السبت 2022/06/25

آخر تحديث: 13:20 (بيروت)

"يوم حزين" لأميركا وديموقراطييها:المحكمة العليا تنقض حق الإجهاض

السبت 2022/06/25
"يوم حزين" لأميركا وديموقراطييها:المحكمة العليا تنقض حق الإجهاض
increase حجم الخط decrease
أنهت المحكمة الدستورية العليا في أميركا أمس الجمعة، الحماية الدستورية الفدرالية لحق الإجهاض، واعادت في قرار تاريخي حق البت في الأمر لكل ولاية بشكل مستقل، ما يعني عملياً تجريم اسقاط الجنين في 26 ولاية، علماً أن 13 منها، أبرزها تكساس وجورجيا وميشيغن، لديها قوانين تجرّم الإجهاض فوراً دون استثناء حتى في حالات الإغتصاب وزنا المحارم.

وعلى الرغم من تسريب النص قبل ستة أسابيع، أحدث القرار صدمة هائلة في الأوساط السياسية والإعلامية وقوبل برفض واسع من الليبراليين والديمقراطيين والمنظمات النسائية والحقوقية، وانطلقت مظاهرات فورية في واشنطن والمدن الكبرى وعواصم الولايات منددة. 

ويأتي قرار المحكة العليا التي يسيطر عليها المحافظون، الذين عيّن ثلاثة منهم الرئيس السابق دونالد ترامب، في اطار جنوح متواصل نحو اليمين المتزمت الذي لا يعكس المزاج الأميركي العام، وفق استطلاعات الرأي، ويخرج الولايات المتحدة من صف الدول الصناعية الغربية المتقدمة التي تبدي المزيد من التسامح في القضايا الاجتماعية وخصوصاً تنظيم الأسرة وحقوق المثليين، وينذر بمزيد من التضييق على الحريات الشخصية والمكتسبات الليبرالية التي تحققت خلال جيلين.

تميز القرار الذي وافق عليه خمسة من أصل تسعة قضاة في المحكمة وعارضه ثلاثة فيما امتنع واحد عن التصويت، بلغة هجومية لم تكتف بالطعن في منطلقات القرارات السابقة للمحكمة ولا سيما قرار "رو ضد وايد" الذي شرّع الإجهاض عام 1973، بل فتحت الباب أمام مراجعة كل القرارات التي سبق للمحكمة اتخاذها لحماية الحريات الشخصية، وهذا ما عبر عنه القاضي اليميني كليرانس توماس في متن القرار بالقول: "علينا إعادة النظر بكل القرارات السابقة للمحكمة المتعلقة بالحقوق القانونية وأورد أمثلة على ذلك في قضايا تتعلق بوسائل منع الحمل وزواج المثليين".

فور اعلان القرار، بدأ العشرات في التجمع أمام مقر المحكمة في واشنطن العاصمة وامام المقرات الحكومية في عدد من عواصم الولايات لتتحول التجمعات مع مرور الوقت الى تظاهرات حاشدة نددت بالقرار داعية الكونغرس الى سن تشريعات تضمن حقوق المرأة وتلغي القوانين الجائرة في الولايات التي يحكمها الجمهوريون، فيما ألغت المحطات الإخبارية برامجها العادية وباشرت تغطية متواصلة لردود الفعل الرسمية والشعبية، وافردت مساحات واسعة للتحليلات القانونية والدستورية والسياسية.

الرئيس جو بايدن عبّر في تصريح له عن خيبة أمله بالقرار الذي وصفه بأنه "يوم حزين"، ودعا الكونغرس الى سن تشريع يحمي حق الإجهاض، معتبراً أن القرار ليس نهاية المطاف وأنه سيكون في صميم الانتخابات التشريعية التي ستجري في الخريف المقبل.

وعقدت رئيسة مجلس النواب مؤتمراً صحافياً مع عشرات الأعضاء نددت فيه بالقرار محذرة من تبعات حيازة الجمهوريين للأغلبية في الانتخابات المقبلة داعية الديمقراطيين الى العمل الدؤوب لحماية الحقوق الدستورية للأميركيين، وكرر الكثير من شيوخ ونواب الحزب الموقف نفسه، فيما امتدح الرئيس السابق دونالد ترامب ونائبه مايك بنس وزعيمي الأقلية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب ميتش ماكونيل وكيفن مكارثي القرار واعتبروه انتصاراً للقيم الأميركية.

وجاء هذا القرار بعد يوم واحد من قرار آخر للمحكمة يؤكد هيمنة الأجندة الجمهورية عليها، حيث نقضت المحكمة قانوناً أصدرته ولاية نيويورك يضع شروطاً على من يريد شراء وحمل مسدس حربي، واعتبرت أن أي تقييد للسلاح غير دستوري، مما اثار ردود فعل واسعة خصوصاً في ظل موجة الجرائم الجماعية التي تشهدها أميركا.

وفي وقت أقر فيه الكونغرس وللمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثين عاماً تشريعاً يقنن بشكل طفيف اقتناء السلاح. يُضاف الى ذلك قراران للمحكمة التي يسيطر عليها المحافظون لأكثر من عقدين، قضى الأول في العام 2010 بالسماح للشركات والشخصيات المعنوية ولجان العمل السياسي انفاق ما تشاء من أموال في الحملات الانتخابية، دون حاجة الى ذكر مصادرها أو طريقة انفاقها، فيما ألغى الثاني مفاعيل قانون حماية التصويت الذي أقره الكونغرس ويمنح وزارة العدل صلاحية الطعن في إجراءات الولايات المنفردة التي ترى فيها تقييداً لحق الناخبين في الإقتراع، وذلك لحماية أصوات الملونين والأقليات من تعسف الحكومات المحلية خصوصاً في المناطق ذات التاريخ العنصري في الجنوب.

ماذا لدى الحزب الديمقراطي الحاكم في مواجهة المحكمة القادرة بأكثريتها المحافظة على تنفيذ أجندة الجمهوريين؟ هذا ليس نهاية المطاف كما قال الرئيس بايدن، لكن يد الديمقراطيين الذين يتولون السلطتين التنفيذية والتشريعية مغلولة، كما تبين للإدارة الحالية. بإمكان الرئيس والكونغرس نظرياً وضع قوانين حاسمة لكل المسائل التي نقضتها المحكمة، لكن الأكثرية الديمقراطية الهشة في مجلس النواب والمناصفة في مجلس الشيوخ تتطلب اجماعاً ديمقراطياً على أية خطوة، ودون ذلك معارضة داخلية لأعضاء من ولايات محافظة غير مستعدين للتفريط بمقاعدهم من أجل تحقيق أهداف الحزب. 

الأمر نفسه ينطبق على قدرة الرئيس النظرية على رفع عدد أعضاء المحكمة العليا حيث لا نص دستوري يحتم حصر العدد بتسعة قضاة، ويمكن للكونغرس أن يرفع العدد ليحرم المحافظين من الأكثرية، وذلك يتطلب تعديل نظام مجلس الشيوخ لمنع التعطيل الإجرائي الذي يتطلب 60 صوتًا لطرح أي مشروع قانون على التصويت بدل الإكتفاء بالأغلبية البسيطة، وهذا ما لا يوافق عليه اثنان من الديمقراطيين عطلا حتى الآن معظم برنامج عمل بايدن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها