الخميس 2020/09/24

آخر تحديث: 17:58 (بيروت)

المجلس الوطني الكردي: عين على أنقرة وقدم في موسكو

الخميس 2020/09/24
المجلس الوطني الكردي: عين على أنقرة وقدم في موسكو
increase حجم الخط decrease
بينما كانت روسيا تستقبل وفداً من المجلس الوطني الكردي السوري، كانت قواتها المتمركزة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، تقترب من أول اشتباك لها مع قوات سوريا الديمقراطية المنافسة للمجلس هناك، الأمر الذي يطرح السؤال مجدداً عن تقلبات الموقف الكردي السوري وتبايناته مؤخراً.

خلال الشهرين الأخيرين، كان المشهد الكردي حافلاً بالتناقضات، فبعد توقيع الإدارة الذاتية الكردية التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الاتفاق النفطي الشهير مع إحدى الشركات الأميركية خلال زيارة مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية الأخيرة إلى واشنطن نهاية تموز/يوليو، وإثر غضب موسكو الذي عبّر عنه أكثر من مسؤول روسي تجاه هذا الاتفاق، توجه وفد من الإدارة الذاتية إلى العاصمة الروسية تحت عنوان توقيع مذكرة تفاهم مع منصة موسكو بقيادة قدري جميل، لكن كان واضحاً أن الإدارة لديها ما تقدمه للروس من عروض استثمارية، أو ربما سياسية تخفف من حدة هذا الغضب.

لم تعلق واشنطن على هذه الزيارة، بل إن البعض رأى أن واشنطن تعتبرها مفيدة في جس النبض الروسي حول امكانية أن تستجيب موسكو للمغريات الاقتصادية المتوفرة في مناطق شرق الفرات، مقابل ممارسة ضغط فعلي على النظام بهدف إجباره على تقديم تنازلات في ما يتعلق بالعملية السياسية، وكذلك لإبعاده عن إيران.

لكن زيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الأخيرة إلى دمشق وتصريحاته الداعمة بقوة للنظام، بما في ذلك ضرورة استعادته السيطرة على شمال شرق سوريا، أكدت للولايات المتحدة أن أي تنازل من قبلها في هذه المنطقة سيكون مجانياً ولم تنضج شروطه بعد.

وعليه حملت زيارة الوفد الأميركي الأخيرة، برئاسة المبعوث الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، إلى مناطق سيطرة التحالف وقوات قسد الأحد، رسائل صريحة وحازمة من جديد تجاه الروس والنظام. وكانت لافتة دعوة جيفري المعارضة الكردية والعربية إلى نبذ الخلافات وتوحيد المواقف.

وبينما كان المجلس الوطني الكردي يحصي مكاسبه من زيارة الوفد الأميركي، وعلى رأسها إجبار حزب الاتحاد على تقديم تنازلات حقيقية خلال المفاوضات بين الجانبين التي تجري برعاية الولايات المتحدة، كان وفد منه يبدأ زيارة إلى موسكو.

بدا الأمر مربكاً مرة أخرى، وبدأت التساؤلات حول حقيقة توجهات المجلس الوطني الكردي وطبيعة مواقفه الأخيرة، خاصة وأن دخول المجلس في مفاوضات مباشرة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، نهاية نيسان/أبريل الماضي، أثار غضب الحكومة التركية التي ترتبط مع المجلس بعلاقات جيدة، إلا أن أنقرة لم تذهب بعيداً في تصعيدها ضد هذه المفاوضات، بعد أن تلقت تطمينات من جانب رئاسة إقليم كردستان العراق ومن المجلس نفسه.

لم تكن خطوة المجلس هذه مزعجة لتركيا وحسب، بل أثارت امتعاضاً داخل الائتلاف الوطني المعارض، والذي يعتبر المجلس الوطني الكردي جزءاً منه، فقام وبالتنسيق مع تركيا بتحريك ورقة ضغط مبدئية من خلال إدخال ممثلين عن رابطة الكرد المستقلين إلى الإئتلاف، بعد أن ظل التمثيل الكردي فيه حكراً على المجلس، الأمر الذي أثار حفيظة الأخير.

وداخل الائتلاف بدأ ممثلون عن المجلس ينشطون للاستفادة من انقسامات المعارضة والمجموعات المسيطرة عليه، لكن الاصطفاف كان أوضح في جانب القوى المناهضة لرئيسه الحالي نصر الحريري، الذي لم يتردد من ناحيته بالتصعيد ضد المجلس من خلال تصريحاته المنددة بالمفاوضات التي يجريها مع حزب الاتحاد. كما وقّع الحريري على قرار استبدال ممثل المجلس الكردي في الهيئة العليا للمفاوضات، الأمر الذي أثار حفيظة المجلس واعتبره استهدافاً مباشر له.

توجّ المجلس الوطني الكردي حراكه المثير في العام 2020 بإعلان التحالف مع "تيار الغد" الذي يقوده رئيس الإئتلاف الأسبق أحمد الجربا، وأسّس الطرفان "جبهة السلام والحرية" نهاية تموز/يوليو الماضي، مع مجموعة من القوى العربية والمنظمة الأثورية في محافظة الحسكة، الأمر الذي بدا معه أن المجلس يبحث عن فضاء أوسع من التحالفات والخيارات من أجل تعزيز مواقفه.

ويرى الباحث في الشأن الكردي شفان ابراهيم أن "هناك مؤشرات على إمكانية أن تتحول هذه الجبهة، بعد توسيعها، إلى منصة مستقلة تمثل مكونات المنطقة، وهو ما سيعني إمكانية إيجاد جسم سياسي معارض جديد، يقوم على أنقاض الائتلاف السوري المعارض".

ويضيف ل"المدن"، أن "الجسد السياسي الجديد سيشكل ورقة ضاغطة في إحداث تغيرات في موازين القوى داخل أروقة المعارضة السورية، فالكُرد والآشوريون يملكون أربعة ممثلين مناصفة، وخمسة أعضاء لمنصة القاهرة ضمن اللجنة الدستورية، إضافة إلى وجود الأطر الثلاثة في هيئة التفاوض، التي يبلغ عدد ممثلي منصة القاهرة فيها أربعة أعضاء، إضافة إلى عضو للمجلس الكردي ومثله للمنظمة الأثورية، ما يعني تشكيل قوة سياسية تتمكّن من خلط الأوراق.

 لم يكن قرار التحالف مع الجربا عادياً، خاصة وأن الأخير من حلفاء السعودية التقليديين داخل المعارضة، ومن المناوئين للائتلاف منذ أن غادره عام 2014، ما اعتبره الكثيرون إمعاناً من قبل المجلس الكردي في تحدي أنقرة وحلفائه من المعارضة السورية، إلا أن المفاجأة الجديدة كانت بحضور الجربا المفاجئ إلى اسطنبول قبل نحو أسبوع بوساطة من المجلس. وفي تركيا عقد الطرفان لقاءات مع ممثلين عن الحكومة التركية، بالإضافة إلى لقاءاتهما الخاصة التي توجت باتخاذ قرار التوجه معاً إلى موسكو يوم الثلاثاء.

يتكتّم قادة المجلس الوطني الكردي على جدول أعمال هذه الزيارة إلى العاصمة الروسية، كما سبق وأن تكتّموا على تفاصل اللقاءات التي جرت بينهم وبين شريكهم الجديد أحمد الجربا مع الجانب التركي، لكن القيادي في المجلس إبراهيم باشا أكد ل"المدن"، أن كل ما يقوم به المجلس الوطني الكردي حالياً يصب في صالح جميع السوريين، وأنه ينطلق في حراكه الأخير من أن مصلحة السوريين فوق كل اعتبارات أخرى، ويجب أن تكون هذه المصلحة دافعاً لفعل كل ما يمكن من أجل تحقيقها سواء في واشنطن أو أنقرة أو موسكو أو غيرها.

بين انقسام حزب الاتحاد الديمقراطي في الموقف من روسيا، وبين انفتاح المجلس الوطني الكردي المفاجئ على موسكو، رغم الدعم الأميركي لمفاوضاته مع الإدارة الذاتية، وما بين محاولات تطمين أنقرة والاندفاع نحو المعارضة المنافسة لحلفائها، تبدو مواقف القوى الكردية السورية غير واضحة مؤخراً، الأمر الذي يبقي باب الأسئلة والاحتمالات مفتوحة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها