باسل عبدالله: الحراك بدأ في العام 2006

عباس سعد
الإثنين   2016/08/22
ربط الناس في وعيهم أزمة النفايات بأزمة الطبقة السياسية (ريشار سمور)
في 22 تموز 2015، بدأت تحركات ما سيعرف لاحقاً بـ"الحراك المدني"، على خلفية أزمة النفايات. أقله، في السنوات الخمس الماضية، كان الحراك التجربة الأكثر تعبيراً عن سعي فئات متعددة من اللبنانيين إلى إحداث تغيير ما، وإن لم تكن خاتمته، وما وصل إليه أو أنتجه، واضحة أو جذرية. كان تجريباً ضرورياً، في كل الأحوال. خلال الأيام المقبلة، تستعيد "المدن" الحراك في سلسلة مقابلات مع أبرز فاعليه. وفي ما يلي مقابلة مع الناشط في تيار المجتمع المدني باسل عبدالله.



الطريق إلى الحراك بالنسبة إلى عبدالله "كان نتيجة تراكم مجموعة من الناس الخارجين عن اصطفافات 8 و14 آذار، الذين كانوا دائماً موجودين لمحاربة الفساد والطائفية السياسية". ووفقه، بدأ التراكم منذ العام 2006 مع المؤتمر الذي أسسه غريغوار حدّاد وسميّ بـ"مؤتمر العلمانيين في لبنان"، والذي عقد قبل شهرين من حرب تموز وحدد أربعة عناوين للعمل: التربية على المواطنية، الانتخابات وقانونها، الأحوال الشخصية، طريقة التحدث مع الناس لتوصيل فكرة العلمانية. فهنا، بالنسبة إلى عبدالله، كانت البداية وبعدها تشكل اللقاء العلماني وتبعته مسيرة العلمانيين نحو المواطنية، ثمّ تحرّك إسقاط النظام الطائفي في العام 2011. "استمر التراكم وغدت الخطابات السياسية أضعف من أن تقسّم التحركات المدنية، وتصاعد الخطاب التغييري وتوسّعت دائرة الناشطين العلمانيين إلى أن وصلنا إلى حراك صيف 2015".

كانت المسألة الأساسية التي أطلقت الحراك، وفق عبدالله، هي "ربط الناس في وعيهم أزمة النفايات بأزمة الطبقة السياسية". ويشير عبدالله إلى الدور الذي قام به الحراك المدني للمحاسبة في التمهيد لإحدى أوّل التحرّكات في 28 تموز 2015، حيث جمع كل الناشطين وتمت الدعوة إلى التحرّك الذي تزامن مع اجتماع الحكومة. في هذا اليوم، يقول عبدالله، "خرج التحرك عن السيطرة. فبعض الشبان كانوا غاضبين وقطعوا الطرقات، واتجهوا إلى الحمرا للحفاظ على روح الشارع، وحينها صار الإشكال مع الوزير رشيد درباس واعتقل طارق الملاح". وهذه "العفوية التي جرت على الأرض دفعت الحراك وحافظت على روحيّته، وهي التي ضبطته بعدها في الاعتصامات اليومية".

في كل حديث مع ناشط عن الحراك تكون كلمة تراكم مفتاحاً أساسياً. ويقسّم عبدالله هذا التراكم إلى شقين. هناك تراكم عددي حيث زاد عدد الأشخاص اللاطائفيين الخارجين عن إطار 8 و14 آذار. ثم برز التراكم في الخطاب السياسي، الذي تحسّنت كثيراً قدرته على كسر الإختلافات وتقبّلها. لكن عبدالله يؤكّد أن "هذا لا يعني أنّ كل خطوة ضد النظام الطائفي تؤدي إلى تراكم، وبالتالي تكون ناجحة. فالتراكم ليس حجّة لتبرير الفشل".

يرى عبدالله أن أحد مشاكل الحراك الأساسية كانت تفرّد مجموعاته وعملها وحيدة من دون توحيد الشعارات والحملات. وهذا ما أضعف الحراك داخلياً وأمام السلطة. فمثلاً، في اجتماع في 23 آب قرّر الجميع- مع بعض التحفظات- التحرك تحت اسم حملة طلعت ريحتكم لأنه "اسم ضارب"، إلا أن المجموعات، في وقت لاحق، "لم تلتزم بذلك، وأرادت كل واحدة منها أن تروج لنفسها نوعاً ما". غير أن "توحيد الجهود" ليس بالضرورة حلاً لتفعيل عمل "العلمانيين في لبنان"، فالتوحيد في باطنه يقود إلى حزب سياسي. وهنا، تبرز مشكلة خطاب كثير من شخصيّات الحراك البارزة، أي تركيزها على طريقة العمل قبل التركيز على عناوين العمل التي غالباً ما تختصر بمكافحة الفساد ورفض الطائفية وغيرها من العناوين الشعبوية. فلا بدّ من البحث أكثر في مشاكل المجتمع اللبناني التي لا تنحصر في الفساد والزعماء، بل تتعدّاها إلى مشاكل الهويّات والانتماءات والولاء للدولة وغيره. وبالتالي، فإنّ تعجّل عبدالله بالدعوة إلى توحيد الجهود كان لا بدّ أن يسبقه سؤال عن سبب هذا التوحيد.

كغيره من الناشطين لجأ عبدالله إلى الانتخابات البلدية والنتائج التي حققها المستقلون فيها للتدليل على نجاح الحراك. وهنا لا يمكن نفي أهمية الحراك وتأثيره في وعي الناس، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أمرين: فالمستقلون برزوا في الانتخابات البلدية دائما وقبل العام 2016، وذلك بحكم عصبيّة الضيع ورفض أهلها لإدخال السياسة في الشؤون البلدية أحياناً. والأمر الثاني هو أنّ تأثر من لا يعيش في بيروت بالحراك يختلف عن تأثّر من يعيش فيها. فمثلاً، دافع منظّمو بيروت مدينتي بضرورة إكمال ما قاموا به في الحراك في الانتخابات البلدية، ليس بالضرورة الدافع نفسه عند منظّمي حملة مستقلّة في قرية في البقاع لم يشارك أهلها في الحراك، وما يدفعهم إلى الترشح هو زيادة "التسلط" وليس "النجاح" الذي حقّقه حراك بيروت.