الإثنين 2023/01/16

آخر تحديث: 13:51 (بيروت)

سوريا "بدها حرية"

الإثنين 2023/01/16
سوريا "بدها حرية"
increase حجم الخط decrease
أدت تطورات المسار الروسي التركي الأخيرة إلى جملة من التحليلات. تراوحت القراءات لتوضح ان هذه التطورات هي جزء من الواقعية السياسية المبنية على تطوير مسار أستانة، وبين أنها مناوره انتخابية قائمة على إرضاء جزء من الرأي العام التركي، إلى افتراض ان أي تحرك سوف يكسر الجمود الحالي للقضية السورية. حتى ان بعض الطروحات تفترض ان أي حلحلة سوف تساعد بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي بطروحات مشابهة لطروحات عام 2017 التي بشرت بانتهاء أزمه السوريين مع الحسم العسكري في حلب. 
والحال أن الكثير من القراءات أغفلت العامل الأساسي للحراك السوري وهو رغبة السوريين ببناء مستقبل افضل لأولادهم. 
البعض منا لا يزال يذكر ان الناس توجهت إلى شوارع دمشق ودرعا عام 2011 لتواجه القبضة الأمنية الدموية. حتى ان مطالب الناس حينها لم تكن قد وصلت لسقف إسقاط النظام. كانت شعارات السوريين حينها: الشعب السوري ما بينذل.. و سوريا بدها حريه. 
مع تصعيد النظام للأزمة ورفضه لمحاولات احتوائها عربياً وإقليمياً، تحولت إلى أزمة عالمية مبنية على التهجير المتعمد للسوريين وخلق فجوات أمنية كمصدر محتمل للإرهاب العالمي والمخدرات على كامل الخارطة السورية. لا يختلف معظم السوريين سراً او علناً مع هذه السردية التاريخية رغم انهم قد يختلفون لاحقاً على أسباب وتوقيت ومصالح التدخلات الدولية اللاحقة.
ربما تبني بعض القراءات  تصوراتها من منطلق ان تحالف الجوع والفقر والبرد الذي ينخر أجساد السوريين على كامل جغرافيا الوطن قد أنهك إرادتهم. لكن هذه القراءات تناست خصوصاً ان انهيار العديد من مكونات الاقتصاد السوري ليس نتيجة أزمة توزيع معونات او أزمة عقوبات دولية وإنما بالحقيقة هي أزمة غياب الحكم الرشيد.
وحتى نتجنب مبادرات قد تعيدنا لنعيش ذات الكارثة بعد عشر سنوات من الآن، وجب على أي مبادرة في القضية السورية الإجابة على ثلاثة أسئلة رئيسية ووضع آليات واضحة بخصوصها:
1- كيف ستحقق هذه المبادروة دوله مواطنة يكون فيها المواطن سيداً وحراً في وطنه، بدل ان يصبح المواطن وقوداً لمعارك طواحين الهواء التاريخية بين سياسة القطب الواحد وسياسة تعدد الأقطاب الدولية.
2- كيف ستبلور المبادره سوريا كدوله سيده مستقلة، بدل ان تجرفها لتكون دوله ممزقة تستجر فيها الزعامات السياسيه والاجتماعية مرجعيتها من خارج الحدود.
3- كيف ستعيد المبادرة تماسك المجتمع ليكون قادراً على العيش والتعايش وفق آليات قانونية ودستورية بدل ان يتحول إلى مجتمع تكون فيه الطائفة والعرق أكبر من الوطن.
لايمكن ترحيل هذه الآسئلة إلى مستقبل مجهول لأننا رأينا نتائج هذا التأجيل في كل صراعات المشرق الحديثة، ولأن هذه الاسئلة هي أساس الأزمة السورية. 
الأزمة السورية ليست أزمة خلافات داخليه لتيارات سياسيه دفعت الناس للتظاهر، وليست أزمة ضائقة اقتصادية دفعت الناس للهجرة، وليست أزمة اجتماعية مزقت ترابط المجتمع بتعدد مذاهبه وأعراقه. وبالتالي التركيز على النتائج الحالية للصراع وترك الأسباب سيعيد الشعب السوري إلى دوامة الأزمة مرة أخرى في المستقبل القريب. وقد رأينا تتالي هذه الأزمات وتصاعد حدتها في سوريا منذ 1963.
تاريخياً ومع نهايه الحرب التركية-الفرنسية وتوقيع اتفاقية أنقره عام 1921، لم يعد الأتراك قادرين على تزويد ثوار الشمال بالسلاح. لم يدفع هذا الانكسار العسكري الثوار بقياده إبراهيم هنانو إلى تغيير أهداف نضالهم  ضد الانتداب وإنما تغيرت أدوات النضال فقط. هذا التمسك ووضوح الرؤية مع أخرين من شيوخ الثورات السورية هو ما قاد إلى قيام دولة مستقلة ولو بعد حين.
الأزمة في سوريا أن شرائح واسعة من السوريين لم تعد تتقبل الدولة الأمنية المخابراتية تحت أي مسمى. واحتراماً لهذا التيار فإن الحد الأدنى من الوطنية يحتّم علينا الالتزام بشعار السوريين الأول: سوريا بدها حرية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها