إضرابات بسبب فصل الأونروا مدير مدرسة بلبنان لمساندته غزة

أحمد الحاج علي
السبت   2024/03/02
لعب المعلمون الفلسطينيون في لبنان دوراً طليعياً في صياغة الهوية الوطنية وتطورها(Getty)

امتنع حوالى 40 ألف طالب فلسطيني في لبنان عن التوجه لمدارسهم الأربع وستين، بسبب طلب وكالة الأونروا من مدير ثانوية دير ياسين في مخيم البص فتح شريف الاستقالة، بذريعة الأنشطة الداعمة لغزة التي يقيمها في مدرسته، ومنها حملات جمع التبرعات لصالح "الجوعى في قطاع غزة".

وفي المعلومات التي حصلت عليها "المدن" فإنه بعد أيام من بداية الأحداث في قطاع غزة، شهدت المدارس الفلسطينية في لبنان تظاهرات واعتصامات احتجاجاً على المذابح التي يرتكبها الاحتلال في القطاع. وكثير من هذه الاحتجاجات كانت بدعم أو تأييد أو عدم ممانعة من مدراء المدارس.


الأونروا:الالتزام أو الاستقالة
إثر ذلك استدعت مديرة شؤون الأونروا في لبنان الألمانية دوروثي كلاوس عدداً من المدراء، الذين سمحوا بالأنشطة المساندة لغزة داخل مدارسهم، وحذرتهم من أن تلك الأنشطة تتعارض مع سياسة الأونروا التي تتبنى الحيادية، فأجابوها أن تلك الأنشطة لم تدعُ لاستخدام السلاح، بل اقتصرت على رفض المذابح، والقيام ببعض الحملات الإغاثية، وأنهم "لا يستطيعون أن يكونوا بلداء إنسانياً"، فردّت أن كل تلك الأنشطة مرفوضة، ونصحت المدراء بتقديم استقالاتهم إن لم يستطيعوا الالتزام بتلك التعليمات.

التطور الأبرز كان في الأيام الأخيرة من شهر كانون الثاني حين فصلت الأونروا 12 موظفاً في قطاع غزة مستندة إلى تقارير إسرائيلية حول مشاركتهم أو تأييدهم لعملية 7 أكتوبر، وترافق إجراء الأونروا مع تعليق 16 دولة تمويل الأونروا، على رأسها الولايات المتحدة، التي تُعد المانح الأكبر للأونروا، والتي تقدّر مساهمتها السنوية بحوالى 350 مليون دولار. أعقب ذلك زيادة الضغط على المعلمين الذين رأت الأونروا أنهم يبدون تعاطفاً علنياً مع غزة، وجرى تشكيل لجان تحقيق قامت باستدعاء عدد من المعلمين.

تطوّر الأمر حتى تاريخ 26 شباط حين استدعت كلاوس مدير ثانوية دير ياسين، ورئيس اتحاد المعلمين الفلسطينيين في لبنان فتح شريف. ويقول معلم فلسطيني استُدعي للتحقيق إنه جرى نقاش مطوّل بين كلاوس وشريف حول تقارير وصلت للأونروا عن قيام الأخير بأنشطة وطنية داخل المدرسة. فأشار شريف إلى أن تلك الأنشطة كان عنوانها حملة "رغيف الخبز"، وجمعت تبرعات لصالح إطعام جزء من أهل غزة، ووصلت التبرعات إلى مستحقيها المدنيين كما توضح الفيديوهات والصور "وهو واجب لا يمكن التخلي عنه مهما كانت الأسباب"، فطلبت كلاوس من شريف تقديم استقالته خلال يومين، أو فإن الأونروا ستتخذ قراراً بفصله، فرفض تقديم استقالته، ولتبدأ حملة تضامن واسعة داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان.


اللعب بالنار
وانطلقت الحملة ببيان اتحاد المعلمين حمل عنوان "بيان رقم 1" واعتبر أن ما جرى "لعبٌ بالنّار وحربُ وجود لن يبقى فيها إلّا أصحاب الأرض والقضيّة"، مشيراً إلى أنه "لا وكالة الأونروا ولا أيّ إطار في هذا العالم مهما علا شأنه يستطيع ابتزازنا بوطنيّتنا وفكرنا وانتمائنا إلى أرضنا الحبيبة". تبعه بيان باسم قيادة تحالف القوى الفلسطينية في لبنان شدد على أن "الانتماء الوطني لموظفي شعبنا خط أحمر لا نسمح بتجاوزه". إثر ذلك صدر بيان عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعدد كبير من الأطر الطلابية والتعليمية والشعبية.

ما أعطى أبعاداً إضافية للحدث أن ثانوية دير ياسين التي يديرها فتح شريف الأولى تحتل المرتبة الأولى بين مدارس الأونروا في لبنان، فبشكل دائم تكون نسبة النجاح 100% في الشهادة الرسمية، وعام 2019 احتل أحد طلابها إسماعيل عجاوي المرتبة الأولى في محافظة الجنوب، ونال منحة من جامعة هارفرد، ونُقل عن كلاوس قولها إن تفوق المدرسة جعلها تتردد كثيراً في قرارها، رغم الضغوط التي مورست عليها.
مدير الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي قال في حديث لـ "المدن" إن "إدارة الأونروا في لبنان تحرف الاهتمام عن الإبادة الجماعية في قطاع غزة من خلال تهديدات لموظفين عريقين معروفين بانتمائهم الوطني وحريصين على العملية التربوية وتطويرها بشهادة القاصي والداني".

وأعرب عن رفضه وقلقه لهذه الخطوة "التي تحرف النظر والمتابعة عما يجري لشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة من عدوان وتجويع وأعمال إبادة جماعية، وندعو إدارة الأونروا في لبنان إلى اعتماد سياسة الحكمة في متابعة القضايا النقابية، والرجوع الفوري عن التهديدات، فهذا لا يخدم العمل الوطني أو العمل التربوي أو العمل النقابي".

يعتبر أحد المعلمين الذين استُدعوا للتحقيق في حديثه لـ"المدن"، رافضاً ذكر اسمه، أن "الاستهداف للوطنيين يشمل الجميع، فقد أوقفت الأونروا من قبل الأستاذ محمد أبو عرب، القريب من لائحة العودة، المحسوبة على حركة فتح، واستطاعت الضغوط الشعبية والنقابية أن تعيده للعمل، والشيء نفسه وقع لمعلمين آخرين. ويقول إن الضغوط لن تتوقف هذه المرة، وهي ستتصاعد، لأنه في حال توقفها، فإن "كتم الأفواه" سينسحب على بقية المعلمين".


دور الدولة اللبنانية
تاريخياً، لعب المعلمون الفلسطينيون في لبنان دوراً طليعياً في صياغة وتطور الهوية الوطنية، وبرزت عشرات الرموز، من بينهم أحمد اليماني ودياب الفاهوم وغيرهم كثيرون، واستبعاد هذه الفئة يُعدّ استهدافاً مباشراً للهوية الوطنية كما يرى البعض، لكن هل تتراجع الأونروا في ظل تهديد مباشر يستهدف تمويلها واستمرارها؟

قد يكون أحد المخارج المطروحة تدخل الدولة اللبنانية مباشرة، لأنها معنية بالحلحلة لأكثر من سبب، أحد تلك الأسباب أن ميزانية الأونروا السنوية في لبنان حوالى 200 مليون دولار، وهي ترعى الشؤون الإغاثية للفلسطينيين بهذا البلد، والدولة معنية باستمرار عمل الأونروا التي تحمل هذا العبء. كما أن الدولة اللبنانية خبرت تدخلها في أزمات سابقة بين الأونروا واللاجئين، واستطاعت الوصول إلى حلول معقولة، مثلما حدث حين تدخل لبنان الرسمي بين اللاجئين الفلسطينيين من سوريا والأونروا، وجرى التوصل إلى حلول مرضية للطرفين. لذلك تكثر الدعوات لتدخل لبناني مباشر ينقذ الموقف، وإلا فإن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التصعيد.

توضيح من الأونروا 
من جهتها، أوضحت المصادر الرسمية للوكالة أنه "عند حدوث انتهاكات مزعومة لسياسات الوكالة وقوانينها وأنظمتها، يخضع الموظفون المعنيون لتحقيق محايد ومستقل، بغض النظر عن مناصبهم أو رتبهم أو خلفيتهم". أضافت "إن عملية التحقيق سرية، لذا لا يمكن مناقشة تفاصيل أي قضية.  ومع ذلك، وكمبدأ عام، فإن الدعم الإنساني للمدنيين في غزة لا ينتهك إطار الحياد للأونروا".