الخميس 2018/10/04

آخر تحديث: 11:50 (بيروت)

"داعش" و"كاتيناتشو" الإيطالي

الخميس 2018/10/04
"داعش" و"كاتيناتشو" الإيطالي
سيلاقي النتيجة ذاتها (Getty)
increase حجم الخط decrease
يُستخدم مصطلح "كاتيناتشو" للإشارة إلى تكتيك في لعبة كرة القدم يسمى "الدفاع المغلق تماماً" في وجه الخصم، وهو أسلوب لاقى نجاحاً كبيراً في الثمانينات والتسعينات. ويبدو أن تنظيم "الدولة الإسلامية" بات يستخدم هذه التقنية، للدفاع عن آخر معاقله في بادية ديرالزور.

أسلوب "كاتيناتشو" كان قد شاع في كرة القدم الإيطالية لسنوات طويلة، رغم أن مخترعه ليس إيطالياً، بل يُعدُ المدرب النمساوي كارل هيريرا أول من طبقه أثناء تدريبه لفريق إنترميلان في العام 1960، ونجح حينها بالفوز بالدوري الإيطالي ثلاث مرات، وكأس إيطاليا، ما دفع بالاتحاد الإيطالي لتعينه مدرباً للمنتخب الوطني.

ومنذ ذلك الحين أصبح "كاتيناتشو" مرادفاً لكرة القدم الإيطالية، وأطلق المحللون تسمية "كالتشو كاتيناتشو" على الدوري الإيطالي. "كاتيناتشو" تعني حرفياً "قفل الباب". ويعتمد التكتيك على كثرة لاعبي الدفاع، مثل خطط 5-3-2 أو 5-4-1، وتطور في ما بعد ليعتمد على خط الوسط في الدفاع ليصبح 3-5-2 أو 4-5-1. وأهم ما فيه هو تضييق المساحات بين لاعبي الدفاع والوسط، بما لا يترك فراغاً يمكن للخصم أن يتحرك فيه. ويعطي "كاتيناتشو" اللاعبين حرية ارتكاب المخالفات لحرمان الخصم من الوصول إلى منطقة الدفاع، بعيداً طبعاً عن منطقة التسديد المباشر إلى المرمى.


(LM)

ويبدو أن تنظيم "الدولة الإسلامية" قد أعاد أحياء "كاتيناتشو" عسكرياً في معارك ديرالزور المستمرة منذ شهور. وبات يمارس تكنيك القفل المحكم في وجه "قوات سوريا الديموقراطية" التي تحاول اقتحام آخر جيوبه في بلدة الباغوز وقرية السوسة ومدينة هجين شرقي نهر الفرات.

التنظيم بات يعتمد على التكتل البشري الكبير لمقاتليه في عملية الدفاع عن مناطقه الأخيرة، يتموضع في ثلاثة خطوط دفاعية؛ الخط الأول للاشتباك المباشر، والثاني لإسناد الخط الأول، والثالث للحالات الطارئة. وبات التنظيم يعتمد على عدد قليل من عناصره  لتنفيذ هجمات عسكرية خلف خطوط العدو، في حالة مشابهة لأي هجمة مرتدة لفريق يعتمد "كاتيناتشو" الكروي.

خطوط دفاع التنظيم الحالية موزعة على ثلاث مناطق بشكل رئيسي؛ الأولى في بلدة باغوز تحتاني، والثاني في البادية الشمالية لقرية السوسة، والثالث على الجهتين الغربية والشمالية لمدينة هجين. مجموعات الهجوم الخلفي لها قسمين؛ الأول كثير التحرك انطلاقاً من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وقسم آخر قليل التحرك ينطلق من مناطق خارجة عن سيطرة التنظيم، وهي أقرب للخلايا التي سبق وزرعها التنظيم.

ويتميز دفاع التنظيم الحالي، بالإضافة إلى الكثافة التي يوفرها العدد الكبير من مقاتليه، بقرب المسافة بين الخطوط  الثلاثة، بما لا يترك أي فراغ يمكن لمقاتلي "قسد" التحرك ضمنه. ويفسر ذلك حالة العجز التي أصابت "قسد" عن التقدم وأحداث أي خرق عسكري لمناطق التنظيم، رغم من الهجمات المستمرة منذ قرابة الشهر في معركة "دحر الإرهاب".

"كاتيناتشو" تنظيم "الدولة" أجبر "قسد" على الهجوم بشكل مكثف في محاولة لكسر الخطوط الدفاعية، ما أدى لوجود فراغات كبيرة في الخطوط الخلفية للقوات المهاجمة، الأمر الذي أستفاد منه التنظيم فشّن هجمات مباغتة على تلك النقاط، ما تسبب بمقتل العديد من عناصر "قسد" كما حدث في باغوز فوقاني قبل أيام.

أسلوب الدفاع الجماعي الذي يعتمده "داعش" في معاركه الحالية  شرقي الفرات، ساهم أيضا في تقليل الأضرار البشرية لديه، رغم القصف الجوي والمدفعي المكثف على مناطق سيطرته.

الميزات التي وفرها "كاتيناتشو" الدفاعي يقابلها سلبيات قد تؤثر على "داعش"، وأهمها بقاء المعركة في أرض التنظيم الصغيرة نسبياً، والتي تفتقر أصلاً لمقومات الصمود طويل الأمد. كما تمنح الطرف المهاجم حرية أكبر في التحكم بمجريات المعركة من حيث الهجوم والدفاع. وتعد نسبة الخسارة في هذا النوع من التكتيكات كبيرة جداً، وأحسن أحوالها الصمود بانتظار الحصول على اتفاق مع الطرف المهاجم، مقابل التسليم، كما حصل بين الطرفين في مدينة الرقة سابقاً.

تكتيك "داعش" العسكري هو صورة طبق الأصل لتكتيك "كاتيناتشو" في كرة القدم الإيطالية، ويبدو أنه سيلاقي النتيجة ذاتها مع تقدم الزمن، وهي الفشل. عسكرياً، يبدو أنه يسير لإبعاد التنظيم خارج معادلات الصراع المحلية والإقليمية، مع وجود أطراف دولية كأميركا وفرنسا، تلاحقه في تلك البقعة الجغرافية أقصى الشرق السوري.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها