميزانيات وعطاءات للجريمة المنظمة، وهو ما قد يحد من استقلالية السلطات المحلية العربية. هذا يعيد مكانة السلطات المحلية العربية سنوات إلى الخلف، إلى فترة الحكم العسكري والرقابة الأمنية على عملها بعد أن نجحت في العقدين الأخيرين من انتزاع بعض الاستقلالية في عملها وإدارتها، وتحولت إلى لاعب أساسي مركزي، وبخاصة اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية.

التلويح بتأجيل انتخابات السلطات المحلية العربية
استغلال الحكومة الحالية آفة العنف لإعادة ترتيب علاقاتها بالمجتمع العربي عامة والسلطات المحلية خاصة، لم يتوقف عند تجميد ميزانيات وإقامة منظومة مراقبة جديدة، بل لقد توسع أيضاً ليشمل تهديداً بإلغاء الانتخابات في عدد من السلطات المحلية العربية وتنصيب لجان معيّنة لإدارتها. معنى هذا أن الحكومة، بدلاً من أن تعالج الأمر وتتعامل تعاملاً مباشراً مع عصابات الجريمة المنظمة، تفضل معاقبة المجتمع العربي والسلطات المحلية، وهو ما يعني بالضرورة معاقبة الضحية. وفي بداية أيلول/سبتمبر، نشرت تقارير صحفية أن اجتماع اللجنة الوزارية لمكافحة الجريمة والعنف في البلدات العربية ناقش إمكانية إلغاء انتخابات السلطات المحلية المقررة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر في اثنتي عشر سلطة محلية عربية، بسبب تهديد منظمات الإجرام في المجتمع العربي، وسط مخاوف على سير العملية الانتخابية المقررة في تلك البلدات أو سيطرة منظمات الجريمة من خلال الفوز بالانتخابات. وادعى جهاز الأمن العام أن مرشحين أو ناخبين أو مسؤولين منتخبين في نحو 15-20 سلطة محلية عربية يعيشون تحت طائلة تهديد منظمات الإجرام التي تنشط في المجتمع العربي، بحسب ما كشفت هيئة البث العام الإسرائيلية "كان11".

ميزانيات وقوانين لزيادة الرقابة التكنولوجية على المجتمع العربي
بالتوازي مع إقامة منظومة الرقابة على ميزانيات السلطات المحلية العربية، وزيادة الرقابة على السلطات المحلية العربية، والتهديد بإلغاء الانتخابات في عدد منها، تتجه الحكومة كذلك نحو زيادة الرقابة وأدوات التنصت على المجتمع العربي، فقد قرر وزير المالية تخصيص عشرات ملايين الشواقل لجهاز الشرطة، من أجل تمويل تكنولوجيا جديدة بغية محاربة الجريمة في المجتمع العربي. وفي توضيح لوزارة المالية بعد الاجتماع المذكور، جاء أن اللجنة الوزارية لمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي ستعمل على تحضير رزمة من القوانين لمنح صلاحيات أوسع لفرض القانون الجنائي والاقتصادي تجاه منظمات الإجرام في المجتمع العربي. وستخصص وزارة المالية ملايين الشواقل لهذا الهدف، من ضمنها مبالغ الغرض منها تمويل أجهزة تكنولوجية حديثة تحتاج إليها الشرطة لمكافحة الجريمة المنظمة وزيادة الأمن الشخصي في البلدات العربية.

تأتي هذه القرارات بالتزامن مع موافقة الحكومة الإسرائيلية على السماح للشرطة بإعادة استعمال برمجيات مراقبة وتنصت حديثة ضد منظمات الإجرام في المجتمع العربي، بعد أن توقف العمل بها العام الماضي، بقرار من المستشارة القضائية للحكومة على أثر صدور تقارير صحفية عن سوء استعمال الشرطة لهذه المنظومات، إذ تعتبر هذه الأدوات مخلة بالخصوصية وحرية الأفراد في حال إساءة استعمالها. وقد عبرت عدة منظمات حقوقية عن خشيتها من أن تستخدم هذه المنظومات والبرمجيات للمراقبة السياسية ولأغراض غير قانونية، ولا سيما تجاه المجتمع العربي.

رافق هذه القرارات نقاش داخل الحكومة حول إشراك جهاز الأمن العام في مكافحة الجريمة المنظمة في المجتمع العربي، ورفضه هو لهذا الأمر حتى الآن واكتفائه بمعالجة ملفات تستهدف رموز الحكم، كاستهداف رؤساء سلطات محلية عربية أو مؤسسات الدولة ومناقصات حكومية، على سبيل المثال، بادعاء أن جهاز الأمن غير مخول وفقاً للقانون لمكافحة الجريمة داخل الدولة، وبسبب خشيته من كشف أساليب وأدوات عمليه في القضايا الأمنية.

كذلك عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بداية أيلول/سبتمبر، جلسة خاصة للجنة الوزارية لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي، وأعلن في ختامها أن حكومته تدفع باتجاه سن قوانين وصفها بأنها قوية جداً، وادعى أنها "تعزز قدرتنا على مكافحة المنظمات الإجرامية". كما أعلن عن تعيين منسق خاص في هذا الشأن. ولم يوضح نتنياهو طبيعة القوانين أو جوهرها، غير أنه أشار إلى أنها تتعلق بآليات مراقبة تتعلق بتحويل الميزانيات المستحقة للسلطات المحلية العربية والتي جمّدها سموتريتش. فضلاً عن هذا تدفع القوانين المقترحة تنظيم مسألة إشراك الشاباك في الحيّز المدني في البلدات العربية بدعوى مساعدة الشرطة في مكافحة الجريمة، بما في ذلك استخدام أدوات الشاباك الاستخباراتية وبرمجيات التجسس ضد مشتبهين بجرائم في المجتمع العربي، وهو ما كان قد واجه معارضة من قبل المستشارة القضائية للحكومة ومسؤولين في الشاباك، فضلاً عن مشاريع قوانين ستسمح بتشديد العقوبات الاقتصادية وحماية الجمهور من المنظمات الإجرامية.

خاتمة
الخطوط العريضة واتفاقيات التحالف الحكومي، بالإضافة إلى تصريحات الوزراء والسياسات على أرض الواقع، تجلنا نشكّك في نيّات الحكومة تجاه المجتمع العربي، ونفترض أن إضافة أدوات الرقابة الجديدة المقترحة، ومراقبة ميزانيات السلطات المحلية، واعتماد منظومات لمكافحة الجريمة المنظمة، والمطالبة بإدخال الشاباك لمكافحة الجريمة المنظمة، ليست بريئة ولا ترمي فعلاً إلى محاربة الجريمة المنظمة ولا خدمة مصالح الجتمع العربي، إذ هذه هي الحكومة نفسها التي تتواطأ مع الجريمة لتفتيت المجتمع العربي، وهي الحكومة نفسها التي غضّت النظر عن تفاقمها في العقد الأخير، والحكومة نفسها التي لم ترد على ادعاء القائد العام للشرطة "القتل لدى المجتمع العربي جرء من الثقافة. دعهم يقتلون بعضهم البعض".

يبرر سموتريتش منع تحويل ميزانيات مستحقة و"هبات موازنة" مخصصة للسلطات المحلية العربية، بذريعة الجريمة المنظمة. وبذا يبتغي فرض رقابة أمنية على صرف ميزانيات السلطات المحلية العربية، في حين يستغل وزير الشرطة بن غفير الجريمة المنظمة للدفع بإجراءات أمنية تستهدف المجتمع العربي، من بينها الاعتقال الإداري وزيادة أدوات التنصت والرقابة على المجتمع العربي. وطرحت اللجنة الوزارية إمكانية تأجيل الانتخابات في عدد من السلطات المحلية العربية. كل هذه الاقتراحات لم تكن مقبولة على المستشارة القضائية للحكومة، لكونها تقيد الحريات تنفد دون رقابة قضائية كافية، وفي الامكان استغلالها لأهداف أخرى غير مكافحة الجريمة.

الحكومة تبغي ربط أمن المواطنين العرب الشخصي بتدخل أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية، أي أنها تريد من المواطنين العرب أن يستجدوا حكومة إسرائيل كي تدخل جهاز الأمن العام إلى البلدات العربية، بغية توفير الحماية لها من منظمات الجريمة وضمان تحويل الميزانيات الحكومية إلى سلطاتها المحلية. وبذا ترمي إلى تحويل قضايا المجتمع العربي إلى قضايا أمنية يتابعها جهاز الشاباك بدلاً من أن تكون حقوقاً مدنية طبيعية لكل مواطن، وهذا تغير جوهري في تعامل إسرائيل مع المواطنين العرب.

على نحو ما عملت الحكومات السابقة في محاربة الجريمة المنظمة وترسباتها في السلطات المحلية اليهودية دون فرض قيود على الحريات الشخصية، ودون إلغاء انتخابات في سلطات محلية يهودية ودون تدخل جهاز الأمن العام، ودون وضع أي قيد على السلطات المحلية، تستطيع الحكومة أن تعمل على غرار ذلك في البلدات العربية أيضاً. ماا ينقص ذلك إصدار قرار سياسي والتعامل الجدي والحقيقي مع كل مسببات العنف والجريمة في المجتمع العربي، لا معاقبة الضحية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها