الأربعاء 2020/07/15

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

"المضافة السورية":من مظهر كرم..إلى مساحة نفوذ لأمراء الحرب

الأربعاء 2020/07/15
"المضافة السورية":من مظهر كرم..إلى مساحة نفوذ لأمراء الحرب
increase حجم الخط decrease
كان ل"المضافة" في سوريا دلالة اجتماعية محدودة كمظهر من مظاهر الكرم وحسن الضيافة التي تميز شيوخ العشائر في المجتمعات القبيلة عموماً، والوجهاء في المجتمعات الريفية على نحو أضيق، وكانت ملجأ لصاحب الحاجة وحل النزاعات العشائرية والعائلية.

لكن مدلولها الاجتماعي اختلف كثيراً بعد العام 2011 وأصبحت كأحد مظاهر النفوذ والثراء لأمراء الحرب وقادة المليشيات الرديفة لقوات النظام، وبشكل أقلّ بين قادة المعارضة السورية المسلحة في المناطق التي أصبحت ضمن نطاق النفوذ التركي، كمنطقتي (درع الفرات وغصن الزيتون) بريف حلب، أي منذ بداية العام 2018.

واستغل تنظيم "داعش" المضافة، منذ بداية ظهوره وتوسعه في سوريا والعراق، لكنّه وظّفه بشكل مختلف كلياً، وأصبحت "مضافات" التنظيم مقار للاستقطاب والتجنيد ومحطات استراحة لعناصره ومأوى للعناصر المهاجرة من النساء والرجال. الأمر نفسه فعلته التنظيمات السلفية الآخرى، وما تزال "المضافات" موجودة لدى "جبهة النصرة" في إدلب حتى الآن ولكنها بشكل أقل من السابق، ويبدو أنها في طريقها إلى الزوال بعد التغييرات التنظيمية التي طرأت على هيكلية الجبهة الإدارية خلال العامين الماضيين.

"مضافات" قادة مليشيات النظام
تُعتبر "مضافة" قائد "لواء الباقر"، الحاج خالد المرعي، الأكثر شهرة في حي البلورة بحلب. أنشأها بداية العام 2017، أي بعد أشهر قليلة من خروج المعارضة السورية من الأحياء الشرقية في حلب. وتحوي المضافة عدداً كبيراً من قاعات الاستقبال و"فسحة سماوية"، وفي الوسط بركة ماء، وهي من طراز معماري حديث يغلب عليه الطابع الإسلامي.

وتقع "مضافة الباقر" وسط المجتمع العشائري الأكبر في حلب، والذي يمد المليشيات الموالية للنظام، بدعم من إيران، بالمقاتلين وهم من "عشيرة البكارة"، أكبر العشائر العربية التي يتوزع أبنائها على عدد كبير من الأحياء.

وتحوي "مضافة الباقر" مسجداً ملحقاً (حسينية) يقام فيه عادة الدروس الدينية والاحتفالات بالمناسبات الدينية، وفيه يتم تحفيظ الصبية الصغار القرآن، أما "المضافة" فيستقبل فيها قائد اللواء الضيوف من المسؤولين الأمنيين وقادة المليشيات ووجهاء عشيرة "البكارة"، وهي مقر للحملة الانتخابية لمرشح اللواء، عمر الحسن. ويُقام في "المضافة" عادة، الولائم احتفاءً بالمناسبات الدينية والوطنية ومجالس الصلح بين المتقاتلين من العشائر والمجموعات التابعة لمليشيات النظام. رايات المليشيات الإيرانية جزء من الزينة التي تملأ"المضافة، وضع الرايات في "مضافات" قادة المليشيات تظهر الولاء والتبعية.

أما "مضافة" آل بري، وهي في مكان قريب من "مضافة الباقر" وسط الأحياء الشرقية بحلب ما تزال حتى الآن شاهدة على النفوذ والثراء للعشيرة التي ارتبط اسمها بتجارة المخدرات، والدعم اللامحدود الذي كانت تحظى به من النظام الذي حجز لها مقعداً شبه دائم في "مجلس الشعب". وكانت "مضافة آل بري" الموجودة منذ ما قبل العام 2011 مكاناً لاستقبال المسؤولين الأمنيين في النظام وقادة الجيش والمركز الرئيسي للاتجار بالمخدرات.

ومع بداية الثورة السورية كانت "مضافة آل بري" مقراً لتجميع وانطلاق المجموعات التي تم تجنيدها لقمع المظاهرات المناهضة للنظام في حلب. ومع دخول فصائل المعارضة إلى الأحياء الشرقية بحلب منتصف العام 2012 شهد الحي الذي تقطنه عائلة "آل بري" معارك عنيفة قتل خلالها عدد كبير من وجهاء العشيرة.

عاد "آل بري" إلى حيّهم وأعيد افتتاح "المضافة" نهاية العام 2016 بعد أن خرجت المعارضة السورية من الأحياء الشرقية بحلب، وحافظت العشيرة على نفوذها ومصالحها، وأصبحت أكثر ثراءً بعد أن أصبح لديها مليشيا مسلحة قاتلت مع قوات النظام في معظم معارك الشمال السوري ضد المعارضة السورية، ومن المفترض أن يمثلها في "مجلس الشعب" في دورته الثالثة شخصان بدلاً من واحد، هما عبد الملك بري، وحسن شعبان بري.

وفي ريف حماة الشرقي تعتبر "مضافة" الشيخ أحمد درويش الأشهر، ويتزعم الشيخ درويش مليشيا باسمه عملت تحت مظلة "قوات النمر" لفترة طويلة واشتركت في معظم المعارك ضد المعارضة في حماة وإدلب، واتخذت من منطقة أبو دالي بريف حماة الشمالي الشرقي مقراً رئيسياً لها. ويُسمي الشيخ درويش نفسه بشيخ "عشيرة بني عز" وهي تتبع لقبيلة الموالي. حصل الشيخ درويش على عضوية مجلس الشعب السوري في العام 2012 بسبب مواقفه المؤيدة للنظام وتشكيله في ما بعد مليشيا مسلحة قاتلت معه.

جنى الشيخ درويش ثروة طائلة بسبب سيطرته على معبر أبو دالي الذي كان ممراً تجارياً بين مناطق المعارضة والنظام لفترة طويلة، وفي أواخر العام 2017 دخلت المعارضة معقل الشيخ درويش "أبو دالي" والتقط مقاتلو المعارضة صوراً لهم داخل "المضافة" أثناء تحطيمهم لصور، بشار الأسد، وحافظ الأسد.

بداية العام 2020 استقبل الشيخ درويش في "المضافة"، محافظ حماة، محمد حزوري، وعدداً من المسؤولين الأمنيين في المحافظة، وقادة في المليشيات المحلية في سهل الغاب وريف حماة الشرقي، وأقام مجلس عزاء لقائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، واستقبل المعزين في "المضافة" التي أصبحت مظهراً مهماً من مظاهر الثروة والنفوذ التي يتمتع بهما درويش في منطقة ريف حماة الشمالي الشرقي.

مضافات المعارضة 
تعتبر مضافة قائد "لواء السلطان سليمان شاه" التابع للمعارضة السورية، محمد جاسم أبو عمشة، الأكثر شهرة في ناحية الشيخ حديد بريف عفرين شمالي حلب. الصور التي نُشرت للمضافة بداية العام 2020، بيّنت أن بناءها مكلف جداً، وعمارتها حديثة يكثر فيها الرخام والسيراميك، والقسم الأكبر من معدات الديكور مستورد. 

وفي سجو القريبة من إعزاز شمالي حلب يبدو "ديوان العشائر" أو ما يسمى "مضافة أبو علي سجو"، أكثر بذخاً، يكسوها الحجر الكلسي الأبيض من الخارج، وفي داخلها يغلب على الكساء السيراميك والديكور الغربي. وكان قد أُعلن في المضافة قبل أعوام قليلة عن تأسيس المجلس الأعلى للقبائل السورية. و"أبو علي سجو" أحد قادة "الجبهة الشامية" التابعة للمعارضة، والشخصية الأبرز بين أبناء عشيرة العجيل في ريف حلب الشمالي.

غالبية قادة الفصائل المعارضة في ريف حلب لديهم "مضافات"، وبدا أنهم يتنافسون في ما بينهم، فالمضافة مظهر من مظاهر القوة والنفوذ والشعبية الواسعة، ومكان للصلح في حال الاقتتال الداخلي كما حصل أكثر من مرة.

شاع تقليد "المضافات" بين قادة المعارضة خلال الأعوام الثلاثة الماضية بعد طرد "داعش" من المنطقة، وتوقف المعارك وثبات خطوط التماس مع قوات النظام وقوات سوريا الديموقراطية، لم يعد هناك ما يشغل قادة المعارضة لذا كان السعي في غالبه منصباً على تثبيت نفوذهم في المناطق التي تعتبر مجالهم الحيوي والشعبي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها