الجمعة 2023/05/26

آخر تحديث: 19:53 (بيروت)

عملية الاحتلال الاسرائيلي في "عقبة جبر": ما دوافعها المستترة؟

الجمعة 2023/05/26
عملية الاحتلال الاسرائيلي في "عقبة جبر": ما دوافعها المستترة؟
increase حجم الخط decrease
بدت عملية جيش الاحتلال الأخيرة في مخيم عقبة جبر بأريحا ضبابية؛  إذ أن جيش الاحتلال لم يتحدث كثيراً عما تمخضت عنه عمليته التي استغرقت قرابة 5 ساعات. إذ اكتفى بإعلان مقتضب عن انتهاء العملية باعتقال "مطلوبين".

هذا الغموض أبرز تساؤلات من قبيل: لماذا لم يكتفِ الاحتلال بتسميته المعتادة "نشاط عسكري" أي اقتحام ينتهي باعتقال "مطلوبين" كما درجت العادة؟ ولماذا حرص على تنفيذ مشهدي لعملية اقتحام المخيم من قبل قوات كبيرة تحت قيادة "لواء الأغوار"، وبمشاركة وحدة الكوماندوز، ووحدات خاصة أخرى؟

حصار..وتفتيش منازل
مصدر من داخل مخيم "عقبة جبر" قال ل"المدن" إن سكان المخيم هم أنفسهم لم يعرفوا الغاية المحددة من الاقتحام، وتعاملوا بحذر شديد تجاه ادعاء الاحتلال بشأن الهدف المزعوم لعمليته العسكرية والمتمثل بمحاصرة عدد كبير من المسلحين في المخيم من أجل اعتقالهم، على حدّ قوله.

وأفاد المصدر الذي واكب عملية الاقتحام أن الاحتلال أغلق نحو خمسة عشر مخرجاً ومدخلاً للمخيم بين رئيسي وفرعي، حيث فرض عليه حصاراً خانقاً طيلة ساعات العملية؛ منعاً لأي تحرك.. مشيراً إلى تفتيش عشرات المنازل بطريقة بدت وكأنها عشوائية، تخلله تدمير وتخريب لمقتنيات البيوت بشكل انتقامي؛ بحجة البحث عن أسلحة، بالموازاة مع التنكيل بسكان المخيم واعتقال عدد من الشبان وإصابة آخرين.

"تزايد المسلحين والأسلحة"
وفي حين كشف مصدر محلي عن أن العملية الإسرائيلية جاءت بعد أيام على تسليم عدد من شباب المخيم "المطلوبين" أنفسهم للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، واكتشاف كميات كبيرة من الأسلحة فيه..رفض مصدر أمني فلسطيني تأكيد أو نفي الخبر ل"المدن"، مكتفياً بالقول إن عدداً من المسلحين يسلمون أنفسهم للأمن الفلسطيني من مختلف المناطق في كل الأوقات؛ لحماية أنفسهم من ملاحقة الاحتلال و الاغتيال.

لكنّ المصدر الأمني ربط الحالة الميدانية في المخيم بحركة "حماس"، بدعوى أن الأخيرة هي من تدعم النشاط العسكري المتصاعد في مخيم عقبة جبر ومناطق أخرى. وتقاطع هذا الربط مع ما نشرته وسائل إعلام عبرية في الساعات الماضية بشأن تحول المخيم في الأشهر الستة الأخيرة إلى معقل لكتائب "القسام" الذراع العسكرية لحركة "حماس"، في إشارة إلى مزاعم عسكرية بوجود بصمات الحركة وراء التطور الميداني "غير المألوف" في المخيم، على حد تعبيرها.

في المقابل، رفض عدد من سكان المخيم تنميط المقاومة المتصاعدة فيه بأي لون فصائلي محدد، مشددين على اعتبارها حالة وطنية شاملة.

وجاءت عملية "عقبة جبر" في أعقاب ادعاء مستويات عسكرية إسرائيلية بتنامي مخاوفها من المخيم نتيجة تقارير عن ازدياد عدد المسلحين فيه من الشباب، وارتفاع نسبة الأسلحة التي تدخل إليه على نحو "غير مسبوق" مقارنة بالانتفاضات الماضية، وهو ما جعله ذريعة لتكثيف أعمال التفتيش والتخريب التي شملت عدداً كبيراً من المنازل في المخيم أثناء العملية العسكرية المذكورة.

أهداف العملية؟
بالرغم من غموض مآرب الاحتلال من عمليته، إلا أن ثلاثة دوافع يُمكن استخلاصها بناء على معطيات محلية رصدتها "المدن"، ومروراً بالحالة الميدانية المستجدة في المخيم، إضافة إلى النظرية الأمنية التي يتبناها الاحتلال تقليدياً، والمتمثلة ب"الوقاية الاستباقية"..إذ يكمن الدافع الأول برغبة الاحتلال بتوجيه "ضربة استباقية" للمخيم بهدف منع تنفيذ عمليات مُفترضة على وقع تطور وتيرة النشاط المقاوم فيه، عبر استهداف المسلحين، وكشف الأسلحة ومنع وصولها.

بينما ترتبط الغاية الثانية بحاجة جيوسياسية متصلة بموقع المخيم، كونه يقترب حدودياً من منطقة الأغوار الشرقية التي تعدّها دولة الاحتلال "حساسة" بالنسبة لها، باعتبارها مهمة "وجودياً" لها، وهو ما فسر إمعان الاحتلال في ترهيب المواطنين والتنكيل بهم واقتحام بيوتهم، في محاولة ل"تحييد" المخيم ومنع محاكاة نموذج المجموعات المقاومة في نابلس وجنين ومخيم طولكرم، خاصة أن الموقع الجغرافي هو بحد ذاته مصدر قلق احتلالي من المخيم.

وثالثاً، أراد المسؤول العسكري الإسرائيلي الجديد لمنطقة أريحا أن يستهل مهمته بإثبات عضلاته عبر شن العملية العسكرية، وجعلها فرصة لتدريب وحدات مختلفة من الجيش على خوض عملية عسكرية قد تستدعيها مستجدات أمنية في أية لحظة مستقبلاً.

المخيم تغيّر..فأربك!
بالمحصلة، برز "عقبة جبر" في الحالة الميدانية السائدة في عموم الضفة الغربية، على نحو فاق كثيراً الانتفاضتين الأولى والثانية، وهو ما أكده المتخصص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد.

وقال شديد ل"المدن" إنه بحكم معرفته بأريحا ومخيمها كونه عمل فيها لسنوات عديدة، فإن جيلاً جديداً قد تصدر المشهد الآن وبدا مغايراً، بدليل ما شهده "عقبة جبر" من تغيير أنتج عمليات نفذها شبان المخيم ضد أهداف إسرائيلية في الأشهر الأخيرة.

ولهذا المخيم حكايته، بمنظور شديد، إذ تعرض عام 1967 لأكبر عملية تهجير بعد أن كان من أكبر المخيمات الفلسطينية، فهُجّر كثير من سكانه مجدداً إلى مخيمات أخرى داخل فلسطين والأردن، وكان الهدف من خطوة الاحتلال هو جعل المخيم صغيراً وضعيفاً ومهمشاً، الأمر الذي أظهر "عقبة جبر" في سنوات مضت أقل فعالية بالمقارنة مع المخيمات الأخرى..لكنّه شهد تغيراً لافتاً في النصف العام الأخير، لدرجة أن المخيم برز كثورة بحد ذاته، فأربك حسابات الاحتلال وتقديراته.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها