الأحد 2020/05/24

آخر تحديث: 15:33 (بيروت)

كيف سرق الغرب الديموقراطية من العرب؟ سوريا مثالاً

الأحد 2020/05/24
كيف سرق الغرب الديموقراطية من العرب؟ سوريا مثالاً
increase حجم الخط decrease
كيف أقنعت بريطانيا وفرنسا حكومات العالم الأخرى بمنحها تفويضات استعمارية على جزء كبير من العالم العربي في أعقاب الحرب العالمية الأولى مباشرة؟ كيف استخدمت فرنسا، التي مُنحت الولاية على سوريا ولبنان، قوتها للقضاء على ما كان مشروعاً سياسياً رائداً ومتطوراً من قبل السوريين لبناء نظام دستوري لبلدهم؟، وبعد ذلك، كيف حاولت فرنسا محو التاريخ الكامل لجهود بناء الدستور هذه وتشويهها للعالم على أنها شكل من أشكال الاستيلاء "الإسلامي" على الحكم.
هذه التساؤلات وغيرها عن كيفية سرقة الغرب للديموقراطية من العرب حاولت الإجابة عليها المؤرخة في الجامعة الأميركية إليزابيث طومسون في كتاب جديد بعنوان: "كيف سرق الغرب الديموقراطية من العرب؟.. المؤتمر العربي السوري لعام 1920 وتدمير التحالف الليبرالي الإسلامي التاريخي". وناقشت طومسون بعض النتائج الأكثر إثارة للاهتمام في الكتاب مع أختصاصي الشرق الأوسط وليام كوانت ورئيسة "JSON Web Encryption" هيلينا كوبان في محادثة فيديو لمدة 50 دقيقة.

وفي المحادثة تقول طومسون إنها كانت متحمسة لبدء البحث حول هذا الموضوع في صيف عام 2013، بعد أن أطاح الجيش المصري "بوحشية" بالرئيس المنتخب للبلاد، محمد مرسي، وسحق الحركة الشعبية التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي اليها. وأعربت عن أملها في أن تكون بعض سجلات المؤتمر العربي السوري الذي لم يدم طويلاً، الذي بدأ أعماله في دمشق في آذار/مارس 1920، مفيدة للإصلاحيين المؤيدين للديموقراطية العاملين في سوريا وفي جميع أنحاء العالم العربي.

وتشير طومسون إلى أنه في عام 1920 كان السوريون لا يزالون يعتبرون أن بلادهم تشمل كل ما يعرف الآن باسم سوريا والأردن وفلسطين/إسرائيل ولبنان (وكذلك محافظة هاتاي التركية الحالية). وجاء مندوبون إلى المؤتمر من جميع تلك المناطق.

عمل المؤتمر بشكل وثيق مع الأمير فيصل، سليل الهاشمية المؤثرة من الحجاز، واصحاب النفوذ الكبير في المملكة العربية السعودية اليوم، الذي إشتغل خلال الحرب العالمية الأولى مع البريطانيين في المقام الأول، (مع العقيد لورانس، لإثارة انتفاضة عربية واسعة النطاق في سوريا آنذاك ضد الجيش العثماني المتحالف مع ألمانيا).

وبعد هزيمة الألمان والعثمانيين، واصل فيصل العمل مع تحالف واسع من القادة من جميع أنحاء سوريا آنذاك لبناء نظام حكم للبلاد في شكل ملكية دستورية، ليكون هو الملك ولكنه سيخضع لقيود الدستور الرسمي.

أفضل ما يتذكره العديد من الغربيين هو الشخصية التي لعبها أليك غينيس في فيلم "لورانس العرب". لكنه كان موجوداً فعلاً! وقد ظهر في مؤتمر باريس للسلام في عام 1919، خلف فيصل في المؤتمر.

وفي المحادثة المصورة، ناقشت تومسون مع كوانت كيف عمل فيصل مع مجموعة من قادة المجتمع والمفكرين لصياغة الدستور للمملكة العربية السورية.

وكان من بين هؤلاء السوريين إسلاميون ليبراليون، والعديد من المفكرين المسيحيين العرب، وبعض الناس الأكثر علمانية في التفكير. ولكن بريطانيا وفرنسا كانتا عازمتين على القضاء على هذا المشروع القائم على الحكم الذاتي الخاضع للمساءلة في مهده.

وقالوا إن أياً من هؤلاء العرب "غير مستعد" للحكم الذاتي، وأقنعوا عصبة الأمم آنذاك باعتماد نظام الانتداب، وهو شكل مخفي من أشكال السيادة الاستعمارية، ثم قسموا تلك الولايات بين بعضهم البعض بحسب تومسون.
وفي فلسطين، استخدم البريطانيون ولايتهم لإعطاء دفعة كبيرة للمشروع الاستعماري الصهيوني. وفي سوريا ولبنان، كان الفرنسيون مصممين على استخدام الأنواع "الوحشية" من التكتيكات التي استخدموها لعقود في الجزائر وأماكن أخرى، من أجل القضاء على نظام الحكم الذاتي الوليد وفرض إملاءات فرنسا هناك.

تعهَد البريطنيون لصديقهم فيصل بتحقيق حلمه بالملكية في مكان ما!، وانتهى به المطاف كملك للعراق. وتم سجن بعض القوميين السوريين الآخرين الذين عمل معهم أو قتلوا على يد الفرنسيين. وفر آخرون إلى دول عربية أخرى.

وفي محادثة الفيديو، ناقشت تومسون وكوانت بإسهاب المسار الذي اتخذه أحد الأعضاء الرئيسيين في المجموعة التي صاغت دستور عام 1920، وهو الكاتب والمفكر الليبرالي الإسلامي اللبناني الشيخ رشيد رضا، وانتهى به الأمر غاضباً في مصر وكيف أن الحكومات الغربية قد خانت آماله في الحكم الدستوري، وأصبح في وقت لاحق مصدر إلهام رئيسي لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا.

ولكن ماذا حدث في دستور عام 1920 نفسه؟ بالنسبة لتومسون، كان هذا لغزاً حاسماً يجب حله، حيث كان من الصعب العثور على نسخ منه. لكنها تمكنت وبعد بحث مطول في المحفوظات في فرنسا وبريطانيا وجنيف وبيروت وواشنطن وأماكن أخرى، من وضع يديها على ما تعتقد أنه نسخة اولية أصيلة تشمل 148 مادة.

وتبدي طومسون ذهولها من وصف الكتاب الفرنسيون لدستور 1920، على أنه ينص أن دين الدولة هو الإسلام وهو في الحقيقة لم يكن كذلك.

وتختم طومسون بالإشارة إلى مشروعها السابق "المنطق السليم بشأن سوريا"، الذي قدمت فيه مناقشة، لتاريخ ومجتمع سوريا التي حصلت فيه على استقلالها عن فرنسا، في عام 1946، وشارك فيها المحاضران جوشوا لانديس وبيتر فورد.
 
وتأمل ان تتمكن من تقديم صورة أكثر ثراءً لتاريخ سوريا في القرن العشرين، بما في ذلك إظهار درجة الضرر الذي ألحقه الغرب بالشعب السوري آنذاك بشكل أعمق.

وعبرت عن أملها في أن يقدم  الكتاب والفيديو بعض الأفكار المثيرة للتفكير التي قد تساعد في عمل اللجنة الدستورية السورية الحالية، التي عقدت جلسة أولى غير حاسمة في جنيف في 2019 (على الأرجح، لا أحد يقترح اليوم أي شيء مثل الملكية الدستورية).
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها