الإثنين 2014/11/17

آخر تحديث: 18:22 (بيروت)

في سوريا والعراق.. العشائر لن تقاتل الجهاديين بالمجان

الإثنين 2014/11/17
في سوريا والعراق.. العشائر لن تقاتل الجهاديين بالمجان
البحث في التاريخ الإسلامي يؤكد تلازم العشائرية مع الإسلام وترافقهما رغم تنافرهما
increase حجم الخط decrease

لا تقف بعض القبائل العربية السنية في العراق وسوريا في الخندق المناهض للتيارات الجهادية بدوافع وطنية وعلمانية أو ديموقراطية كما يتوهم البعض، بل بسبب الاختلاف البنيوي بين النظامين، العشائري المستقر، والديني الذي يسعى الجهاديون إلى فرضه؛ فالعشائريون يعتمدون على القربى الدموية لربط عناصر مجتمعهم، وبناء شبكات علاقاته ومصالحه المرتبطة بالواقع، بينما تعتمد البنية الدينية على الرابطة الايديولوجية المجردة، وعلى مصلحة ميتافيزيقية مؤجلة، وهو صراع رافق الإسلام منذ بدأ الخلاف حول شخصية الخليفة وانتسابه، وبرز في الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن ابي سفيان، إذ استعان الاخير بحلف من القبائل اليمنية لترسيخ حكمه، ومن ثم جعله ملكية يرثها الأمويون القرشيون، قبل أن تؤول إلى العباسيين.

والبحث في التاريخ الإسلامي يؤكد تلازم العشائرية مع الإسلام وترافقهما رغم تنافرهما، ويمكن فهم هذه العلاقة بشكل أعمق من خلال أعمال ابن خلدون، الذي ربط بين قيام الدول ووجود "عصبية" تعتمد على صلات القربى غالباً، بغطاء ايديولوجي ديني.


لقد جعلت القبلية، الإسلام، أكثر سياسية وواقعية، ونزعت عنه طابع المثالية المطلقة والتشدد الاخلاقي، وعلى هذا المستوى يجري الصراع اليوم. فالقبائل ليست ضد الدين، لكنها تريده أن يتصالح مع نظامها الاجتماعي الذي لا تريد خسارته، والأهم أن يراعي مصالحها.


في المستوى الثاني من الصراع الدائر الآن بمنطقة الشرق الأوسط، أي على صعيد الصراع الطائفي والمذهبي، فإن إقبال العشائر على الانخراط في الصراع إلى جانب التنظيمات السنية أو الشيعية، لا يختلف في جوهره عن الصراع بين قومين من اثنيتين مختلفتين، وتلعب العشائر مختلطة المذهب دوراً متميزاً من الناحية السياسية، فقد وقفت قبيلة الدليم التي تنتمي بعض عشائرها للمذهب الشيعي، إضافة للكتلة الرئيسية السنية منها، بتآزر وراء زعيمها أبو ريشة في حربه على تنظيم القاعدة في العقد الماضي، وشكل انتماء غازي الياور، إلى عشيرة شمّر، التي يدين جزء منها بالمذهب السني، وجزء بالمذهب الشيعي، الحامل الرئيسي لانتقائه كأول رئيس توافقي للعراق بعد سقوط نظام صدام حسين.


وقد تنبهت ايران باكراً إلى ضرورة وجود مكان لها بين العشائر السورية، السنيّة بالمطلق، فدفعت جميل الأسد، في الثمانينيات، لتشكيل جمعية الإمام المرتضى، بغرض تشييع القبائل السنية التي تزعم الانتساب إلى آل البيت، لكن شقيقه حافظ الأسد أغلق تلك الجمعية، فتوجهت سفارة طهران وقنصلياتها للعمل المباشر، ونجحت باستقطاب أعداد لا بأس بها من قبائل شرق سوريا، لكن أبرز مناطق الاستقطاب، وهي بلدة حطلة بالقرب من دير الزور، انتهت الظاهرة فيها نهاية مأساوية، عندما حاول النظام تجنيد المتشيعين وتسليحهم للوقوف في وجه فصائل الجيش الحر هناك، فدخلت البلدة فصائل من العشيرة التي ينتمي إليها هؤلاء المتشيعون، وهي قبيلة البكّارة، وأصرت أن تكون هي من تقضي على هذه البؤرة، باعتبارها وصمة عار لها، وتم قتل عدد من المتشيعين، فيما هرب البقية إلى مناطق سيطرة النظام.


ليست الاستفادة من القبائل في الحرب ضد التطرف بالسهولة التي يظنها البعض، ولا يمكن جر هذه المتحدات الطبيعية الكبيرة إلى هذا الصراع المدمر مجاناً، فالقبليون براغماتيون سياسياً، وهم يغيرون ولاءهم السياسي بسهولة تبعاً لمصالحهم، كما لا يمكن الاعتماد على موقفهم من الديموقراطية مثلاً، فالقبليون رغم كل شيء متمسكون بهويتهم الاسلامية، ولا تقبل أن يتم إخراج صورتها كمحاربة للدين، لكن يمكن العمل معهم على إرساء نظام يحترم معتقدهم الديني من ناحية، ويوفر لهم قدراً من المنفعة في الوقت ذاته، كما حدث عبر تاريخهم الطويل في علاقتهم بالإسلام، وهنا يجدر التذكير بأن تجربة الصحوات في العراق، بنيت فعلياً على الوعود بحصة من السلطة السياسية، وعلى 200 مليون دولار تقدم للعشائر شهرياً، وقد انهارت التجربة عقب توقف الدعم المالي، ونكوث السلطة بوعود المشاركة السياسية.


في هذا الوقت، تقدم التنظيمات الإسلامية، خاصة تنظيم الدولة الإسلامية، تصوراً قبلياً لصراعها، هو "نحن" إزاء العالم، و"نحن" هنا هي المسلمون السنة، وأحياناً العرب السنة، وهي استراتيجيا تنجح نجاحاً بعيداً باستقطاب رجال القبائل، خاصة مع عمل الغرب و"الآخرين" الدؤوب على استهداف هذه الفئة.


ومناهضة استراتيجية الجهاديين هذه على المستوى الرمزي والبروباغندا الإعلامية فقط، تزيدها تماسكاً وتاثيراً في الجمهور وليس العكس، ولن يمكن مواجهتها سوى بالتعامل مع المستويين السياسي والواقعي، ودحضها بدعم المجموعات السنية التي لم تتأدلج بعد، وإيجاد نوع من المصلحة السياسية والاقتصادية، المؤكدة والدائمة، كثمن لانخراطهم في هذا الصراع طويل الأمد، الذي لن يحسم ما لم يتدخلوا فيه، كون مناطقهم ومجتمعاتهم، هي مناطق انتشار وتجذر الجهاديين.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها