قال وفد المعارضة السورية إنه راضٍ عن نتائج اجتماعات الجولة الأخيرة من مسار أستانة التي انتهت الخميس، مؤكداً أنه تم خلالها بحث جميع الملفات على الساحة السورية، وتحقيق مكاسب في بعضها، خاصة ملفي المعابر الانسانية والتهدئة العسكرية.
وبينما رأى الكثيرون أن البيان الختامي للقاء أستانة-16 الذي استضافته عاصمة كازاخستان، كان مكرراً ولا يحمل أي جديد، أكد المتحدث باسم وفد المعارضة أيمن العاسمي أن "ما جرى في المباحثات أهم بكثير مما جاء في البيان الختامي".
وكشف العاسمي في تصريح ل"المدن"، أن هذه الجولة لم تكن مجدولة بالأصل، لكنها أقرت بشكل استثنائي بعد التطورات الميدانية الأخيرة التي شهدتها مناطق متعددة في سوريا، بالإضافة إلى الخلاف بوجهات النظر حول التمديد للمعابر المخصصة للمساعدات الإنسانية.
وأشار العاسمي أن أهم نتائج الجولة الحالية هي موافقة الجانب الروسي الضمنية على استمرار تفويض الأمم المتحدة بإدخال المساعدات الانسانية من معبر باب الهوى، مؤكداً الأنباء التي تحدثت عن تخلي روسيا عن تهديداتها باستعمال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي بعد الوصول إلى صيغة "مرضية لجميع الأطراف".
المساعدات الانسانية
وكانت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، قد طرحت على بقية أعضاء مجلس الأمن اقتراحاً يوم الخميس، يقضي بتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا، الأمر الذي فسره البعض على أن جزءاً منها سيكون تحت إشراف النظام السوري.
ويرى الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي أن هذه الصيغة "تعني تنازلاً من واشنطن عن سقف اختبار الثقة" الذي حدّده الرئيس جو بايدن خلال القمّة الثنائية مع فلاديمير بوتين منتصف حزيران/ يونيو 2021.
وأضاف في حديث ل"المدن"، "يحمل تصريح المندوبة الأميركية تفسيران، الأوّل توسيع تقديم المساعدات الإنسانية عبر الخطوط ليعد بتغطية أكبر للاحتياجات بعد أن تراجعت نسبة الوصول إلى 40 في المئة منذ إغلاق معبر اليعربية بعد انتهاء تفويض القرار 2504 (2020)، مع عدم وجود آمال لافتتاح هذا المنفذ مرّة أخرى".
والثاني توسيع تقديم المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس بين المعارضة والنظام، من دون تقويض آلية المساعدات عبر الحدود، وقد يكون هذا المقترح هو ما حثّ روسيا على إبداء استعدادها للتراجع عن التلويح باستخدام حق النقض (الفيتو) خلال جلسة مجلس المقررة الجمعة.
لكن العاسمي أكد أن 40 في المئة من المساعدات الأممية المخصصة لسوريا تذهب بالأصل لمناطق سيطرة النظام، مقابل نسبة مماثلة لمناطق المعارضة، و20 في المئة لمنطقة شرق الفرات.
وأضاف "وفق التفاهم الجديد فقد طالبت موسكو بزيادة الكتلة الإجمالية للمساعدات، على أن تبقى نسب التوزيع كما هي، وبناء عليه تراجعت روسيا عن موقفها المتمسك بعدم التمديد للمعابر الخارجة عن سيطرة النظام لأنها كانت تعلم أن المساعدات ستستمر بالتدفق سواء بقرار من مجلس الأمن أو بدونه".
إدلب: التصعيد والتهدئة
ملف التصعيد العسكري في إدلب كان حاضراً وبقوة على طاولة المباحثات، حسب العاسمي، الذي أكد أن وفد المعارضة والوفد التركي وضع الروس بشكل حازم أمام مسؤولياتهم في ضرورة الحفاظ على اتفاقات وقف إطلاق النار المطبقة هناك، كما جرى مناقشة الهجمات التي تشنها قوات سوريا الديمقراطية في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وتحميل الروس المسؤولية عنها أيضاً.
وكان البيان الختامي للجولة الأخيرة قد أكد أن "الدول الضامنة لصيغة أستانة، اتفقت على ضرورة الحفاظ على الهدوء في إدلب، من أجل التنفيذ الكامل للاتفاقيات".
ويعتقد عبد الوهاب عاصي أنّ اكتفاء البيان الختامي بالتأكيد على الحفاظ على التهدئة في إدلب من أجل تنفيذ جميع التفاهمات المتعلّقة بمنطقة خفض التصعيد "يعني استمرار العمل بموجب نظام وقف إطلاق النار ل6 أشهر إضافية، أو لحين انعقاد جولة المباحثات رقم (17)".
لكنه يرى أن ذلك لا يعني استبعاد الانزلاق إلى عمليات قتالية جديدة في المنطقة "بل قد يستمرّ التصعيد في إدلب مع إصرار روسيا على حسم إحدى القضايا الخلافية مع تركيا، والرغبة في تقليص حجم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام السوري، والحرص على إعادة فرض الأخير السيادة على ملف المساعدات الإنسانية بالكامل".
درعا والباب واللجنة الدستورية
وإلى جانب ملفي التهدئة في إدلب والمعابر المخصصة للمساعدات الانسانية، قال العاسمي إن وفد المعارضة طرح قضية الحصار الذي تفرضه قوات النظام والميليشيات الإيرانية على منطقة درعا البلد جنوب سوريا، بالإضافة إلى قطع الكهرباء عن المولدات ومضخات المياه في شرق حلب، ما أدى إلى أزمة في مياه الشرب بمدينة الباب.
وأضاف أن "الجانب الروسي حاول التوضيح أنه يبذل جهوداً من أجل عدم التصعيد في أي مناطق أخرى من جانب النظام، لكننا أبلغناه أن كل المعطيات تشير إلى أن موسكو لا تستطيع ضب حليفها بدمشق الذي يبدو أكثر تماهياً مع إيران".
وتابع: "قدمنا للروس أدلة على هيمنة طهران على قواته العسكرية جنوب سوريا بشكل كامل، وقلنا إنه بينما تعزز إيران من سيطرتها الميدانية، تتعزز صورة روسيا كدولة محتلة بنظر السوريين، الأمر الذي أزعج الروس ووعدوا ببحثه في الجولة المقبلة".
الأمر ذاته ينطبق أيضاً، حسب العاسمي، على مفاوضات اللجنة الدستورية، التي قال مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف الأربعاء، إن اجتماعها الدوري المقبل قد يُعقد في صيف 2021، مشيراً إلى أن جميع الوفود وافقت على تمديد المفاوضات.
العاسمي أعلن أن وفد المعارضة أبلغ الجانب الروسي أن هذه المفاوضات ستكون بلا طائل مع استمرار النظام في تعطيلها وصولاً إلى التملص من التزاماته السابقة، كاشفاً عن أن النظام أبلغ خولة مطر، مساعدة المبعوث الدولي إلى سوريا، خلال زيارتها الأخيرة إلى دمشق أنه غير معني بما جرى في جولات مفاوضات اللجنة الدستورية السابقة، وأنه ما بعد الانتخابات الرئاسية ليس كما قبلها، الأمر الذي يتطلب موقفاً أكثر حزماً ووضوحاً من موسكو على هذا الصعيد.
رغم التعبير عن رضاه عما تحقق في مسار أستانة حتى الآن، إلا أن وفد المعارضة لا يخفي أن ذلك لا يحقق سوى الحد الأدنى من طموحاته، وهو الحفاظ على التهدئة والسعي لتحقيق اختراقة هامة في العملية السياسية، بل يشدد على أنه، وفي ضوء تعطل كل المسارات الأخرى، لا يبقى سوى هذا المسار، بانتظار عودة الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وكذلك الدول العربية إلى الملف السوري بشكل أقوى.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها