السبت 2022/06/11

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

إدلب: الجولاني في مناطق الدروز يستثمر في الأقليات

السبت 2022/06/11
إدلب: الجولاني في مناطق الدروز يستثمر في الأقليات
increase حجم الخط decrease

أثار ظهور زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني في منطقة جبل السماق التي تقطنها غالبية درزية في ريف إدلب، جدلاً واسعاً بين السلفيين الذين اتهموه بـ"تبني الخطاب الوطني" و"محاولة الاستثمار والمتاجرة بالأقليات والطوائف والتودد لها لإرضاء الغرب"، وأطلق فريق من السلفيين على الجولاني لقب "محافظ إدلب الأنيق".

وكان الجولاني زار منطقة جبل السماق برفقة عدد من قادة "تحرير الشام" ومسؤولين في حكومة الإنقاذ التابعة لها لافتتاح بئر مياه يغذي قرى في المنطقة، والتقى الجولاني خلال الزيارة عدداً من وجهاء قرى المنطقة، ووعدهم بتكثيف الجهود للنهوض بالواقع الخدمي وتحسين المرافق العامة خلال الفترة القادمة.

ونشرت مؤسسة "أمجاد" الإعلامية تسجيلاً مصوراً يظهر جزءاً من اجتماع الجولاني مع وجهاء جبل السماق، ولكن "أمجاد" حذفت التسجيل بسبب تصاعد الجدل والهجوم الحاد الذي شنه السلفيون على "تحرير الشام" وزعيمها، وأعادت المؤسسة نشره مرة أخرى مساء الجمعة، وتداوله الإعلام الرديف بكثافة بعدما شاركته شخصيات نافذة في المجلس الشرعي التابع لـ"تحرير الشام"، أمثال الشيخ مظهر الويس، وبدا التداول الكثيف أيضاً رسالة تحدٍّ للسلفيين المناهضين للهيئة.

وقال المنشق عن "تحرير الشام" أبو العلاء الشامي على تلغرام: "يدخل المتحول الجولاني من باب الأقليات متاجراً ومتسولاً على عتبات المخابرات الغربية، وهو باب واسع يشحذ منه المستبدون والطغاة حديثاً لأخذ القبول والرضا الخارجي".

وخلال الزيارة، توسّط الجولاني عدداً من وجهاء منطقة جبل السماق بالقرب من موقع البئر الذي جرى افتتاحه، وفي إجابته على مطلب أحد الوجهاء لتطوير الخدمات في المنطقة، قال الجولاني إن "بئر المياه هو مقدمة لخدمات أوسع ستشمل قطاعات أخرى خلال المرحلة القادمة"، وطلب الجولاني من الوجهاء أن يعيدوا المبالغ المالية التي جمعوها لتأمين مياه الشرب، وأعلن أن "تحرير الشام" تتكفل بمصاريف حفر البئر والمصاريف التشغيلية.

وقدم الوجهاء مجموعة مطالب أخرى، بينها ترميم النقطة الطبية في قرية تلتيتا في جبل السماق لتخدم المنطقة طبياً، وطالبوا برد المظالم التي وقعت على عدد كبير من أبناء المنطقة، ووعد الجولاني بتنفيذ المطالب الخدمية بالتنسيق مع إدارة المنطقة، كما وعدهم بإعادة أي مظلمة لأي شخص، مع عدم تعرض أي شخص للضيم أو الظلم، وتابع الجولاني: "نحن أهل الحق، ولا نرضى أن يظلم أحد، وستصل الحقوق إلى أبواب بيوتكم".

وقال أحد وجهاء المنطقة: "مطلبنا الأساسي والأهم، أن نتساوى مع كل الناس ولا يتم اعتبارنا كطائفة، نحن إسلام، جئنا إلى الإسلام بكل عزة وبكل فخر، ونحن لا نقبل أن نكون غير إسلام، ولا نقبل أن نوصف بأي وصف آخر"، وهنا قاطعه الجولاني ليقول: "لا إكراه في الدين، نحن لن نجبر أحداً على الدخول في الإسلام"، ورد الوجيه: "لم نُجبر أبداً".

وخلال اللقاء، حاول الجولاني الاعتذار بشكل غير مباشر عن المجزرة التي وقعت في واحدة من قرى المنطقة قبل سنوات على يد أحد قادته، وحاول أيضاَ التنصل من المسؤولية، وقال: "الشيء القديم الذي حصل، نحن غير مسؤولين عنه، والشخص الذي ارتكب الجريمة تعرفون ماذا حصل له، نحن بريئون منه". وأضاف: "هذه الثورة لم تقم على خلاف بين الطوائف والأديان، بل قامت لرد الظلم، نحن مشكلتنا مع النظام فقط، النظام فيه من أهل السنة ناس يقتلون من المدنيين ويتلقون عقاب، فهي ليست ثورة للتمييز بين الطوائف، وأنتم لكم حق هنا، صار لكم آلاف السنين".

وتتوسط منطقة جبل السماق ريف إدلب الشمالي الغربي، ويبلغ عدد قرى الموحدين الدروز في المنطقة 18 قرية، أما عدد السكان الأصليين فيصل إلى 20 ألف نسمة موزعين على قرى كفتين وبيرة كفتين ومعارة الإخوان وكفر بني وعرشين وبنابل وقلب لوزة وبشندلنت وبشندلايا وتلتيتا وكفر مارس وحلة والدوير وعلاتا وعَبريتا وجَدعين وكوكو وكفركيلا، وقد غادر قسم كبير منهم المنطقة إلى مناطق سيطرة النظام وهم في الغالب من الموظفين.

وقال مصدر محلي مناهض لتحرير الشام في إدلب لـ"المدن": "اتسمت علاقة سكان قرى جبل السماق بمحيطهم السني بالوئام والهدوء حتى بعدما انطلقت الثورة السورية، واشترك عدد كبير من أبناء قرى الجبل في التظاهرات السلمية، وبعد توسع سيطرة تحرير الشام في إدلب في العام 2014 أعطى عدد من قادتها مهلة عام كامل للدروز في ادلب للدخول في الإسلام وإلا سيتم إخراجهم من ديارهم بعدها، وعينت الهيئة في ذلك الوقت أبو عبد الرحمن التونسي الملقب بـ"سفينة التونسي"، أميراً على المنطقة، وأجبر عدداً من أهالي المنطقة على إعلان إسلامهم وأن يتعهدوا بفتح المساجد وإقامة الشعائر وتعليمها لأبنائهم".

وأضاف المصدر: "في حزيران/يونيو 2015، ارتكب أبو عبد الرحمن التونسي ومجموعته مجزرة مروعة راح ضحيتها أكثر من 20 مدنياً في قرية قلب لوزة بسبب خلاف بين أبناء البلدة وعناصر تحرير الشام على أحد الحواجز وسط البلدة، وبعد المجزرة في قلب لوزة أصبحت تحرير الشام أكثر حذراً في التعامل مع أبناء الجبل الذي شهد تأسيس عدد من المجالس المحلية، التي اندمجت في ما بعد في مجلس محلي موحد برعاية حكومة الإنقاذ، وبدأ اهتمام تحرير الشام بالمنطقة منذ بداية العام 2021 بالتزامن مع سياسة الانفتاح التي اتبعتها ومحاولة الظهور بمظهر التنظيم الإسلامي المعتدل". 

وقتلت "تحرير الشام" سفينة التونسي الذي كان برفقة أبو دجانة الليبي في بلدة كفر دريان بريف إدلب الشمالي، منتصف شهر نيسان/ابريل 2021، وذلك عندما كانت تلاحق مجموعة متهمة بارتكاب جريمة قتل فايز الخليف، وزير التعليم العالي في حكومة الانقاذ التابعة لها.

وقال السلفي المنشق عن "تحرير الشام" أبو يحيى الشامي على تلغرام: "وجهاء جبل السماق يعلنون الإسلام والتمسك به خلال اللقاء بالجولاني، أما هو فيصر على ذكر الطائفية والطوائف، في مشهد تلميع لصورته على حساب الإسلام، مع العلم أن الجولاني هو أول من أدخل فكر تكفير المسلمين، هذا غير جئناكم بالذبح المكررة كثيراً التي نفّرت الكثير من الناس من الثورة، ومنهم مسيحيو إدلب الذين فروا إلى مناطق النظام ودول أخرى، وللمفارقة إن تحرير الشام التي أذعرتهم واستولت على أملاكهم تحاول اليوم الظهور بمظهر التسامح ودعوتهم إلى العودة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها