الثلاثاء 2015/08/11

آخر تحديث: 11:14 (بيروت)

الحرية لسليمان الأسد

الثلاثاء 2015/08/11
الحرية لسليمان الأسد
الدولة العميقة، بعدما أصبحت ظاهرية، أضحت مجبرة على لجم متنمريها العلنيين.
increase حجم الخط decrease
يبدو أن اعتقال سليمان الأسد، هو ضريبة سيدفعها الشاب المتنمر، ابن مؤسسة "الشبيحة"، لقاء تحول يطرأ على بنية السلطة في سوريا، أو ما تبقى منها. اعتقال سليمان، جاء رضوخاً إلى "ما يطلبه المحتجون" في الساحل السوري، ورغبة في تهدئة مشاعر الطائفة العلوية المتململة من امتداد زمن الحرب الأهلية.

استشهد سليمان في "فايسبوك"، بالآية السادسة من سورة "الحجرات": "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، وذلك لنفي اتهامه بقتل العقيد حسان الشيخ. استشهاد سليمان بآية من "الذكر الحكيم"، لا تجعله عضواً في حركة "أحرار الشام الإسلامية" ولا حتى "جبهة النصرة"، فالرجل بحسب قوله هو "ابن البطل الهمام"، والهمام هو هلال الأسد، ابن عم الرئيس بشار الأسد، وقائد قوات "الدفاع الوطني" في الساحل السوري، والذي قتل في العام 2014.

البيان الاستنكاري، منحول أو من "معجزات" سليمان، فاللغة راقية، والخطاب يعتمد استعارات وكنايات، وهو أمر لم يتوافر في كل أدبيات سليمان السابقة واللاحقة، والمقتصرة على الشتائم.

مقتل العقيد حسان الشيخ، على يد سليمان، تسبب في موجة غضب شعبية بين سكان بلدة بسنادا التي أضحت جزءاً من مدينة اللاذقية. الغضب لم يتعدّ سقف التظلم إلى رأس النظام، لكنه تمكنّ من حشد الناس في الشارع، ومطالبتهم بإعدام "القاتل" سليمان الأسد، واعتبار الضابط القتيل "شهيداً". المتظاهرون هتفوا "الشعب يريد إعدام سليمان"، و"بدنا راسك يا سليمان". للمرة الأولى منذ خمسة أعوام، ظهر "شعب يريد" في الساحل السوري، والمطلب ليس بسيطاً.

المحتجون، على اختلاف مشاربهم، يجمعهم اليوم بدءُ تشكل سردية مظلومية علوية، ضد نظام المحسوبيات. فالدولة العميقة، التي يُشكل المسؤولون الأمنيون العلويون عمودها الفقري، لم يعد لها نفوذ واسع في معظم الأراضي السورية، ما جعلها سلطة على العلويين، بشكل رئيسي. هذا التحول الذي طرأ على جمهور المحكومين، بدأ ينتج تناقضاته الداخلية؛ تناقض طبيعي بين سلطة قمعية ومحكومين من لون مذهبي واحد. فالسلطة التي لطالما كانت تمييزية واحتكارية تجاه الغالبية السورية، صارت شبه مقتصرة على "العلويين" والأقليات، وباتت مجبرة على تقديم تنازلات تمس بطبيعتها. وبحكم تناقص المساحة الجغرافية للحكم، وعدد المحكومين وانزياحهم المذهبي، فإن التمييز ونظام المحسوبيات سيصبح أشد تناقضاً ضمن المجتمع العلوي.

الشدّ المذهبي الذي خيّم طوال السنوات الماضية، غيّب هذا الفارق بين السلطة والمحكومين العلويين. وللحظة بدا من الصعب بمكان التمييز بين العائلة والطائفة. فإضفاء الهويات الماهية على الأزمة السورية، تسبب في خلق تحالفات واستقطابات، أخفت طبيعة الصراع الراهن على السلطة، وأحالته إلى بُعد تاريخي وهمي. ولا تنفي الإحالة التاريخية للصراع، وما تستجرّه من تغذية عقائدية واستعانة بالماورائيات، راهنية الشقاق السني-العلوي، وما اكتسبته من زخم ومرويات معاصرة، لكنها تطمر عميقاً أزمة السلطة وتغوّلها على الدولة. ظهور شقاق ضمني، بين الطائفة والعائلة، مع حفظ الاحترام والتبجيل للرئيس الأسد، هو ظهور علني لحالة عصيان غير مسبوقة ضد نظام المحسوبيات.

خطر هذه الحادثة، على تماسك الصف الواحد المذهبي المشدود، دفع إلى عدم انقطاع زيارات كبريات عائلات العلويين، وكبار مسؤولي الدولة، لأهالي الفقيد، وبعضهم نقل تعازي الرئيس الأسد، وتعهد بأن دم الشهيد لن يذهب هدراً. حتى أن أم سليمان وزوجة هلال، فاطمة مسعود الأسد، تبرأت من ابنها عبر منشور في مواقع التواصل الاجتماعي.

ذلك بالضبط ما يُحزن سليمان اليوم: "موقف الأهل والأصحاب والأحباب"، الذين لم يقفوا معه ويساندوه إزاء ما اتهم به، وهو البريء "كبراءة الذئب من دم يوسف". سليمان على حائط اعترافه، قال: "في ما مضى، كانت هناك تصرفات لا أرتضيها الآن لنفسي". اعتراف يندر وجوده في مثل تلك الأجواء، اعتراف ينسب الغلط إلى طيش الماضي البعيد، ويؤكد أن التطهر قد تمّ بعدما قدّس "البدلة العسكرية التي يرتديها رجال الله"، وقدّس "كلّ من حمل السلاح دفاعاً عن سوريا لأنهم رفاق السلاح مع أبي ورفاق دربه". لكن اتهامات القتل لسليمان، أكثر من أن تُعدّ، ولا تدرج فعلياً في خانة الماضي؛ فهو مُتهم بقتل ابن خالته الطالب الضابط في الكلية الحربية علي خير بيك، في أواخر العام 2013، واطلاق النار على أمه واخوته منذ فترة قريبة.

في الأمر بداية تحول؛ فالسلطة التي تمكنت من ركوب مخاطر الحرب الأهلية، خلال الأعوام الماضية، تمكنت من إعادة هيكلة بنى النظام: الحد من وظائف الدولة العمومية، وخفض النفقات، والتركيز على المناطق المفيدة من سوريا. إعادة هيكلة الدولة السورية، كانت أشبه بالخصخصة، على شكل ومثال الدولة-العميقة. واليوم الدولة العميقة، بعدما أصبحت ظاهرية، أضحت مجبرة على لجم متنمريها العلنيين، في الساحل.

انكماش نطاق الحكم، والتحول المزدوج من دولة-أمة إلى دولة-طائفة، ومن دولة عميقة إلى ظاهرة، سيرافقه مأسسة "الشبيحة" وتحويلهم إلى شرطة وقوى أمن و"حسبة". الخروج من الظل إلى العلن، سترافقه تضحية بمن يرفض شروط التحول.

سليمان الأسد، هو نموذج الضحية، التي أصبحت السلطة المتحولة مجبرة على تقديمها ككبش فداء. من سوء حظه، أن الدولة ضاقت، واتسعت دائرة الغضب، بعد "التضحيات" الكبيرة التي قدمتها الطائفة. وما كان مستحيلاً في لحظة انفجار غضب أهالي درعا على أفعال ابن خالة الرئيس عاطف نجيب، قبل خمسة أعوام، أصبح اليوم غير قابل للتفادي.

في مطالعة سليمان، وُجدت عناصر التراجيديا كاملة: إنكار وحزن واعتراف. فالملحمة التي سطرها، كانت انفجاراً لغضب عميق قابع في ذاته، عندما تجاوزته سيارة العقيد الشيخ. سليمان، بحسب شهود عيان، وأهل الفقيد، أخرج بندقيته، وقتل متجاوزه، أمام ابنائه وزوجته. ليس في الأمر ثأر شخصي، ولا ضغينة غائرة في النفس البشرية. مجرد انفلات لغضب آني، تجاوز حدود الكبت، بفعل ارتكاب المحظور: التجاوز.

الأمر كان ليمر بسهولة، قبل سنوات قليلة، وكان من الممكن للدولة العميقة حماية شبيحتها ومتنمريها عبر "أساليبها الغامضة". لكن المسكين سليمان، قد لا يتمكن من استيعاب وفهم اعتقاله، فهو لم يغير شيئاً في طباعه، وما نشأ عليه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها