الخميس 2020/10/29

آخر تحديث: 19:46 (بيروت)

أقفاص الخبز تتمدد في دمشق.."ابن العميد" ليس وحده

الخميس 2020/10/29
أقفاص الخبز تتمدد في دمشق.."ابن العميد" ليس وحده
increase حجم الخط decrease
يعاني النظام السوري في مناطق سيطرته من أزمة  تأمين الخبز اليومي لمواطنيه، وقد بدأت هذه الأزمة قبل أشهر بسبب عجزه عن توفير الطحين. 

إلا أن النظام السوري لا يزال يأبى أن يعترف بتلك الأزمة، ورغم الطوابير الطويلة الشاهدة عليها، والتي يصطف فيها الناس أمام الأفران الحكومية بالساعات لتأمين الخبز، فإن النظام لايزال مصراً على اتهام المواطن على أنه هو السبب  الرئيسي في أزمة الخبز، إذ يعزو الإعلام السوري الأزمة إلى عدم وعي المواطن وثقافته المعدومة واندفاعه المفرط لتموين الغذائيات في أوقات الرخاء.

وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة صادمة لأقفاص حديدية وضعها النظام لتنظيم الدور بطوابير الخبز أمام أفران "ابن العميد" في منطقة ركن الدين في دمشق، يظهر داخلها المواطنون  كالمسجاين. 

أثارت الصورة موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، ليخرج مدير مخابز دمشق نادر اسمندر بتصريح يتهم فيه المواطنين بأنهم السبب الرئيسي الذي دفعه لوضع تلك الأقفاص لتنظيم الدور، وأكتفى بالقول: "إن ثقافة الدور غير موجودة في بلادنا، وهذه الطريقة هي لتنظيم الدور والفصل بين الرجال والنساء وجنود الجيش".

ورغم أن الصورة التي تداولها السوريون عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لا توثّق سوى الأقفاص أمام أفران ابن العميد، إلا أن مصدراً من دمشق أبلغ "المدن" بأن عدداً من أفران في العاصمة السورية وريفها وُضعت أمامها أقفاص مشابهة، وأن أفران ابن العميد لا تنفرد بهذا المشهد، فأمام فرن الأمين في منطقة الأمين في دمشق القديمة يتم استخدام الآلية ذاتها.

هذه الصورة الصادمة لا تبدو سوى نتيجة حتمية لكل ما اقترن بأزمة الخبز منذ بدايتها؛ فالنظام السوري الذي يبدو أنه اعتاد لوم المواطن وجلده في أي مشكلة، روّج عبر إعلامه منذ بداية ظهور أزمة الخبز قبل أشهر، بأن المواطن هو من تسبب بأزمة الخبز، وأن المواطنين يشترون أكثر من حاجياتهم. 

طرح النظام حينذاك أول حل لعلاج ظاهرة الطوابير اللامتناهية أمام أفران الخبز الآلي، وكانت من خلال توزيع الخبز عبر البطاقة الذكية لتنظيم الدور واحتياجات المواطنين، إلا أن هذه الوسيلة طوّعها النظام السوري سريعاً لتصبح أداة يستغل بها حاجة المواطنين بشكل أكثر فجاجة، ومن خلالها قام بتقليل عدد الأرغفة والحصص اليومية للعائلات، ليحاول كسب بعض الوقت في أزمة الطحين التي يواجهها مما خلف طوابير أكبر وزاد من معاناة الناس.

البطاقة لم تكن ذكية وفيها عيوب تقنية كثيرة تحول دون سير العملية بشكل سريع. وتشرح شاهدة تعمل في أحد تلك الأفران عن آلية عمل نظام البطاقة الذكية، فتقول: "لإتمام العملية تحتاج الأفران إلى وجود انترنت، وفي معظم الأفران تكون الشبكة سيئة بسبب وجود آليات ضخمة تعطل تواجد الشبكة، إضافة إلى بطء التطبيق ووجود عيوب كبيرة فيه، تؤدي إلى تكرار عملية السحب أو فشلها. فعلياً نحتاج ما يقارب دقيقة لإتمام العملية، وهو الأمر الذي يساهم بازدياد وقت الانتظار بالنسبة للمواطنين".

وتعتمد كافة الأفران في تنظيم الدور على طريقة واحدة، متبعة في سوريا منذ الثمانينيات، وهي تقسيم الدور لثلاث نوافذ؛ نافذة للرجال، ونافذة للنساء، ونافذة للعسكر، علماً أن النافذة العسكرية يمنع الوقوف أمامها سوى للأشخاص الذين يمتلكون هوية عسكرية، والتي يمكن شراءها في مناطق سيطرة النظام بمبالغ مالية تصل إلى 200 دولار ويحصل من خلالها الشخص على امتيازات عسكرية أخرى كالمرور على الحواجز العسكرية من الخط العسكري السريع.

وإضافةً إلى أولوية العسكريين تأتي أولوية المعتمدين من قبل الدولة، والذين يسمح لهم بأخذ كميات كبيرة من الخبز وبيعه في مناطق آخر لا تحتوي على أفران. ولم تنظم الدولة أو الأفران منافذ خاصة لهؤلاء المعتمدين أو أوقات عمل خاصة بهم، الأمر الذي يجعلهم يقتحمون طوابير الانتظار ليأخذوا دور المدنيين ويحصلوا على كميات كبيرة من الخبز.

ويروي موظف في أحد الأفران ل"المدن" أن المعتمد "يقتحم طابور الانتظار ويأخذ ما يقارب مئة ربطة خبز دفعة واحدة، يستغرق إنتاجها ما يقارب الساعة؛ وهو الأمر الذي يخلف بعده وقت انتظار طويل لإنتاج ربطات أخرى لتلبي احتباجات المنتظرين. ولا يمكننا تركه أو تأجيل دوره، لأنه مكلف من قبل الدولة ومعه أوراق رسمية وله الأولوية".
وفي ظل الفقر الذي ينهش معظم أفراد المجتمع السوري في الداخل، يبقى من يمتلك المال هو الأكثر حظاً، ولا يعاني من عبء تلك الطوابير، فمنذ الساعة الرابعة فجراً يبدأ المدنيون بالانتظار أمام الأفران، قبل أن تفتح وتباشر عملها ليؤمنوا خبزهم بأقصى سرعة ممكنة.

ويقول مصدر ل"المدن" من الذين يعتمدون طرقاً آخرى: "أنا مرتبط بعمل وليس لدي القدرة على الانتظار لمدة ست ساعات يومياً لتامين الخبز، لذلك ألجأ إلى المساكين الذين يعملون على انتظار الدور أمام الأفران، فأعطيهم المال والبطاقة الذكية مقابل مبلع من المال وهو 1000 ليرة سورية، وهم يقومون بإيصال الخبز إلى البيت بعد ساعات. وهناك أيضاً عدد كبير من الأطفال يعملون بانتظار دور الخبز، ويقومون بذلك مقابل مبالغ مالية متدنية جداً تصل إلى 500 ليرة فقط".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها