انتخابات "الأطباء": خسارة ماحقة للمستقبل وأمل والاشتراكي

وليد حسين
الإثنين   2019/06/10
رغم التجييش لمعركة انتخابية حامية كانت نسبة الاقتراع عادية (علي علّوش)
ازدحام السير الذي وصل إلى ما بعد مستديرة العدلية، ومشهد سيارات الأطباء المركونة على أكثر من خط وكادت تقفل الطرقات الأساسيّة أمام المارّة، أوحت بأنّ ثمة حماسة كبيرة دفعت بالأطباء للنزول بالآلاف إلى المعركة الانتخابية، لانتخاب ثمانية أعضاء لمجلس نقابتهم. حتى أنّ ازدحام الأطباء أمام صناديق الاقتراع، وأمام البهو الخارجي لمبنى "بيت الطبيب"، حيث حطّت تلك المعركة رحاها، يوم الأحد 9 حزيران، دلّ على أنّ المعركة حامية. خصوصاً أنّ أحزاب السلطة خاضت هذه الانتخابات بلائحتين متواجهتين، ولائحتين للمستقلين بالإضافة إلى بعض المنفردين. وهذا ما يفترض حصول تجييش كبير للأطباء للتجديد "الديموقراطي" داخل "بيتهم"، الذي يعيش حالة من عدم الاستقرار منذ أكثر من ثلاث سنوات، على وقع الخلافات وقضايا والهدر والفساد التي طالت نقابتهم، وجعلت قوى أحزاب السلطة التي خاضت الانتخابات السابقة في لائحة موّحدة، تشتبك في مجلس النقابة وتعطّله بشكل تام. لكن نسبة الاقتراع المتدنية والعادية قياساً بالجولات الانتخابية السابقة، دلّت على أنّ "الجسم الطبي" ما زال معتلّاً بالأداء السيّء لمجلس نقابته، وغير راضٍ عن الممارسات الكثيرة التي شوّهت نقابتهم. فقد وصل عدد المقترعين في الجولة الأولى لانتخاب أعضاء المجلس، إلى 3401 طبيب من أصل أكثر من سبعة آلاف سدّدوا اشتراكاتهم السنوية.

الفائزون والخاسرون
لعلّ المشهد السوريالي في البهو الخارجي لبيت الطبيب، حيث تجاورت خيمة حزب الله مع خيمة القوات اللبنانية، تتوسطهما أعلام التيار الوطني الحر، تعطي صورة واضحة عن حجم التكاذب السياسي الذي يفرّق بين الأحزاب السياسية في لبنان. فبينما يفترض أن تقوم الانتخابات النقابية على أسس سياسية واضحة، حصلت هذه الانتخابات "السياسية"، خارج السياسة ومنطق انقساماتها بين الأطراف اللبنانيين، وبات شعار المرحلة "النقابة تجمعنا"، كما دلّت تسمية لائحة التحالف الهجين، الذي جمع حزب الله والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب وحزب الحوار الوطني. فاكتسحت هذه اللائحة جميع المقاعد، وحلّ مرشّحها لمنصب النقيب أشرف أبو شرف أول الرابحين بـ1445 صوتاً. أما لائحة "وفاق، سلام، إنجاز" لتحالف تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل فحصدت خسارة كبيرة. وحلّ مرشّحها لمنصب النقيب جورج أفتيموس أول الخاسرين بفرق عشرة أصوات عن آخر الرابحين على اللائحة الأولى.

وبينما نالت لائحة "أمل" و"المستقبل" و"الاشتراكي" خسارة ماحقة، تشتّت المستقلّون في أكثر من لائحة وفي الترشيحات الفردية، ما جعل أصواتهم تضيع "فرق عملة" صراعاتهم وحساباتهم الشخصية. حتى أنه بالإمكان القول إن صفة "المستقلين" لا تنطبق على جميع المجموعات التي ترشّحت تحت هذا المسمّى. فباستثناء "لائحة مستقلون نحو نقابة للطبيب"، وبعض الترشيحات الفردية، ضمّت لائحة "الطبيب أولاً"، المؤلفة من أربعة أعضاء فقط، مرشحَين خاضا الانتخابات رسمياً على لائحة تحالف "أمل" و"المستقبل" والاشتراكي"، هما حسن بسام وأنيس أبي عكر.

نقابة بلا ذمّة مالية
وبينما سرت شائعات عن إمكانية إلغاء الانتخابات وتأجيلها، بعد خلافات وفوضى حصلت داخل الجمعية العمومية التي عقدت في الصباح، سارت الانتخابات بشكل طبيعي وجدّد الأطباء مجلس نقابتهم بدخول ثمانية أعضاء من ضمنهم نقيب جديد أبو شرف، الذي حل مكان النقيب الحالي ريمون صايغ. ووفق مصادر "المدن" حاول المجلس الحالي عقد الجمعية العمومية كما جرت العادة في اليوم الانتخابي، لكن اعتراض حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل والأطباء المستقلين، أدى إلى "تطيير" الجمعية العمومية. ومرد الاعتراض إلى عدم وجود تقرير إداري ومالي لعرضهما على الجمعية العمومية للمصادقة عليه وبالتالي أخذ براءة مالية. ما يعني أنّ النقابة ستكون للسنة الرابعة على التوالي من دون براءة ذمّة مالية، بسبب الخلافات التي حصلت سابقاً.

توافقات جانبية خاسرة
حتى اللحظات الأخيرة لعشية يوم الاقتراع لم تكن حركة أمل قد حسمت خيارها في الانضمام إلى لائحة "النقابة تجمعنا"، لتحالف حزب الله والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب، أو إلى لائحة "وفاق، سلام، إنجاز" لتحالف تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. لكن مفاوضات الساعات الأخيرة أفضت إلى انضمام "أمل" إلى لائحة "المستقبل" و"الاشتراكي" و"ارتكبت" سابقة في تاريخ انتخابات النقابة في انفصالها عن حليفها في "الثنائية الشيعية". علماً أن هذه اللائحة رشّحت سبعة أعضاء لمجلس النقابة وأبقت المقعد الثامن فارغاً. فوفق مصادر مطّلعة جرى التوافق على ترك هذا المقعد فارغاً لصالح حليفهم في حراك الأطباء الطبيب جورج الهبر، الذي شكّل لائحة "الطبيب أولاً" المستقلة وغير المكتملة، إذ لم تنجح المساعي لترشّحه على لائحة تحالف الأحزاب كونه ترشّح لمنصب النقيب، بينما اختار التحالف جورج أفتيموس لتولي هذا المنصب. وفي مقابل ترك لائحة "التحالف" مقعدا فارغاً، ضمّت لائحة الهبر المستقلة مرشحين من أصل أربعة ترشّحا رسمياً على لائحة "المستقبل" و"الاشتراكي" و"أمل". وحسب المصادر، قضى التوافق أنه في حال حصل الهبر على أصوات أكثر من أفتيموس يكون هو مرشحهم لمنصب النقيب والعكس صحيح. وقد دلّ عدد الأصوات التي نالها الهبر، الذي حل ثاني الخاسرين بعد أفتيموس، أن عملية تجيير كبيرة للأصوات من لائحة تحالف "أمل"، و"المستقبل" و"الاشتراكي" ذهبت لصالحه.

خسارة المستقبل
وبعيدا من خسارة المستقلين الذين وصل المعدّل الوسطي لمرشحيهم نحو خمسمئة صوت، فقد دلّت نتائج هذه الانتخابات عن خسارة حقيقية ليس لـ"أمل" المترددة في حسم خيارات تحالفاتها، أو لـ"الاشتراكي"، بل بالدرجة الأولى لـ"المستقبل"، لا سيّما بعد فوز مرشّح حزب الحوار الوطني دريد عويدات على مرشّح المستقبل بدر زيدان. إذ تأتي هذه الخسارة بعد فوز رئيس حزب "الحوار" النائب فؤاد مخزومي، الغريم "البيروتي" للمستقبل، في الانتخابات النيابية السابقة. فليس صدفة أن تختار "لائحة النقابة تجمعنا" اللون الأحمر للترويج للائحة والمرشحين، خصوصاً أنّ حزب "الحوار"، الذي اختار هذا اللون علماً له، من أبرز مموّلي اللائحة.

نقابة لبنان الشمالي
على عكس تحالفات انتخابات النقابة في بيروت، خاضت "القوات" و"المستقبل" انتخابات نقابة الأطباء في لبنان الشمالي بلائحة واحدة في مواجهة لائحة تحالف الحزب الشيوعي اللبناني، وتيار الكرامة، وتيار المردة، والتيار الوطني الحر، وتيار الاصلاح (منشقون عن "الجماعة الاسلامية")، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وتيار العزم، وبقية القوى المحسوبة على 8 آذار، وبعض الأطباء المستقلين. وقد أفضت النتائج إلى فوز اللائحة الثانية بجميع المقاعد الأربعة التي جرت عليها الانتخابات، وفاز "الشيوعي" بمنصب النقيب الذي ذهب لصالح الطبيب سليم أبي صالح.