بلا ضجيج إعلامي ولا حملات تحذيرية من خطر التغيير الديموغرافي والتهجير القسري، دخلت الباصات الخضراء، الثلاثاء، قرى في ريف دمشق الغربي، لتقل 135 عنصراً من المعارضة المسلحة مع سلاحهم الخفيف وعوائلهم، في إطار "تسوية شاملة" عقدها النظام مع قرى بيت سابر وبيت تيما وكفرحور، التابعة إدارياً لريف دمشق، فيما رفض المئات الخروج وفضلوا "المصالحة المحلية" مع النظام، والانضمام إلى صفوف مليشياته، بعد "تسوية وضعهم". وبحسب مصادر، فقد وصل المهجّرون صباح الأربعاء، نقطة قلعة المضيق في ريف حماة، الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة.
وفي أقل من شهر، خضعت ست مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة في ريف دمشق الغربي، لـ"تسوية شاملة" مع النظام، وهي كناكر وسعسع والدير خبية، بالإضافة إلى القرى التي خرجت منها المعارضة الثلاثاء. لتبقى بيت جن ومزرعة بين جن، وحدها في مواجهة مليشيات النظام، بعد رفض المعارضة فيها "التسوية"، وتوحد جميع الفصائل المسلحة فيها. وكانت المعارضة قد أعلنت عن تشكيل "لجنة تواصل موحدة"، تابعة لـ"التحالف الدفاعي المشترك" المعلن عنه بعد بدء العمليات العسكرية ضد وادي بردى. ويضم "التحالف" مناطق وقرى وادي بردى والقلمون الشرقي والقابون وبيت جن.
ورغم اعتراض فرع "الأمن العسكري" في سعسع، على بقاء بيت جن ومزرعة بيت جن، خارج إطار "المصالحة"، قامت "الإعلامية" الموالية للنظام كنانة حويج، بإتمام عملية "المصالحة"، ما يشير إلى دور كبير لها، يتجاوز وظيفتها "الإعلامية"، في "تسويات" مناطق الريف الدمشقي.
الناشط عمر محمد، أكد لـ"المدن" أن قوات النظام لم تدخل حتى الآن أياً من المدن التي خضعت لـ"التسوية" باستثناء سعسع، التي هي تحت سيطرة النظام منذ فترة طويلة، وكان قد دخلها وفد روسي، على خلاف بقية مناطق ريف دمشق الغربي التي ستظل محاصرة من قبل مليشيات النظام، حتى إتمام عمليات "التسوية".
وتتضمن "التسوية" الجديدة مع النظام، ضمّ آلاف العناصر في تشكيل عسكري يسمى "فوج الحرمون"، كمليشيا جديدة من أبناء بعض مناطق ريف دمشق الغربي، ممن كانوا من المعارضة، بإشراف مباشر من النظام. وذلك على خلاف مناطق أخرى من الريف الدمشقي أجبر من قام بـ"التسوية" فيها على الانضمام إلى "الفيلق الخامس اقتحام". وسبق تشكيل "فوج الحرمون" تأسيس "فوج الجولان" في العام 2014، والذي كان فصيلاً معارضاً في القنيطرة، وهو يقاتل اليوم مع مليشيات النظام في تدمر.
و"فوج الحرمون" الذي يفترض أن يضم المقاتلين بعد "التسوية" يتبع فعلياً لمليشيا "الدفاع الوطني"، ويروّج النظام أن تعداد مقاتليه سيصل إلى 1200 مقاتل، ومهمته "الحفاظ على أمن المنطقة"، ولكن باعتقاد الناشط عمر، فـ"الفوج" سيشارك لاحقاً في معارك بيت جن، إذا ما أراد النظام الضغط عسكرياً عليها. الأمر الذي دفع الكثير من شباب المنطقة لرفض "التسوية" وقبول التهجير، بدلاً من مواجهة أهلهم في بيت جن، أو رفض الانتماء لـ"فوج الحرمون" ليتجنبوا قتال أهلهم في بيت جن.
وتؤكد مصادر "المدن" أن الاتفاق المبرم كان يجب أن يشمل نزع السلاح من القرى الدرزية المحيطة بقرى جبل الشيخ، خصوصاً أن أهالي تلك القرى تسلحوا لحماية مناطقهم من "خطر" الفصائل المعارضة، إلا أن ذلك البند لم يُنفذ، ولم يتم تسليم أي قطعة سلاح من القرى الدرزية.
وبحسب مصادر موالية، فقد أعطى النظام بلدتي بيت جن ومزرعة بيت جن، مهلة للانضمام إلى "التسوية"، انتهت مساء الأحد، من دون رد فعل من قبل مليشيات النظام. ورجّح مصدر مطلع في "وزارة المصالحة" في تصريح خاص لـ"المدن"، أن "النظام سيتوجه إلى بيت جن، فور الانتهاء من باقي القرى، وأن العملية يمكن أن تستمر لأسبوعين على الأقل قبل دخول الجيش إلى تلك المناطق، بسبب الأعداد الكبيرة للراغبين بالتسوية".
ولا يبدو أن تهديد النظام باستمرار العمليات العسكرية، ضد المناطق التي ترفض "المصالحة"، يتناقض مع "وقف إطلاق النار" المعلن في سوريا. فالنظام مستمر في حملته العسكرية ضد وادي بردى، وهو اليوم يهدد باجتياح بيت جن وغيرها. الأمر الذي يشير بوضوح إلى أولويات النظام في الحسم العسكري، وعدم اكتراثه ببديهيات "الحل السياسي"، مستفيداً من غض نظر راعيه الروسي، ورغبة إيران في كسر المعارضة عسكرياً. ووسط كل هذه الفوضى، تبدو خيارات المعارضة ضيقة في محيط دمشق، بين "تسويات" مُذلة، أو استمرار الحصار وتشكيل النظام لمليشيات محلية تقاتل أهلها بدلاً عنه.
وكانت وسائل إعلامية موالية، قد روّجت قبل أسابيع لما أسمته "اوتستراد المصالحات"، والذي يهدف إلى "تأمين" طريق دمشق–القنيطرة بالكامل، عبر "مصالحات" تعيد سيطرة النظام على تلك المناطق بعد عامين من الحصار، تخللهما فتح المعارضة معارك متعددة لفك الحصار، من دون جدوى.
وكان النظام قد مدد المهلة التي أعطاها لمناطق جنوبي دمشق؛ ببيلا وبيت سحم ويلدا، حتى نهاية الخميس المقبل، لدخول نطاق "المصالحات" وتسليم السلاح الثقيل وخروج من لا يرغب بـ"التسوية"، فيما لم تنته "المهلة" التي عُرضت على أحياء القدم ومخيم اليرموك، التي يخضع قسم منها لسيطرة تنظيم "داعش".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها