الخميس 2016/06/09

آخر تحديث: 15:07 (بيروت)

الهدف تركيا لا منبج

الهدف تركيا لا منبج
مازالت تركيا على فوهة بركان (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
تتوالى المفاجآت في الشمال السوري، وإذا كان عدم الرد التركي على عبور قوات حزب "الإتحاد الديموقراطي" إلى غرب الفرات غير مفاجئ، فإن كل ما حدث غيره كان مفاجئاً.

فقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية وجود قوات لها "مستشارين" مع "قوات سوريا الديموقراطية"، وهذا ما وضعها في موقع لا يمكن لأي قوة أخرى أن تتدخل ضدها، لأن التدخل يعني القتال ضد الولايات المتحدة، وهذا ما كبّل تركيا، بل شلّها. وكانت الولايات المتحدة قد حددت لتركيا معسكرين لحزب "العمال الكردستاني" في شمال العراق، و"أمرتها" بعدم قصفهما لوجود قوات أميركية فيهما.

في الوقت ذاته أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن الولايات المتحدة قدمت لتركيا ضمانات بعدم بقاء قوات  "الاتحاد الديموقراطي" غربي الفرات بعد تحرير منبج. وأعاد هذا التصريح أكثر من مرة. ولكن الولايات المتحدة لم تعلن شيئاً بهذا الخصوص حتى الآن، وهذا له معنيان في حقل التوقعات: الأول، ليس هناك ضمانات، ولا تريد الولايات المتحدة إحراج الطرف التركي الذي مازال حتى الآن يُسمى بالنسبة إليها حليفاً. والثاني، هناك ضمانات، ولا تريد أميركا إحراج الحليف الكردي الجديد.

أما في حقل الواقع، فالمؤكد أن الولايات المتحدة لا تعطي شيئاً من دون أن تأخذ، ويجب أن يكون ما تأخذه أكبر بكثير مما تعطيه. وهذا ما يؤدي إلى طرح السؤالين التاليين: إذا كانت الولايات المتحدة قد أعطت ضمانات، فما هو الثمن الذي قبضته؟ وما الذي تملكه تركيا، وتريده الولايات المتحدة، ولا تستطيع الحصول عليه؟

الوقائع على الأرض لا تعطي شيئاً من هذا القبيل. هذا يعني أن الضمانات إن وجدت فهي بروتوكولية، يمكن للولايات المتحدة التنصل منها ببساطة، ولعل هذا أفضل تفسير لصمتها حول الموضوع. ولكي تريح الأتراك (معنوياً) سمحت للإيطاليين بإرسال صواريخ باتريوت لتوضع على الحدود السورية في إطار قوات "حلف شمال الأطلسي".

يبدو أن الخيار وقع على الشمال السوري ليكون محور التغيرات الاستراتيجية في المنطقة، فتوجهت الجيوش العاملة على الأرض السورية كافة إلى الشمال، وبدأ تنظيم "الدولة الإسلامية"، "داعش"، بإجراء انسحابات كبرى أمام "قوات سوريا الديموقراطية"، واتجه غرباً ليحارب المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا. وقد حقق بعض النجاحات ضدها في البداية، ولكن تلك المعارضة سرعان ما استردت عافيتها، وبدأت بصد التنظيم، وتحقيق بعض النجاحات ضده. ومن الممكن أن تكون القوات المسلحة التركية قدمت دعماً نارياً لهذه القوات ليس من مصلحة أي طرف الإعلان عنه، ولعل هذا ما جعل التنظيم يعيد قصف كلّس التركية من جديد إثر تراجعه عن عدة قرى حول مارع في ريف حلب الشمالي.

من جهة أخرى، خرقت قوات النظام السوري الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، خرقاً رمزياً، تريد أن تعلن من خلاله وجودها ضمن تلك الملحمة. وهناك أيضاً التصريحات الروسية بأنها ستقدم المزيد من أجل معركة حلب، عدا عن الوجود الإيراني الكبير جداً.

لعل الأمور بظاهرها تبدو إيجابية بالنسبة إلى تركيا، فها هو تنظيم "داعش" يبتعد عن حدودها، وبالتالي تتخلص محافظاتها الجنوبية -خاصة كلّس- من قصف التنظيم، وتقطع طرق عبوره لتنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها، وضد المعارضة السورية. كما أن القوات الموالية لها في إعزاز ومارع تحقق بعض الانتصارات ضد "داعش"، وتقهقره، وهذا نظرياً يُنشئ جداراً بين القوات الكردية المتواجدة في الغرب، والأخرى التي في الشرق وإن لم يكن بالمساحة الكافية، وهو يعني بقاء خطوط الإمداد للمعارضة التي تدعمها شبه مفتوحة.

لعل تحقيق المدافعين عن مارع بعض النجاحات هو ما أزعج غالبية الأطراف، بل وبدد آمالهم، وكانت هذه المفاجأة الأكبر في سلسلة المفاجآت التي تحصل في الشمال السوري.

فعندما أعلن رئيس النظام السوري بأنه سيدفن الأحلام الأردوغانية في حلب كان يعني ما يقوله تماماً. وهو أسماها الأحلام الأردوغانية، ولكنه يعني القضاء على المعارضة التي تدعمها تركيا، وتحارب نظامه. فـ"قوات سوريا الديموقراطية" تقودها الولايات المتحدة، ويأمل الأسد بأن تبسط هذه القوات سيطرتها على الشمال، وتقطع خطوط الإمداد من تركيا، وهو لا يخشاها طالما أن أمرها أميركي، مثلما أنه لم يكن يخشى "داعش" لأنه لا يعتبرها أولوية. وإذا كانت "داعش" قد أمَّنت له مزيداً من الشرعية الدولية، فإن هذه الشرعية ما كان يمكنه الحصول عليها لولا الدعم الأميركي الكبير له.

مازالت تركيا على فوهة بركان، فهي لا تريد "داعش" على حدودها، ولكنها لا تريد "الاتحاد الديموقراطي" على حدودها أيضاً. وهي مضطرة للدفاع عن الطرف الأضعف ضمن التوازنات الشمالية، وهو الجيش الحر. وهكذا فإن الأمر لن يكون بيدها.

ستعود الأمور للتعقيد أكثر بعد أن تحرر "قوات سوريا الديموقراطية" منبج، وتتوجه غرباً.
التعقيد في الحقيقة هو المطلب الأميركي-الإسرائيلي المشترك. فهذا التعقيد يستنفذ طاقات دول المنطقة كلها، ولعل الولايات المتحدة تريد تحقيق أهداف أبعد من سوريا في المنطقة، ويمكن أن يكون الهدف تركيا نفسها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها