الأحد 2017/12/03

آخر تحديث: 18:57 (بيروت)

"شبيبة التلال اليهودية"..تنظيم إرهابي يقتل الفلسطينيين ويقلق الإسرائيليين

الأحد 2017/12/03
"شبيبة التلال اليهودية"..تنظيم إرهابي يقتل الفلسطينيين ويقلق الإسرائيليين
Qudsn ©
increase حجم الخط decrease

"أنتم ملح هذه الأمة اليهودية".. عبارة قالها الزعيم الليكودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارييل شارون، قبل تسعة عشر عاماً خلال مؤتمر لمجموعة من مستوطني الضفة الغربية المتطرفين، مُعرباً حينها عن أهمية هذه المجموعات المتشددة في حماية المشروع الإستيطاني وتمدده على اراضي الفلسطينيين المحتلة عام 1967.

لعل هذه العبارة تُمثل الاستدلال الوحيد على نشأة مجموعة من عصابات "سرية" للمستوطنين على رأسها "شبيبة التلال"، التي تزايدت اعتداءاتها على الفلسطينيين في السنوات الأخيرة بشكل لافت.


وفقاً لما يقوله الباحث في شؤون الإستيطان عبد الهادي حنتش لـ"المدن"، فإن تسمية العصابة الأخطر على الإطلاق  بـ"فتية التلال" تعود إلى مساهمة هذه الفئة التي تتراوح أعمار عناصرها بين 17 و32 عاماً في الاستيلاء عُنوةً على تلال مملوكة لفلسطينيين، وإقامة خيم وكرافانات عليها تحت أعين جيش الإحتلال وحمايته، ليتحول عدد منها لاحقاً إلى كتل استيطانية "شرعية" بوجهة نظر المؤسسة الرسمية في اسرائيل.



غير أن "شبيبة التلال" أو "فتية التلال"- كما باتت تُعرف- لم يقتصر نشاطها على الاستيلاء على التلال والأراضي الفلسطينية، وبناء البؤر الإستيطانية، بل اتخذت انشطتها جانباً آخر لا يقل خطورة؛ تمثل في الإعتداء على الفلسطينيين اثناء عملهم في أراضيهم المتاخمة للمستوطنات وضربهم وقتل بعضهم، مروراً بحرق وتقطيع اشجارهم ومزروعاتهم، علاوة على تسميم آبار المياه، وقتل المواشي والأغنام التي يربيها المزارعون الفلسطينيون.


لكن الحادثة التي شكلت نقطة تحوّل في النظرة إلى خطورة وإجرام هذه العصابة، كان فجر الحادي والثلاثين من تموز/يوليو 2015 عندما أقدم أفراد منها على اقتحام قرية دوما جنوب شرق مدينة نابلس خلسةً، فأحرقوا بواسطة مواد مشتعلة منزل سعد دوابشة (32 عاماً) حيث استشهد سعد وزوجته ريهام (27 عاماً)، وطفلهما الرضيع علي (18 شهراً)، فيما أصيب شقيقه أحمد "الناجي الوحيد من بين افراد العائلة" بجروح وحروق بالغة حينها.


والواقع، أن هذه الحادثة دفعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الى النظر بقلق وخشية بالغين إزاء "شبيبة التلال"، لا رأفة بالفلسطينيين، بل خوفاً على مستقبل وصورة اسرائيل وروايتها الكاذبة امام العالم، خاصة وأن هذه الجماعة تتخذ طابعاً سرياً. واستخدم وزير الجيش الإسرائيلي السابق موشي يعالون، لاول مرة، قبل أكثر من سنتين، تعبيراً يصف هذه الجماعة بـ"الإرهابية".


تقدّر مصادر واسعة الإطلاع، عدد افراد العصابة بالمئات، حيث أنهم الأكثر تطرفاً من بين مجموعات متشددة أخرى مثل "تدفيع الثمن" وغيرها. ويتوزع هؤلاء بين عدد من المستوطنات في الضفة الغربية، ولكنهم ينطلقون من بؤر محددة عند تنفيذ هجماتهم واعتداءاتهم في ساعات الظلام الدامس، ولعل بؤرة (هبلاديم) الواقعة قرب مستوطنة "كوخاب هشاحر" جنوب نابلس، شكّلت إحدى نقاط الإنطلاق، فمنها خرج قتلة عائلة دوابشة، وبقرب المكان، يروي رعاة الأغنام الفلسطينيين حكاياتهم حول قيام هؤلاء المستوطنين بذبح أغنامهم بالسكين امام أعينهم، مُطلقين عبارات تهديد بالعبرية لسكان المنطقة، وبات من الصعوبة بمكان أن يأخذوا أغنامهم لتأكل الأعشاب من بعض الجبال بالمنطقة، لأن "شبيبة التلال" يستولون عليها، وتقع في ما بينهم عراكات دموية، ويتدخل جيش الإحتلال لصالح المستوطنين رغم أنهم المعتدون.


وتبدو القيادة الدينية ل"شبيبة التلال" التي تغذيها بالفكر الإرهابي غير مكشوفة كلياً- بحسب ادعاء الجهات الرسمية الإسرائيلية، لكن الأخيرة قامت قبل سنتين بإغلاق كلية دينية في مستوطنة "يتسهار" باعتبارها تدعم "أوساطاً غير شرعية"- بحسب تعبيرها، ولا تزال هذه الكلية مُغلقة حتى اللحظة.


وتعتقد الدوائر العسكرية والإستخباراتية الإسرائيلية أن ثمة معضلة كبيرة أمامهم في التعامل مع هذه المجموعات المتطرفة من المستوطنين في جبال الضفة الغربية، لأن تغييراً طرأ على سلوكها وفكرها، وتذهب إلى تصنيف "شبيبة التلال" بشكل غير مُعلن على اساس أنها إرهابية، وتقوم بملاحقة افرادها، فتعتقل بعضهم وتتخذ اجراءات ضد بعضهم الآخر من بينها ابعادهم إلى مناطق أخرى.


بيد أن هذه الدوائر الأمنية الإسرائيلية تدعي أن هناك صعوبة بالغة في فك "شيفرة" مجموعة "شبيبة التلال" التي هي عبارة عن تنظيم سري يهودي، يتعلم أفراده أساليب وتقنيات التعامل مع المحققين الإسرائيليين في حال اعتقالهم كي لا تنجح السلطات الإسرائيلية في تفكيكها وكشف داعميها، وتعتقد الدوائر المذكورة أنه في نهاية الأمر هناك دعم خفي لهذه المجموعات الإستيطانية المتطرفة التي تنهال بالضرب على أفراد جيش وشرطة الإحتلال إذا ما قاموا بمنعهم من تنفيذ أي اعتداءات ضد الفلسطينيين.


وعلاوة على ذلك، فإن محاولات الملاحقة الأمنية لأفراد هذه المجموعة تلاقي معارضة شديدة من معظم اطياف المستوطنين في الضفة، دعماً لـ"شبيبة التلال"، لدرجة أن أحد ضباط الأمن الإسرائيليين قال ذات مرة "إن هناك دوائر مختلفة غير معلومة تقف خلف هذه المجموعات، وتقوم بدعمها باشكال مختلفة، والتسليم بما تفعله دون ابلاغ الأمن".


إن النواة الصلبة لـ"شبيبة التلال" المكونة من المئات لا تعترف بسيادة اسرائيل، وتدعو إلى إقامة المملكة اليهودية، وكشف أحد التقارير الصحافية الإسرائيلية النقاب بعد محرقة عائلة دوابشة في دوما، عن أن الأوساط التي تقف وراء هذه العصابة تسعى إلى إقامة دولة يهودية منفصلة على أراضي الضفة.


ويشدد جهاز "الشاباك" ومعه دوائر أمنية مختصة من اجراءاتهما لتعقب وكشف هذه العصابة الإرهابية في السنتين الاخيرتين بالرغم من انها تُقر أن هذه الإجراءات ليست بالقدر المطلوب، وتزعم هذه الأوساط أن ثمة سرية كبيرة تحوم حول بنية وفلسفة هذه الجماعة، ومَن يدعمها؛ لأنها مكونة من افراد يعرفون بعضهم جيداً وتتلمذوا على أفكارهم الإرهابية معاً وضمن مدرسة دينية معينة، فلا يسمحون لأحد لا يعرفونه بالإنضمام لمجموعتهم، كما لدى أفراد العصابة تعليمات على كيفية التعامل مع المحققين وعدم الكشف عن المعلومات الهامة وعن بقية العناصر، الأمر الذي يُعقّد على الشاباك زرع جواسيسه لكشف خفاياها.


وتصف بعض الأطياف السياسية الإسرائيلية هذه المجموعة الإستيطانية الإرهابية بانها  كـ"الاعشاب الوحشة" التي يجب اقتلاعها، غير أنّ الأمنيين في إسرائيل يصفونها بأكثرمن ذلك ويقولون إنها "ظاهرة مثيرة للقلق والخشية الكبيرين"؛ فهي قد تنفذ اغتيالات سياسية لمسؤولين إسرائيليين، ذلك أن قاتل رئيس وزراء اسرائيل الأسبق، اسحق رابين قد خرج من مدرستها الأيديولوجية عام 1995.


لكنّ الواضح ايضاً أن اسرائيل تتستر قصداً على افعال هذه المجموعة الإرهابية التي يعود بذور تشكّلها الفكري إلى بداية التسعينات، حتى لا تلفت انتباه العالم على مزاعمها حول ما تقول إنه "إرهاب إيران والاسلام المتشدد" في المنطقة، كما يثير الحديث الإسرائيلي عن صعوبة حل لغز "شبيبة التلال"  وتفكيكها تشكيكاً فلسطينياً، لأنه عندما يتعلق الأمر بعملية فلسطينية، فإن كل اسرائيل تستنفر للوصول الى المنفذ والمخطط، وفك الخلايا الفلسطينية، فلماذا تُخفق في ذلك عندما يتعلق الأمر بإرهاب المستوطنين؟ 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها