الثلاثاء 2022/01/25

آخر تحديث: 15:55 (بيروت)

الأسباب التي تمنع عودة "داعش" ك"خلافة"

الثلاثاء 2022/01/25
الأسباب التي تمنع عودة "داعش" ك"خلافة"
increase حجم الخط decrease
في 23 آذار/مارس 2019، خسر تنظيم "داعش" آخر جيب مكاني له في سوريا، بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على بلدة الباغوز في أقصى شرق البلاد، بدعم جوي وعسكري من قوات التحالف الدولي. وكان قد سبق سقوط الباغوز خسارة التنظيم لجميع الأراضي التي كان يُسيطر عليها في سوريا والعراق، التي شكلت منذ عام 2014 وحتى هزيمته المركز لمشروعه السياسي، "الخلافة".
خسارة التنظيم لمناطق سيطرته الجغرافية الحضرية المدينية في العراق وسوريا، لم تمنعه من الاستمرار في العمل، بعد تحوله من النهج المركزي للقيادة إلى حالة اللامركزية، حيث تمكن من إجراء إعادة هيكلة على كافة المستويات العسكرية والأمنية والشرعية والإعلامية، والتحول من حالة المشروع السياسي تحت مسمى "الخلافة" إلى حالة المنظمة، والعودة إلى التكتيكات القتالية التقليدية عبر حرب الاستنزاف وحرب العصابات.
تغير سلوكيات التنظيم ما بعد الهزيمة الجغرافية، دفعه لترتيب أوراقه والعمل على محاولة إعادة انبعاثه الثاني من خلال توجهين رئيسيين، الأول عبر لملمة شتات مقاتليه وإيجاد أماكن ولادته القادمة في البادية السورية ومناطق الصحراء العراقية خاصة صحراء الأنبار الغربية، وهذا يُمثل حالة وجود التنظيم بشكله المادي من معسكرات ومقرات ومقاتلين يشنون عمليات عسكرية يومية تستهدف الأطراف المعادية له، التوجه الثاني هو إيجاد خلايا أمنية له في المدن والبلدات سواء السورية والعراقية، هذه الخلايا تنفذ عمليات أمنية سرية، ما يجعل من مسألة ملاحقتها أمراً بالغ الصعوبة.
قرابة ثلاثة أعوام مضت منذ أن بدأ التنظيم محاولاته الساعية لعودته الثانية، خلال هذه الفترة ظلت هجمات التنظيم تضرب الأطراف المناوئة له، مع توفر فرص كبيرة كان يمكن أن تكون عاملاً مساهماً في عودته، أولى تلك الفرص جائحة فيروس كورونا، والثانية، العمليات العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، التي ساهمت في تشتيت قوات سوريا الديمقراطية، أبرز القوى العسكرية التي قاتلت التنظيم شمال شرق البلاد، إضافة لاستمرار العوامل القديمة المغذية لظهور التنظيم، من انقسام طائفي واستمرار سيطرة الأنظمة الديكتاتورية على المنطقة.
عدم استغلال التنظيم لهذه الفرص في محاولة إحياء مشروعه السياسي يعود لأسباب عديدة، ساهمت بشكل كبير في عدم اكتمال الظروف الموضوعية لعودته إلى حالة ما بعد عام 2014 في سوريا والعراق، لكن عدم توفر هذه الظروف يعتبر حالة مؤقتة قد تنتهي في أي وقت، ما لا يدع مجالاً للشك بعودة التنظيم كمشروع سياسي يُعيد سيطرته الجغرافية على مناطق حضرية مدينية في دول مركز التنظيم سوريا والعراق.
أهم أسباب عدم اكتمال الظروف الموضوعية لعودة التنظيم، هو بدء تعافي النظام الحاكم في دول المركز (سوريا والعراق) التي يتواجد داخلها، خاصة مع عودة النظام السوري وحلفائه للسيطرة على الكثير من المناطق التي خسرها بعد عام 2011 في مناطق وسط وشرق البلاد، إضافة لتطور إداء الجيش العراقي والأجهزة الأمنية ووجود العشرات من المليشيات المحلية المبنية على أساس طائفي المعادية للتنظيم والمدعومة من إيران بشكل مباشر.
تعافي نظم الحكم على المستوى العسكري والأمني يُعد من أهم أسباب فشل التنظيم في العودة إلى حالة المشروع السياسي، فمرحلة انبعاث التنظيم الأولى عام 2014، بعد سنوات من القضاء عليه على يد الصحوات العراقية عام 2007، جاء نتيجة ضعف الحكومة العراقية، والانقسام السياسي في العراق المبني على أساس طائفي، إضافة لخروج الكثير من المحافظات السورية عن سيطرة النظام، نتيجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد ما بعد عام 2011 وتشكل فصائل المعارضة المسلحة "الجيش الحر"، التي واجهت نظام الأسد عسكرياً طيلة سنوات.
السبب الثاني الذي ساهم في عدم عودة التنظيم للمشروع السياسي هو تراجع المد الإسلامي، هذا التراجع على مستويين، الأول محلي في كل من سوريا والعراق والآخر إقليمي. وتعود أسباب تراجعه إلى التجربة السيئة التي عانت منها المجتمعات المحلية من الجماعات السلفية أثناء فترة سيطرتها، خاصة تنظيم "داعش"، الذي قتل الآلاف من أفراد تلك المجتمعات بحجج الكفر والعمالة وغيرها، بجانب بدء تشكل حالة من الوعي تجاه التجربة المدنية كخيار أفضل للمجتمع المحلي في البلدين، كونه يضّم مختلف الأعراق والإثنيات، إضافة إلى فشل حركات الإسلام السياسي، خاصة بعد الانقلاب العسكري في مصر، ووصول الكثير لقناعة أن المشاريع الإسلامية لن يسمح لها بالحكم مهما كان نوعها وتوجهها.
أما ثالث العوامل التي منعت عودة مشروع التنظيم السياسي، هو طبيعة السكان في مناطق وجوده، فبعد هزيمته وسيطرة الأطراف المعادية له على مناطق وجوده السابقة، اضطر السكان المحليون المرتبطون بالتنظيم بعلاقات مباشرة من خلال التواجد في صفوفه، أو علاقات غير مباشرة عبر تبني أفكاره العقدية وإيمانهم بها، إلى مغادرة تلك المناطق إلى دول الجوار أو مناطق سيطرة أطراف أخرى كما في شمال سوريا، "مناطق درع الفرات، نبع السلام، غصن الزيتون" وإدلب، أو حتى الخضوع لعمليات تسوية مع الحكومات القائمة في تلك البلدان والعودة للعيش تحت كنفها، ما جعل التنظيم بعيداً عن حاضنته الشعبية، وصعّب من عمليات استقطابه لعناصر جديدة لرفد صفوفه الناشئة بمقاتلين جدد، كما باتت تحركاته مكشوفة، لأن معظم السكان في مناطق وجوده الحالية باتوا من الموالين للسلطات القائمة.
 العامل الرابع والأخير الذي ساهم في منع عودة التنظيم كمشروع سياسي، هو تراجع حالة الانتشار الواسع للسلاح، وخسارة التنظيم للكثير من مصادر التمويل التي كانت تصب في خزانته، فعدم توفر السلاح بالشكل الجيد من حيث الكمية والنوعية، سوف يُجبر التنظيم على البقاء ضمن حالة عسكرية تتناسب مع تلك الإمكانيات وهي حرب العصابات وحروب الاستنزاف، وهذا النموذج من التكتيكات العسكرية يساهم في بقائه كمنظمة هدفها الإزعاج لا الإنجاز، أما عودته ضمن مشروع سياسي فتحتاج لكميات كبيرة من الأسلحة كالتي حازها بعد سيطرته على الموصل والتي ساهمت في تواجده كمشروع بين عامي 2014 وحتى سقوط الباغوز في 2019.
بالرغم من غياب الظروف الموضوعية التي من شأنها تسهيل عودة تنظيم "داعش" كمشروع سياسي (خلافة) في دول المركز للمرة الثانية خلال الفترة الحالية، إلا ان التنظيم من خلال حالته التنظيمية يصرّ على سلوك طريق العودة إلى المشروع السياسي من خلال السعي لاستنزاف الأطراف المعادية له في حروب العصابات والحروب الأمنية، وهذا ما يفعله خلال الفترة الحالية في سوريا والعراق، بانتظار اكتمال الظروف الموضوعية لاستكمال بقية الخطوات وهي إدارة التوحش للمنطقة بعد ضعف السلطة الحاكمة، والتي يطمح عبرها للوصول إلى مرحلة قيام المشروع السياسي، "دولة الخلافة".
خلاصة القول، أن التنظيم احتاج 7 سنوات بعد القضاء عليه في العراق عام 2007 حتى تمكن من العودة إلى الواجهة عام 2014، ويمكن أن يحتاج للمدة ذاتها للعودة ما بعد هزيمة 2019 في سوريا والعراق، خاصة أن جميع المعطيات على الأرض تؤكد استمرار حالة الصراع الطائفي القائمة في البلدين إضافة لحالة الانهيار الاقتصادي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها