منعت إدارة معبر باب السلامة الحدودي بين سوريا وتركيا، وفد "الحكومة السورية المؤقتة" الذي يتقدمه رئيس الحكومة أحمد طعمة، من الدخول إلى الأراضي السورية، معللة ذلك في بيان صادر عنها بـ"الحرص على سلامتهم، وعدم التنسيق المسبق". ويصل معبر باب السلامة مدينة كيليس التركية بمدينة إعزاز السورية، وهو خاضع لسيطرة المعارضة السورية المسلحة.
وأشار مصدر في "الحكومة المؤقتة" إلى أن الحكومة "نسقت مع قائد الجبهة الشامية التي تسيطر على المعبر من أجل ترتيب اجراءات الدخول الى سوريا". وقال عضو الوفد الحكومي المعارض عبد الباسط ديبو، لـ"المدن"، إن "مدير المعبر ناظم حافظ، رفض السماح لنا بالدخول، وكان ينتظر مرور سيارات الحكومة المؤقتة، ليمنعها من الدخول عبر البوابة السورية، على الرغم من قيام الجانب التركي بمرافقتنا إلى الجانب السوري".
من جهته، نفى رئيس "المكتب السياسي" في "الجبهة الشامية" عبد الله عثمان، لـ"المدن"، قيام "الحكومة المؤقتة" بأي تنسيق مع "الشامية"، لإجراء الترتيبات اللازمة لدخول وفدها إلى سوريا. وقال عثمان: "القائمون على الأمر في الحكومة، قاموا بإبلاغ عدد من أعضاء الجبهة الشامية، بأمر دخولهم إلى سوريا، فطلبوا منهم التنسيق مع المكتب السياسي للجبهة، وهو ما لم يتم بالمطلق، وتفاجأنا بوجودهم على المعبر". وشدد عثمان على أنّه " لا يوجد قرار بمنع الوفد الحكومي، ولا نمنع أي سوري من الدخول إلى وطنه. لكن بخصوص وفد من هذا الحجم، علينا اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايته، وتأمين دخوله، وإن حصل لهم مكروه سنكون نحن المتسببين به".
إلى ذلك، أوضحت القيادة العامة لـ"الجبهة الشامية" في بيان لها: "وصول الوفد، تزامن مع وصول مجموعة مسلحة ملثمة إلى قرب المعبر يدَّعون أنهم من أحرار الشام، وأنهم حضروا لمرافقة الوفد، وبعد التواصل مع القيادة العامة والسياسية لأحرار الشام نفوا علمهم بالموضوع، ونفوا علاقتهم بالمسلحين المذكورين. وبالتالي فقد أحاطت بالموضوع شبهات متعددة. وطلبنا من الوفد التريث والانتظار، ريثما يتم ترتيب بعض الأمور، وتوضيح الإلتباس الأمني الحاصل، والتحقق من هوية المجموعة المسلحة.. لكن الوفد رفض واستعجل المغادرة".
وأشار عضو الوفد الحكومي عبد الباسط ديبو، إلى أن: "زيارة الوفد كانت تهدف إلى دعم الموقف التركي، في ما يخص المنطقة الآمنة، بالتواجد داخل سوريا، وإرسال رسالة للعالم، بأن للمعارضة السورية إدارة مدنية، قادرة على إدارة المنطقة الآمنة".
وبحسب مصادر حكومية معارضة، فإنّ جدول أعمال الوفد الحكومي في الداخل السوري، يتضمن عقد مؤتمر صحافي أمام مقر "مجلس محافظة حلب الحرة" المدمر، للإعلان عن وجود حكومة المعارضة على الأرض السورية. ووفق المصادر الحكومية فإن الوفد كان يضم 20 شخصاً، في مقدمتهم رئيس الحكومة أحمد طعمة الخضر، ووزراء الداخلية والاتصالات والإدارة المحلية، ورئيس أركان وزارة الدفاع العميد أحمد بري.
ويعتبر قيام إدارة معبر باب السلامة بمنع وفد حكومي معارض "رفيع المستوى" من الدخول إلى الأراضي السورية، سابقة على صعيد إدارات المعابر التي تسيطر عليها الفصائل السورية المعارضة. فقد سبق وسمحت تلك المعابر لوزراء وأعضاء في الائتلاف السوري المعارض، بدخول المناطق المحررة دون اعتراض.
وكتب رئيس "المكتب الإعلامي" في "الحكومة السورية المؤقتة" سامر العاني، في صفحته الشخصية في "فايسبوك"، إن مدير المعبر "تواصل عبر برنامج التلغرام مع رئيس المكتب السياسي للجبهة الشامية، وجاءه الرد بأن: لا تسمح لهم بالعبور". وأضاف العاني: "جاءت قوة مسلحة بعد حوالي 20 دقيقة من جلوس الوفد في المعبر، تستقل سيارة (بيك آب لون أسود دبل كبين) مدججة بالسلاح، وبطريقة مرعبة. وقاموا بالانتشار في مكان وجودنا، كان من بين القوة شخص يحمل قناصة، وقال بالحرف الواحد: (كفرة مرتدين). كانت نظرات المسلحين الذين قدموا لا تنذر بالخير أبداً، وبدا واضحاً التلويح باستعمال السلاح وإعادة الوفد بالقوّة من حيث أتى".
وقال العاني إن المسلحين "حاولوا مصادرة الكاميرا ومنعي من التصوير بنفس الطريقة التي منعني بها النظام، ومنعتني بها داعش سابقاً".
وأصدر رئيس "الحكومة المؤقتة" أحمد طعمة، بياناً نشر في موقع الحكومة الرسمي، قال فيه: "قوة مسلحة متطرفة تابعة لمنظمة الجبهة الشامية منعت وفد الحكومة السورية المؤقتة.. من الدخول إلى الأراضي السورية المحررة"، ووصف الفعل بـ"المسلك التشبيحي". وقال البيان إن الحكومة تُتهم بأنها "كافرة يقودها مرتد".
وأحدث البيان موجة انتقادات غاضبة، ما دفع رئيس الحكومة
لتعديله. فلأول مرة في تاريخ الثورة السورية، يصف مسؤول سياسي معارض، فصيلاً ثورياً بأنه "متطرف" ويتبع "منظمة"، وهي "المفردة" الملازمة لصفة "إرهابية". وتأتي حساسية هذا التصريح لأن اجتماع فيينا الذي سيعقد بعد أيام، سيخصص لبحث قضية "المنظمات الإرهابية"، ويُعتقد أن روسيا ستقدم لائحة تضم جميع الفصائل الإسلامية لتوصف من قبل المؤتمرين بأنها "منظمات إرهابية".
واعتبر المستشار القانوني السابق في "الإئتلاف الوطني" المحامي محمد صبرة، بيان الحكومة الذي تراجعت عنه لاحقاً، وعدلته، بأنه "سلوك سياسي بات يطغى على السوريين جميعاً". وقال صبرة لـ"المدن": "أن يصدر بيان يحمل مثل هذا الكلام عن الحكومة المؤقتة التي وصفت الجهة العسكرية التي منعتها بأنها متطرفة، وأن (الجبهة الشامية) تعتبر الحكومة كافرة يقودها مرتد، فإنه يعني محاولة لكسب ود المجتمعين في فيبنا خاصة. فالإجتماع القادم سيكون مخصصاً لبحث تصنيف الفصائل المقاتلة وفرزها إلى فصائل معتدلة وأخرى متطرفة". ورأى صبرة أن "البيان بالصيغة الأولى هو تقديم أوراق اعتماد من قبل رئيس الحكومة لإجتماع فيينا كمحاولة منه ليكون جزءاً من المشهد القادم".
ووصف المحامي صبرة، تصرف "الجبهة الشامية" بـ"السلوك المشين"، وأضاف: "يجب على الإئتلاف اتخاذ قرار حاسم بشأن هذه الحكومة، إن لم يكن بسبب مضمون البيان، فيكفي الارتباك في إصدار البيان وتعديله ما يدل على انعدام الخبرة لدى هذه الحكومة في هذا الظرف الخطير الدي يمر به الوطن".
ويبدو أن محاولات تقارب وتوحيد رؤى الحل السياسي بين "الإئتلاف الوطني" وفصائل المعارضة العسكرية، لم تحسن شروط عمل "الحكومة المؤقتة". فتأتي حادثة منع "حكومة الإئتلاف" من الدخول إلى الأراضي السورية، لتعزز طلاقاً غير معلن بين المعارضة السياسية السورية والفصائل العسكرية على الأرض، وتعزز الهوة بينهما.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها