الجمعة 2016/12/23

آخر تحديث: 15:52 (بيروت)

مسيحيو ريف إدلب: لا عيد هذه السنة أيضاً

الجمعة 2016/12/23
مسيحيو ريف إدلب: لا عيد هذه السنة أيضاً
ظهور التنظيمات الإسلامية المتشددة، أسهم في تحيّيد السوريين من أبناء الأقليات من الاستمرار في دعم الثورة (انترنت - أرشيف)
increase حجم الخط decrease
في هذا العام أيضاً، لن يستطيع مسيحيو ريف إدلب الاحتفال، بحسب أبو سركيس الأرمني، من قرية الجديدة في ريف إدلب، وهو الأرمني الكاثوليكي الذي لم يترك قريته، رغم استيلاء "دار القضاء" التابعة لـ"جبهة فتح الشام" على منزله، واضطراره للعيش في منزل أبيه القديم، حيث يأكل مما تنتجه أرضه الصغيرة في الجوار. وكانت "دار القضاء في دركوش" قد استولت على الجزء الأكبر من أملاك أبو سركيس، وأملاك أبيه، وحولتها إلى وقف اسلامي، بسبب تواجد إخوته في مدينة اللاذقية التي يسيطر عليها النظام.

ظهور التنظيمات الإسلامية المتشددة وممارساتها، أسهما في تحيّيد السوريين من أبناء الأقليات من الاستمرار في دعم الثورة. إلا أن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" وثّقت اعتقال 450 ناشطاً مسيحياً في سجون نظام الرئيس السوري بشار الأسد، منذ اندلاع الثورة، منهم 19 سيدة، على خلفية مشاركتهم في التظاهرات ضد النظام. وانخرط العديد من النشطاء المسيحيين، في حمل السلاح ضد النظام، مثل حنا توتنجي من أبناء اللاذقية، الذي شارك في معركة برج القصب في أيلول/سبتمبر 2012، وشاركه رفاقه من الجيش الحر في إسعاف مواطنه مطيع الحايك. توتنجي أوصل العديد من العائلات إلى الحدود التركية، بسبب استحالة العيش في قريته، التي أصبحت هدفاً مباشراً لقوات النظام.

حدث ذلك، بينما تعرضت بعض مجتمعات المسيحيين في قرى ريف إدلب إلى التّهجير عقب خروجها عن سيطرة النظام، وأصبحت تحت رحمة المتشددين وقصف قوات النظام. الأمر الذي حدث مع أهالي قرية الغسانية في ريف إدلب، حيث نزحوا عنها في تشرين الأول/أكتوبر 2012 تحت وطأة القصف الجوي والمدفعي من قبل قوات النظام. ومع استمرار تقدم المعارضة المسلحة وسيطرتها على قرى مسيحية مثل حلوز، المجاورة للغسانية، اتبع النظام الأسلوب ذاته في تهجير أهلها. فغادر آلاف المسيحيون قراهم إلى مناطق سيطرة النظام أو إلى تركيا، خوفاً من الزوار الجدد ومن انتقام النظام. وسط استخدام النظام لبروباغاندا تركز على دور "الإرهابيين" في تهجير المسيحيين.

ظهور "داعش" و"القاعدة" في سوريا أعطى النظام مزيداً من الأدلة لدعم روايته عن تهجير "الإرهابيين" للمسيحيين، مدللاً على ذلك بإقامة "الإمارات الإسلامية" وتحويل الكنائس إلى مقرات عسكرية أو سجون أو مقابر جماعية.

عدنان لطيف الدليمي المعروف بـ"أبو أيمن العراقي"، من تنظيم "الدولة الإسلامية"، كان قد حوّل كنيسة الروم الأرثوذكس في قرية الغسانية في كانون الأول/ديسمبر 2013 إلى معتقل جماعي، وعندما غادر البلدة في شباط/فبراير 2014 تبيّن أن الكنيسة تحوّلت إلى مقبرة جماعية وجدت فيها أكثر من 20 جثة لمقاتلي الجيش الحر. كنيسة السيدة العذراء في مدينة إدلب، كانت قد تعرضت للنهب بعد سيطرة المعارضة على المدينة في آذار/مارس 2015. حينها نهب "جند الاقصى" الكنيسة واختفت معظم مقتنياتها الأثرية، قبل أن يتم اكتشافها مؤخراً في مدينة سرمين، بعد حلّ "جند الأقصى". الأب إبراهيم فرح، حاول البقاء في إدلب، لكنه تعرض للتهديد أكثر من مرة، ليُجبَرَ في نهاية المطاف على مغادرة المدينة مطلع العام 2016 ليستقر في مدينة غازي عنتاب التركية.

بعد وصول المعارضة إلى الشريط الحدودي مع تركيا عام 2013، توفر للنازحين العديد من المناطق الآمنة هناك، فرفضت أكثر من 75 عائلة مسيحية الخروج من قرى الجديدة والقنية واليعقوبية والاسحاقية، من أصل آلاف العائلات التي كانت تقطن تلك القرى. لكن سيطرة "جبهة النصرة" على تلك المناطق حرمت العائلات المتبقية من أبسط حقوقها. عيد القديسة بربارا ورأس السنة الميلادية وعيد الميلاد، مرّوا تباعاً على تلك العائلات من دون أن تقيم احتفالاتها، حتى داخل بيوتها، خشية من سطوة المتشددين، فلم تدق أجراس الكنائس ولم يسمح بشجرة الميلاد.

الأمر ذاته، حدث مع ناديا خوري، من الجديدة، رغم تدخل "المحكمة الاسلامية" في بداما، لإعادة أملاكها، إلا أن عناصر "فتح الشام" سيطروا على بستان أبيها البالغ مساحته 60 دونماً، بحجة "عدم التوريث". ناديا تعيش اليوم في بيت متواضع مع شقيقتها المريضة، وتستقبل كل من يزورها بحفاوة كبيرة.

أمام "المحكمة الاسلامية" الآن 13 قضية مشابهة، لم تستطع التدخل لحلها، بسبب تواجد "دار القضاء" التي تتبع بشكل مباشر إلى "جبهة فتح الشام". "دار القضاء" حوّلت منازل المسيحيين الغائبين إلى وقف إسلامي، ووزعته على نازحين آخرين، بعضهم من قيادات "فتح الشام".

سلمى يعقوب، تبلغ من العمر 71 عاماً، تعيش تحت سقف منزلها المهترئ، من دون أن تتلقى مساعدة من أحد، وسط رفضها الانتقال إلى مكان آخر. أبو سركيس وناديا والسيدة سلمى، يعيشون بجوار بعضهم البعض، يجتمعون في آيام الآحاد بصمت، ليقيموا القداس في غرفة مغلقة، أشبه ما تكون بالمعتقل.

ولا يتلقى أبو سركيس وناديا وسلمى، أي دعم إغاثي أو إنساني، فمعظم الجمعيات العاملة في المنطقة تخشى من رد فعل الإسلاميين إذا ما حصلت تلك العائلات على سلة إغاثية. والحجة دوماً "وجود مسلمين يستحقون المساعدة أكثر منهم".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها