الجمعة 2019/05/17

آخر تحديث: 13:48 (بيروت)

المعركة الروسية في ريف حماة: التفوق الناري.. وصهر المليشيات

الجمعة 2019/05/17
المعركة الروسية في ريف حماة: التفوق الناري.. وصهر المليشيات
(Getty)
increase حجم الخط decrease
تدير روسيا معارك حماة بشكل يختلف عن المعارك السابقة بين مليشيات النظام والمعارضة، والتكتيكات المتبعة ساهمت في التقليل من الخسائر في صفوف المليشيات التي تدعمها، وجنبتها المواجهة المباشرة، ولأول مرة باتت روسيا تتحكم في المعركة بشكل منفرد.

الاستراتيجية الروسية

الاستراتيجية العسكرية الروسية المتبعة في معركة حماة تشمل الاعتماد على الوحدات القتالية المدرعة والمدفعية والصاروخية، والاستخدام المضاعف للقصف الجوي، وإشراكاً أكبر لوحدات الرصد الجوي، وصهر المليشيات تحت قيادة صارمة تشبه إلى حد ما الجيش المنظم الذي يحقق التكامل بين وحداته القتالية ويسخرها في المعركة.

ويراد من هذه الاستراتيجية توجيه رسالة بأن روسيا باتت قادرة بالفعل على تحقيق إنجازات عسكرية من دون مليشيات النظام الإيرانية، بعدما أصبح لها مليشيات تدعمها بأعداد كبيرة، وهي مدربة وتمتلك العتاد النوعي.

وفي معركة حماة، لم تعد روسيا بحاجة إلى إشراك غرفة العمليات التي يديرها "الحرس الثوري"، والتي كان لها الدور البارز في معارك حلب وريفيها الجنوبي والشرقي والغوطة الشرقية ومعارك البادية، على اعتبار أنها تمتلك جيشاً جراراً من المليشيات بالمقارنة بالمليشيات الروسية في ذلك الوقت.

القضم الناري

بعد اجتياز المليشيات الخطوط الدفاعية الأولى للمعارضة شمالي حماة، بدأت القرى تتساقط بسبب كثافة النيران الهائلة، ما أجبر المعارضة على إخلاء القرى المستهدفة من دون معارك مباشرة.

وبدأ قضم المليشيات للمناطق نارياً، من دون الهجمات البرية والالتحام المباشر. وهذه المرة الأولى التي تستخدم فيها المليشيات النيران الثقيلة بهذه الكثافة. لم يحدث ذلك في حلب، والتي شهدت أعنف المعارك السورية على مدى أربعة أعوام.

وتتعرض القرى والبلدات التي تضعها المليشيات هدفاً لتقدمها بعد تثبيت مواقعها لرمايات متواصلة من المدفعية والهاون، بالإضافة للصواريخ القصيرة المدى التي تتمركز مرابضها على شكل طوق يحيط بمناطق المعارضة في حماة.

وتشارك الصواريخ متوسطة المدى في القصف؛ غراد وتوشكا الروسية. ويختص "اللواء 157" بهذه الصواريخ الروسية التي يمكن تزويدها بقنابل عنقودية ورؤوس متفجرة عالية التدمير، ويصل مداها إلى 75 كيلومتراً، وتنتشر قواعدها في مصياف ومطار حماة وريف اللاذقية.

ولدى المليشيات بنك أهداف لمواقع المعارضة، يتم في المرحلة الأولى قصفها، ومن ثم يتواصل القصف بشكل عشوائي لإجبار المقاتلين على الانسحاب. وتعتمد قواعد إطلاق الصواريخ والمدفعية بشكل كبير على الاحداثيات التي ترسلها طائرات الاستطلاع التي لا تفارق الأجواء.

وحش الجو الروسي

ويشارك الطيران الروسي بشكل غير مسبوق في المعركة الحالية. ويصل عدد الغارات التي تطال قرية ما للسيطرة عليها إلى أكثر من 30 غارة في وقت قياسي. ويستحيل مع ذلك بقاء مقاتلي المعارضة في مواقعهم في انتظار عناصر المليشيات لكي يشتبكوا معهم.

وينطلق الطيران الروسي من مطارات جب رملة وحماة والتيفور والسين والشعيرات وحميميم، وتشارك في القصف طائرات سوخوي 24 و25 و30، وتشرف على المنطقة طائرات استطلاع نوع A50 وايل 20.

القائد في "جيش العزة" العقيد مصطفى بكور، أكد لـ"المدن"، أن المليشيات لم تكن بحاجة للقتال وجهاً لوجه مع المعارضة بفضل النيران الثقيلة. وبحسب مصطفى، فقد أجبرت الفصائل على الانسحاب من غالبية مواقعها بفعل القصف المدمر، بالقنابل الارتجاجية والفراغية والعنقودية.

الوحدات المدرعة

تشارك في المعارك الوحدات القتالية المدرعة من "الفرقة الأولى" و"الفرقة 11" و"الفرقة التاسعة" و"الفرقة السابعة" و"الكتيبة المدرعة الروسية في جورين". وقدمت الوحدات المدرعة الدعم للمليشيات أثناء تقدمها البري وتثبيت مواقعها، والاستهداف القريب أثناء الهجمات المعاكسة التي تشنها المعارضة.

ويشارك مرتزقة الشركات الأمنية والعسكرية الروسية في المعارك، باختصاصات الهاون والرصد والاتصالات، وكان لهم دور في تأمين المناطق، وإفشال محاولات التسلل التي قامت بها الفصائل. وجرت العادة أن تتمركز مجموعات المرتزقة في الخطوط الخلفية، في حين تتولى المليشيات عمليات التأمين والتمركز في الخطوط الأمامية.

صهر المليشيات

تعتبر معركة حماة الخطوة الثانية العملية لصهر المليشيات لتصبح قوات نظامية تأخذ أوامرها من قيادة موحدة. الخطوة الأولى كانت في برامج التدريب الروسية التي خضعت لها المليشيات خلال منذ العام 2018 في معسكرات حماة وحلب.

يدير الضباط الروس المعركة بشكل مباشر عبر غرفة عمليات مركزية في حميميم، وغرف عمليات مصغرة في المحاور المشتعلة. وأوكلت مهام قيادة العمليات البرية للضباط في "الفيلق الخامس" و"قوات النمر"، وباقي الفرق المشاركة، وتم التقليل من سلطات القادة التقليديين للمليشيات.

المعارضة تغيير تكتيكاتها

فُرِضَ على المعارضة تغيير تكتيكاتها في المعركة بعدما فشلت باستعادة المواقع التي خسرتها لصالح المليشيات، رغم محاولاتها المتكررة. ولم تتح نيران المليشيات للمعارضة أي فرصة للالتفاف وتنفيذ هجمات مفاجئة. التنظيمات السلفية المشهورة في الاقتحامات عجزت بسبب رصد تحركاتها. ولو أتيح للمعارضة والتنظيمات السلفية فرصة الالتحام مع المليشيات لنجحت، على الأقل في إبطاء زحف المليشيات وإيقاع الخسائر في صفوفها بشكل أكبر.

حصلت المعارضة على كميات لا بأس بها مؤخراً من الصواريخ المضادة للدروع من تركيا، وجرى استخدامها في اليومين الماضيين بشكل مكثف، وتهدف إلى خلق توازن ناري في المعركة، وعرقلة تقدم المليشيات وإيقاع الخسائر في صفوفها، وجرى ذلك بالفعل. لكن ذلك لن يوقف زحف المليشيات بالمطلق.

الناطق باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" النقيب ناجي مصطفى، أكد لـ"المدن"، أن الأسلحة المضادة للدروع خير وسيلة لمواجهة المليشيات التي تتبع سياسة الأرض المحروقة في تقدمها، وهي الوسيلة المتوفرة الآن بين أيدي الفصائل لوقف تقدم المليشيات التي تتفادى الاشتباك والمعارك التقليدية وتعتمد على النيران البعيدة والمتوسطة لإبعاد أي خطر بري يهدد مواقعها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها