الأحد 2022/03/27

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

عن الانتحار في إدلب..المهرب الاخير من عواقب النزوح

الأحد 2022/03/27
عن الانتحار في إدلب..المهرب الاخير من عواقب النزوح
انتحار
increase حجم الخط decrease
تتكرر حالات الانتحار في محافظة إدلب شمالي سوريا، مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والنفسية، إذ أنهى فنان تشكيلي حياته بطلق ناري في الرأس، منتصف ليلة الأربعاء/الخميس.
وتختلف الدوافع لكلّ حالة انتحار، فالفنان التشكيلي الشاب توفيق عبد الناصر حميدة أدخلته حالة الاكتئاب في جو من العزلة منذ نحو عام. وتقول مصادر مقربة منه ل"المدن"، إنه "يعيش في منزل جدّه بمدينة سلقين شمال إدلب واتخذ لنفسه غرفة انعزل فيها عن العالم الخارجي، فكان قليل الخروج من المنزل ويُفضّل الجلوس بغرفته على العتمة".
وتضيف المصادر أن الشاب، من مواليد مدينة سلقين عام 1989، كان يعمل رساماً تشكيلياً بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة في مدينة حلب التي كان يقيم فيها مع عائلته، وعمل بمطبعة في سلقين ومع العديد من الجهات الخارجية سابقاً ومنها مشاركته في أحد المعارض الفنية في السعودية.

مواد مخدرة
وتشير إلى أن الحالة النفسية لدى حميدة دفعته لتناول المواد المخدرة. ولاحظ المقربون منه محاولته الانتحار منذ نحو شهر، موضحة أنه وصل لمرحلة الكآبة وعلى ما يبدو تأثر بانتحار صديق له بنفس المهنة (الفن التشكيلي) قبل نحو أربعة أشهر.
وفي 7 تشرين الثاني/نوفمبر نعى الراحل حميدة صديقه آدم بقوله: "رفيقي انتحر.. الله يرحمك يا آدم و يرحم روحك الجميلة وأكيد أنت بدنيا أحسن من هالدنيا القبيحة اللي كرهناها وتمردنا عليها سوا".


انتحار شقيقتين
في شباط/فبراير، لم تكن زيارة إنصاف لمنزل عائلتها اعتيادية، إذ فُجع الأهل بانتحار ابنتهما بعد أن تناولت السم وسقته لشقيقتها، في منزلهما الكائن في بلدة الفوعة شمال إدلب. ويقول والد الابنتين خالد مذبوح ل"المدن"، إن "ابنته (إنصاف 22 عاماً)، أم لطفل 5 سنوات وطفلة 3 سنوات، قدمت إليهم زيارة من بلدة الشيخ حديد غرب عفرين، قبل أن يُفاجؤوا بأن الابنة وضعت حبة غاز لنفسها وآخرى لشقيتها علا، في فنجان قهوة أودى بحياة الاثنين".
ويضيف أن "الطفلة عُلا توفت بعد عشر دقائق من تناولها القهوة المسمومة، بينما تم إسعاف إنصاف إلى المستشفى حيث بقيت تنازع 48 ساعة، قبل أن تفارق الحياة"، مشيراً إلى أن دوافع الانتحار لا أحد يعلمها. ويعتقد الوالد أن إنصاف مصابة منذ سنوات بما وصفه ب"السحر ومسّ الجن".
لكن مؤيد أبو عامر، المقرّب من العائلة وجارهم من مدينة خان شيخون، التي ينحدرون منها، وبقي ملازماً لهم بعد النزوح والإقامة في بلدة الفوعة، يؤكد ل"المدن"، أن إنصاف مصابة بمرض عقلي لم تنجح كل محاولات علاجها منه، لافتاً إلى أن "زوجها الأول طلّقها بسبب فقدانها عقلها، ما كان يدفعها لمهاجمته وتعنيفه، قبل أن تتزوج مرة ثانية من شاب من مدينة يبرود بريف دمشق، وتنجب منه طفلين، وهو حالياً يعيش في ليبيا مع مقاتلين من الجيش الوطني السوري".
أمّا عن وضع العائلة فيصفه أبو عامر بأنه "سيء مادياً" فالأب كان موظفاً في معمل الغزل والنسيج في إدلب وترك الوظيفة منذ بداية الثورة خوفاً من اعتقالات النظام حينها، ثم فقد ابنه البكر عبد الرحمن (الذي ترك خلفه طفلين أعمارهما 3 و4 سنوات) مع شقيقه الأصغر محمد في يوم واحد خلال إحدى المعارك بين المعارضة والنظام بريف إدلب.

أسباب وإحصائيات
تختلف طرق الانتحار ما بين تناول حبوب الغاز (حبوب الفوسفيد الهيدروجين المستخدمة في عمليات التعقيم) والشنق أو بواسطة سلاح. ويُعدّ تدهور الوضع الاقتصادي وتأثيرات النزوح من أبرز أسباب الظاهرة شمالي سوريا.
وفي الأسبوع الأول من 2022، شهدت إدلب حالتي انتحار لشابين إحداها شنقاً والأخرى تسمماً. وأحصى فريق "منسقو استجابة سوريا" تسع حالات انتحار في العام 2022 الجاري، (بينها ثلاثة أطفال وامرأتين)، وأربع محاولات انتحار فاشلة (ثلاثة رجال وامرأة)، بينما سجّل الفريق 24 حالة انتحار بينها أربعة أطفال وسبع نساء خلال العام 2021.
ويوضح المتخصص في الدعم النفسي أحمد الشيخ علي ل"المدن"، أن الأزمة النفسية مركبة (فقر وتهجير قسري وفقدان الموارد)، إضافة إلى المشاكل العائلية، لافتاً إلى أنهم في القسم الذي يعمل فيه بأحد مشافي إدلب، أحصوا خمس حالات انتحار خلال الشهرين الماضيين فيط، منوهاً أن دورهم هو متابعة حالات محاولات الانتحار بعد علاجها عند طبيب مختص، عبر جلسات تثقيف ورفع وعي الشخص لمنع تكرار حالة التفكير بالانتحار لديه.
وتحدث الشيخ علي، عن حالة لشاب من إدلب (27 سنة*، عمل عليه لمدة عام كامل وساعده في التخلّص من أفكار الانتحار، ولكنه انتحر بشكل مفاجئ عبر تناول حبة غاز بعد أن تعافى، والسبب هو "تدني تقدير الذات ومشاكل عائلية نتج عنها اضطرابات نفسية"، لافتاً إلى أنهم في قسم الصحة النفسية أقاموا حملة للتعريف بخطورة البيع العشوائي لأقراص الغاز التي تباع في الصيدليات الزراعية.
من جهته، يوضح الأخصائي في الدعم النفسي والاجتماعي في ريف إدل عبد الناصر اليوسف ل"المدن"، أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لحالات الانتحار نظراً لعدم إفصاح ذوي المنتحر عنها بسبب الوصمة الاجتماعية، مشيراً إلى تدارك أكثر من حالة فكّر أصحابها بالانتحار عبر متابعتها من قبل داعم نفسي وتطوير خطة إرشادية، أوصلتها بعد فترة لحالة جيدة من التعافي النفسي، فيما هناك حالات في المقابل لم تلتزم بخطة التعافي أقدمت على الانتحار.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها