قراء الكنبة والأماكن الأخرى

يارا نحلة
الثلاثاء   2016/04/19
يغتنم البعض كل وقتٍ ضائع بين إرتباطٍ وآخر لحمل كتاب (محمود الطويل)

تقترن المطالعة بالعديد من الطقوس، التي تتخذ أحياناً طابعاً رومنسياً، كالقراءة في الطبيعة، أو على شاطئ البحر، أو طابعاً تقليدياً كالذهاب إلى المكتبات العامة، أو إنهاء اليوم بالقراءة، كما لو أنها جزء من طقوس ما قبل النوم. بينما يخصّص آخرون وقتاً من نهارهم للقراءة من دون أن يلهيهم عنها شيء، في حين يغتنم البعض كل وقتٍ ضائع بين إرتباطٍ وآخر لحمل كتاب، فيقرأون صفحات منه في "السرفيس" أو بين صف وآخر، أو أثناء انتظارهم للقاء في مقهى.

القراءة في "الفلا"
القراءة تحت ظلّ شجرة أو في حديقة عامة، هي بمثابة "ضرب عصفورين بحجر واحد"، بالنسبة إلى كثيرين، إذ تتيح ممارسة فعلين في الوقت ذاته: الإسترخاء والقراءة. "إنه نوع من التأمّل"، بالنسبة لإلى سمية التي تفضّل المطالعة في مكانٍ مفتوح، "لأنني حين أقرأ، أميل إلى الشرود كثيراً للتأمل في ما أقرأ. لذا، أحبّ أن يكون أمام ناظري منظر طبيعي أحدق فيه". الخيارات المتاحة أمام سمية لممارسة هذه الهواية، هي حديقة عامة، مكتبة مع حديقة، أو ببساطة القرية. لكن الخيارين الأولين غير متوفرين بسهولة في مدينة مثل بيروت، كما أن ممارسة المطالعة في القرية ليست بهذه السهولة، "لأن القراءة تتطلّب درجة من الخصوصية ومساحة من الفردية يصعب الحصول عليها فيها".

بين العام والخاص
لا شكّ في أن إحاطة القراءة بأجواءٍ هادئة يضمن الحصول على تجربة مثالية. لكن الحقيقة هي أن هذا الترف هو خارج متناول اليد في أحيانٍ كثيرة، ولا سيما إذا أراد المرء أن يجعل القراءة عادة يومية، يخصص لها مجالاً في جدول أعمال مزدحم. يدفع ذلك بكثيرين من محبي المطالعة إلى ممارسة هوايتهم أثناء ساعات عملهم، فيفرغ أحمد ساعة من دوامه في المكتب من أجل القراءة: "أجلس مقابل حاسوبي، لا يدري أحد أنني لا أعمل، لكنني عملياً أقرأ مقالاً أو كتاباً إلكترونياً من أجل التسلية". لكن ذلك يلزم أحمد بقراءة الكتب التي يجدها متاحة على الإنترنت فقط. يقرّ بأنه لا يفضّل القراءة الإلكترونية، "لكنني إستسلمت لواقع العصر". أما عليا، فاعتادت أن تخبئ رواياتها داخل كتاب الجامعة أثناء حصة "الصحة" المملة، وفق توصيفها، للإرتشاف من أحداث القصة بدلاً من درس الصف.

أوجد أحمد على الخط الفاصل بين العام والخاص مساحته للقراءة. لكن المكتب ليس المكان الوحيد لهذا النوع من القراءة. في الفان الذي يتوجّه من الجنوب إلى بيروت، تجد أمل مكانها المفضل للقراءة. فالرحلة التي تمتدّ لساعتين من الوقت، في باص صغير ومكتظ بالركاب والحقائب، ما يجعل الجلوس غير مريح، ما كانت لتُحتمل لولا القراءة، فـ"هي الأمر الوحيد الذي يبعدني عما يجري حولي". وقد إكتسبت أمل هذه العادة منذ أيام المدرسة، حيث كانت تقرأ الروايات في باص المدرسة، "لهذا لا أشعر بالغيثان"، وفقها. لكن هذه المساحة الخاصة التي نجحت أمل في خلقها، تُقتَحم أحياناً، فـ"أجد راكباً إلى جانبي يسترق النظر إلى كتابي، ويتبع الأسطر التي أقرأها بعينيه، يزعجني الأمر لأنني أشعر أنه نوعٌ من التعدي".

خصوصية الكنبة
لتفادي كل أشكال التعدي والإزعاج، يلجأ معظم القراء إلى الخيار السهل والأكثر راحة، وهو ممارسة المطالعة في المكان الأهدأ والأكثر خصوصية، أي المنزل. القراءة المنزلية تتيح للفرد التحكّم بكلّ العناصر التي قد تؤثر بقراءته، كالضوء أو وضعية الجلوس أو التمدّد وأمور أخرى كسماع الموسيقى أو القراءة بصوتٍ عالٍ. بالنسبة لوليد "القراءة أمر يتطلّب قدراً عالياً من التركيز. لذا، لا أحب أن يلهيني شيء وأنا أقرأ، فأفضل القراءة في المنزل، في سريري أو على الكنبة، وقد اشتريت كنبة مريحة خصيصاً من أجل القراءة".


* جزء من ملف عن أسبوع المطالعة الوطني (18 إلى 25 نيسان)