بيوم المرأة: المساواة الجندرية بعيدة عن التحقق لبنانياً وعربياً

المدن - مجتمع
الأربعاء   2023/03/08
زيادة تمثيل النساء في المناصب السياسية عامل رئيسي في تزايد ثقة المواطنين بقيادتهنّ (Getty)
ارتفع تأييد تولي النساء أدواراً سياسية قيادية في أغلب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حسب بيانات استطلاع الباروميتر العربي، الذي صدراً مؤخراً. 

نفذ استطلاع الدورة السابعة من الباروميتر العربي، والذي يعتبر أكبر استطلاع متوفر علناً لآراء وتوجهات المواطنين، في 12 دولة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي الدول التي يعيش فيها 80 بالمئة من سكان العالم العربي. وأجري الاستطلاع بين تشرين الأول 2021 وتموز 2022، في كل من الجزائر وتونس وليبيا والمغرب وموريتانيا والأردن ولبنان وفلسطين والعراق ومصر والسودان والكويت. وذلك من خلال مقابلات لنحو 26 ألف مواطنة ومواطن، طُرحت عليهم باقة الأسئلة حول موضوعات شملت رأيهم حول الاقتصاد، والثقة بالحكومة والأداء الحكومي، والمعايير الجندرية ووضع المرأة، والهوية والتمييز، والبيئة، والعلاقات الدولية وغيرها.

المشاركة السياسية النسائية
بلغت مستويات عدم الموافقة على فكرة أن الرجال يمثلون قيادات سياسية أفضل من النساء أعلى مستوى لها في ثمانية بلدان من بين 11 بلداً توفّر للباروميتر العربي فيها بيانات كافية لقياس التوجّه.
وتبين أن لدى الشباب آراء إيجابية أكثر فيما يخص المساواة بين الجنسين. واتضح من البيانات أن مواطني ومواطنات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يغيرون آرائهم أيضاً مع تقدمهم في العُمر. تحديداً، فإن أغلب الشرائح العمرية في الغالبية العظمى من الدول أصبحت أقل قابلية لتأييد فكرة أن الرجال أفضل في مناصب القيادة السياسية من النساء، مقارنة بالوضع قبل عشر سنوات على الأقل.
وبدا أن زيادة تمثيل النساء في المناصب السياسية هو عامل رئيسي في تزايد ثقة المواطنين بالقيادات السياسية النسائية. فهناك أربع دول بالمنطقة –تونس ومصر ولبنان وفلسطين– سمحت بمناصب سياسية للنساء بعد الانتخابات، وهي بعض الدول التي شهدت التأييد الأكبر لتولي النساء القيادة. على النقيض، في الجزائر سُمح للنساء على الورق فقط بالمشاركة، لكن من دون إتاحة مسار حقيقي للدمج. بالتالي، فإن النساء ممنوعات فعلياً من إظهار قدراتهن وقد طرأ تغير طفيف يكاد لا يذكر في الآراء حول النساء في مناصب القيادة السياسية.
وقارن الباروميتر العربي قطاعات ممثلة لمستوى الدولة من مختلف الشرائح العمرية في ثماني دول بالمنطقة، لمعرفة كيف تغيّرت آراء الشرائح العمرية حول النساء في السياسة منذ أول استطلاع لرأي المواطنين بالمنطقة قبل عشر سنوات على الأقل. الدول المشمولة بالاستطلاع هي الجزائر ومصر والعراق والأردن ولبنان وفلسطين والسودان وتونس. والشرائح العمرية الثلاث المشمولة بالدراسة هي الشريحة 1 (18-29 عاماً) الشريحة 2 (30-39 عاماً) والشريحة 3 (40-49 عاماً).

تونس: شهد المواطنون في تونس أكبر تغيّر في التوجهات والآراء عبر مختلف الشرائح العمرية في المنطقة، على مدار السنوات العشر الأخيرة. على سبيل المثال، فإن 41% فقط من التونسيين في عقد الأربعينيات اليوم يؤيدون فكرة أن الرجال أفضل في القيادة السياسية من النساء، مقارنة بـ77% منهم عندما كانوا في الثلاثينيات من عمرهم قبل عشر سنوات. بالمثل، فإن التونسيين في عقد الخمسينيات غيّروا آراءهم بشكل جذري حول قدرات القيادة السياسية للنساء. إذ أن 37% فقط منهم في 2022 رأوا أن الرجال أفضل في المناصب السياسية، مقارنة بـ71% منهم اعتقدوا ذلك قبل عشر سنوات، في 2012.

مصر: تحوّل المصريون من كونهم أصحاب أعلى نسبة اتفاق (91%) مع مقولة أن الرجال أفضل في المناصب السياسية القيادية من النساء –من بين دول الاستطلاع في 2011– إلى المرتبة الخامسة لا أكثر من حيث الإقبال على تأييد المقولة (بواقع 66%) في 2022. تعرض المصريون من جميع الشرائح العمرية لتغير كبير في الآراء على مر الوقت.

الجزائر: الجزائر هو البلد الوحيد الذي يميل السكان فيه أكثر لتأييد (76%) مقولة أن الرجال أفضل في مناصب القيادة السياسية من النساء في عام 2022، مقارنة بالنسبة عند إجراء الاستطلاع الأول هناك في 2006 (70% حينئذ).

فلسطين: هو البلد الوحيد حيث كانت الشريحة العمرية الأصغر (18-29 عاماً) هي الأكثر تأييداً (90%) لمقولة أن الرجال أفضل في مناصب القيادة السياسية من النساء، في استطلاع عام 2006. كما أن هذه الشريحة ذاتها هي التي شهدت أكبر تغيّر بين الشرائح العمرية في فلسطين (بواقع 27 نقطة مئوية تراجع في نسبة التأييد للمقولة المذكورة).

الشرائح العمرية بحسب النوع الاجتماعي
عند تقسيم الشرائح العمرية بحسب النوع الاجتماعي، نرى أن الرجال والنساء قد تعرضوا للمستوى نفسه من التغير في الآراء. والنساء ينزعن أكثر قليلاً إلى التعرض لتغيرات أكبر في الآراء، لكن ليس في كل الحالات. وفي جميع الحالات عدا في دولتين (العراق والجزائر) فالرجال من أغلب الشرائح العمرية قد أصبحوا أكثر تفضيلاً لوجود النساء في مناصب قيادة سياسية مع مرور الوقت.

لبنان
في لبنان تحديداً، تغيّرت آراء نسبة أكبر من الرجال (مقارنة بتغير آراء النساء) عبر مختلف الشرائح العمرية. لأن النساء في لبنان على الأرجح –مثل الحال في كل دول المنطقة– هن الأكثر إقبالاً من الرجال على رفض مقولة أن الرجال أفضل في مناصب القيادة السياسية، ما يعني أن على الرجال قطع طريق أطول على مسار دعم المساواة بين الجنسين. كما أنه رغم  تغير آراء الرجال في لبنان أكبر من التغير في آراء النساء، فالاختلاف ليس كبيراً. على سبيل المثال فالرجال في لبنان بين 30 و39 عاماً تراجعوا 12 نقطة مئوية في تأييد المقولة المذكورة، بينما تراجعت آراء النساء اللبنانيات في الشريحة العمرية نفسها 11 نقطة.

الآراء والتوجهات إزاء النوع الاجتماعي
المساواة الجندرية بعيدة كل البُعد عن التحقق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تظهر الدورة السابعة من استطلاعات الباروميتر العربي أن أغلبية صريحة في معظم البلدان التي شملها الاستطلاع ترى أنه لا ينبغي للمرأة أن تلعب أدوارًا مساوية للرجل في المجالين العام والخاص. على أن هناك أيضاً بوادر دالّة على التغيير. وفيما يلي بعض النتائج الرئيسية:

• انخفضت نسبة الاتفاق مع العبارات التي مفادها أن "الرجال أفضل في القيادة السياسية من النساء" و"التعليم الجامعي أكثر أهمية للرجال من النساء" بشكل حاد في العديد من البلدان التي شملها استطلاع الباروميتر العربي.
• التقدم ليس فقط نتيجة للأجيال الشابة ذات الأفكار والمعايير الاجتماعية الليبرالية التي أصبحت أكبر سناً، إنما يرتبط أيضاً بتحول حقيقي في التصورات عبر الأجيال.
• هناك تصور منتشر بأن العنف ضد المرأة قد ازداد في المنطقة. إلا أن الفجوة بين تصورات الرجال والنساء للعنف كبيرة، حيث النساء أكثر إقبالاً بكثير على القول بأن معدلات العنف قد زادت.
• يرى معظم المواطنين أن المعوقات الهيكلية لها تأثير أكبر من المعوقات الثقافية على دخول المرأة إلى القوى العاملة.

التوقعات حول اقتصاد الرعاية
يظهر من نتائج استطلاع الباروميتر العربي الأخير أن أغلب مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتبرون أن رعاية الأطفال –وتشمل المساعدة في الفروض المدرسية– هي مسؤولية واجبة التشاطر بين الأب والأم، بغضّ النظر عمّن يتولى هذه المسؤولية حالياً. على ذلك، ترى أكبر نسبة من مواطني المنطقة أن رب الأسرة وحده هو الذي يجب أن يتولى مسؤولية ميزانية البيت والإنفاق على احتياجاته. وبشكل عام، تميل النساء لدعم التساوي في تشارك المسؤوليات أكثر –مقارنة بالرجال– فيما يتعلق بالسؤالين حول رعاية الأطفال ومسؤولية ميزانية البيت والإنفاق على احتياجاته.
لعل الاختلافات الأكثر بروزاً ووضوحاً هي تلك القائمة بين النساء أنفسهن؛ إذ يظهر من النتائج أن بعض المعايير المتحيزة ضد النساء تؤيدها آراء النساء ممن هن خارج قوة العمل مدفوع الأجر، بقدر تأييد الرجال لها، إن لم يكن أكثر.

هذا وتعد الاختلافات بين الرجال والنساء، الموظفين والموظفات، صارخة بصورة خاصة حول سؤال تشارك مسؤولية الميزانية ومسؤوليات الإنفاق، إذ يقول الرجال أكثر بأن هذه مسؤولية رب الأسرة.

في جميع الدول، عدا موريتانيا، أبدت النساء الموظفات والمشتغلات بأعمال حرة بقوة التوقع بأن يكون لهنّ الدور نفسه في اتخاذ قرارات الميزانية والإنفاق في الأسرة، لا سيما في مواجهة آراء الرجال الموظفين والمشتغلين بأعمال حرة. ولقد بلغت الفجوة بين الفئتين حول هذا الرأي بين 8 بالمئة في السودان و32 بالمئة في العراق.
كما أن الاختلافات في الرأي بحسب المستويات التعليمية (بين من أتمّوا التعليم العالي ومن حصلوا على التعليم الثانوي فقط) هي اختلافات كبيرة أيضاً، لكنها أكبر فيما يخص سؤال مساعدة الأطفال على الدراسة. فأصحاب المستويات التعليمية الأعلى من الجنسين هنّ الأرجح مقارنة بالأقل تعليماً أن يؤيدن ويؤيدوا فكرة تشارك رب الأسرة هذه المسؤولية وتلك بالتساوي مع الأم.