الثلاثاء 2018/10/23

آخر تحديث: 10:52 (بيروت)

مافيا تجارة الأعضاء: النظام يعتاش على جثث المعتقلين

مافيا تجارة الأعضاء: النظام يعتاش على جثث المعتقلين
Getty
increase حجم الخط decrease
"بين عامي 2013-2016 وصل مئات المُعتقلين الذين تدهورت حالتهم الصحيّة نتيجة التعذيب في الفروع الأمنية وسجن صيدنايا العسكري إلى مشافي عسكرية تابعة للنظام في ريف دمشق"، يقول طبيب في مشفى عسكري تابع للنظام، لـ"المدن"، ويتابع: "مافيات يقودها بعض ضباط المُخابرات ورجال الأعمال المقربين من رأس النظام"، أشرفت على نقل أولئك المعتقلين إلى المستشفيات العسكرية "لتجرى لهم عمليات استئصال لأعضاء لا تزال علاماتها الحيوية جيّدة، قبل أن يموتوا بعد إجراء العمليات، ويتم دفنهم في أماكن مجهولة".

الطبيب الذي نقل شهادته لـ"المدن"، كان قد حضر عمليات استخراج أعضاء من أشخاص، وهم على حافة الموت. ويؤكد الطبيب أن من بينهم معتقلو المعارضة المدنيين وعناصر في قوات النظام والمليشيات الموالية، ومن عناصر المعارضة المسلحة.

ويؤكد الطبيب لـ"المدن"، أن الأعضاء المستخرجة يتم نقلها إلى خارج سوريا، بعد بيعها لمافيات في دول مُختلفة، وأن عمليات النقل "تجري ضمن الضوابط الطبية لنقل الأعضاء وبسريّة تامة".

ويؤكد الطبيب، أن مستشفيات "601 العسكري" و"تشرين العسكري"، هي أبرز المواقع التي أجريت فيها عمليات استخراج الأعضاء، بالإضافة إلى مشافٍ ميدانية مجهزة بأحدث التقنيات. وأشار إلى أن عمليات استخراج أعضاء تمت في مشفى "تشرين العسكري" لأشخاص أحياء كانوا يقيمون في أحياء دمشق الشرقية؛ برزة وتشرين والقابون، الخاضعة حينها لسيطرة المُعارضة المُسلحة. تلك العمليات تمت برعاية ضباط النظام، مقابل تهريب أصحابها وعوائلهم، نحو الشمال السوري، مجاناً، بعد تحسّن صحتهم نتيجة الجراحة.

بيع الأعضاء مقابل التهريب إلى الشمال السوري، كانت تجارة رابحة لمافيات الأعضاء البشرية، فتهريب الأشخاص غير مُكلف، والمافيات تملك شبكة علاقات عمل واسعة مع مختلف المليشيات. شخص باع كليته مقابل الخروج من برزة المحاصرة إلى دمشق، في العام 2015، قال لـ"المدن"، إنه حصل على 3000 دولار، ورحلة مدفوعة التكاليف نحو انطاكيا التركية، مروراً بإدلب، برفقة زوجته وأطفاله. وقد تم نقل العائلة إلى أنطاكية، بعد أن تعافى "المتبرع" من آثار العمل الجراحي في مشفى تشرين العسكري.

وشكلّت تجارة الأعضاء في سوريا خلال سنوات الحرب ظاهرة ارتبطت في جزء منها بازدهار سوق "تبرّع" الأحياء بأعضائهم، والجزء الأكبر بالجثث التي ملأت ساحات المعارك والمعتقلات. تدهور الوضع الاقتصادي والحاجة الماسة لتمويل عملية الهرب من سوريا، وتحت اسم "مُتبرعين"، دفع الناس لبيع أعضائهم في مشافٍ رسمية، وبموافقة الطرفين، مقابل مبالغ مادية لا يُصرح عنها. انتشرت هذه الظاهرة في معظم مناطق سيطرة النظام، برعاية مافيات من الأطباء على صلة بضباط النظام ورجالاته.

ظاهرة استئصال الأعضاء تصاعدت مع اشتداد المعارك على امتداد الساحة السورية، وقد لاقت رواجاً كبيراً في الساحل والقلمون، نظراً لكثرة القتلى الأجانب في صفوف مليشيات النظام، وتنظيم "الدولة الإسلامية" وبعض التنظيمات الجهادية.

مصادر خاصة، قالت لـ"المدن"، إن أهم عرابي تجارة الأعضاء هم قائدا مليشيات موالية في الساحل؛ منذر حافظ الأسد، وأيمن جابر، بالتنسيق مع تاجر دمشقي يُعرف باسم "محمد بوز العسل"، وهو اسم مستعار، وفقاً لمصادر "المدن".

تدرج "بوز العسل" بالعمل مع أيمن جابر، ومتنفذين من آل الأسد، بدءاً من العمل في التخليص الجمركي، وصولاً إلى عمليات التهريب. وأصبح مع الوقت مُقرباً من منذر الأسد، بشكل خاص.

وأسس "بوز العسل" شركة "ترفيق" مع جابر والأسد، بحماية مليشيا جابر المسلحة "صقور الصحراء"، وعمل بالتهريب في المعابر الحدودية، بالإضافة إلى المعابر بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة، قبل أن ينخرط بشكل كبير في مجال تجارة الأعضاء.

ومع اشتداد المعارك في الساحل والقلمون الغربي والبادية التابعة له، في العام 2015، انتقل "بوز العسل" إلى لبنان، وغاب عن المشهد في سوريا. مصادر "المدن" أكدت أنه كان بضيافة عائلة مُقربة من مليشيا "حزب الله" اللبنانية، بالتنسيق مع أيمن جابر. ومن هناك بدأ مجموعة تجارات غير شرعية، عبر الحدود بين سوريا ولبنان، وبتنسيق مع مليشيا "حزب الله" من الجهة اللبنانية، و"صقور الصحراء" من الجهة السورية. خلال تلك المرحلة، تمكنت هذه الشبكة من نقل آلاف الأعضاء تعود لسوريين وأجانب من طرفي النظام والمُعارضة، قضوا في معارك القلمون والساحل والبادية.

مصدر "المدن" يقول: "البرادات المستخدمة لنقل الأعضاء البشرية بين سوريا ولبنان، تحركت بشكل يومي عبر الحدود، خلال تلك الفترة"، ومن لبنان كانت الوجهة إلى اليونان، ومنها إلى مناطق آخرى.

وتختلف الأسعار بحسب المؤشرات الحيوية، فسعر كلية لجثة شخص فارق الحياة حديثاً، يختلف عن سعرها لشخص جريح. ويمكن أن يصل سعر بعض أعضاء الجسم إلى 20 ألف دولار، بعد وصولها إلى البلد المقصود بالتهريب.

مصدر "المدن" أكد أن "محمد بوز العسل" سافر منتصف العام 2016 إلى اليونان، لمتابعة أكبر صفقة تجارة أعضاء تمت حتى ذلك الوقت من سوريا، قبل أن يعود ويستقر في لبنان بعدها. اسم "بوز العسل" غاب بعد الهيمنة الروسية على أركان "الدولة" السورية، وما قال المصدر إنه "فرض رقابة شديدة على ذلك النوع من التجارة"، بل و"تحويل لجان طبية كاملة من المستشفيات العسكرية إلى التحقيق"، و"إلقاء القبض على أطباء عملوا مع جابر وبوز العسل وآل الأسد، في تجارة الأعضاء".

تجارة الأعضاء عبر الحدود السورية اللبنانية ما زالت مستمرة حتى هذه اللحظة، ولكن بوتيرة أقل من العام 2016، نظراً لانحسار المعارك، وزيادة الرقابة الروسية على المستشفيات العسكرية والمليشيات الموالية، وإجبار النظام على تقديم احصائيات دقيقة حول أعداد قتلى الاشتباكات والمعارك، بحسب مصادر "المدن".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها