صواريخ "القسام" وعراضة "الجماعة": سبق أن كنّا هناك
في أقل من 24 ساعة استعاد اللبنانيون مشاهد سبق أن عاشوها واختبروا مآلاتها. تذكروا مؤشرات تحلل الدولة وفقدان هيبتها والسطوة. استعادوا مظاهر الاستعراضات العسكرية قبل العام 1975 واستباحة الجنوب و"تطويبه" أرضا لما سميّ "فتح لاند".
ذاكرة كثير من اللبنانيين لا تزال حيّة، وتخاف من استعادة تلك الفترات السوداء، وتتمسك بما تبقى من سقف الدولة، علّه يقيها من عواصف تنذر بها تراكم الأحداث والحوادث.
سبق أن كنّا هناك
واذا كانت حال القلق والخوف تطال كثراً من اللبنانيين فإنها تتخذ لدى المسيحيين حساسية استثنائية، تحيي هواجس قديمة-جديدة، وسط إحساس عام لدى غالبية الرأي العام المسيحي أنه مهمش ومهدد بآخر حصونه: الدولة والسلام الهشّ.
في كتاب معظم المسيحيين، أن الصراع اليوم في البلد بين مشروعين. وهم، إما أتباع لمحور المقاومة، يؤيدون كل "إنجازاته" التي لا رأي لهم فيها، وإما معارضون، تأثيرهم هامشي جداً في الأحداث، وإما باحثون عن دور يحاول الوقوف في وسط الانقسام، فيتعثر في الموقف ويتلعثم في الخطاب.
لكن أمام مشهد الملثمين الذين يطلقون الرصاص العشوائي وقذائف "الأر. بي. جي" ويوقعون الجرحى في جنازة، ومشهد إطلاق صواريخ القسام من الجنوب، يقرأ المسيحيون في كتاب موحَّد لحبره لون القلق والخوف، الذي يستعيد مقدمات مرحلة مضت ولسان حالهم يردد: "سبق أن كنّا هناك".
المسؤولية المسيحية
وسط إنذارات "الخراب العميم" الذي توحي بالتمهيد له بعض السلوكيات، يطلب بعضهم من المسيحيين استعادة المبادرة وإعادة إحياء "فكرة" لبنان، كاختراع مسيحي جامع بين "مدرستي" الفاتيكان و..الرحابنة.
يفوت المطالبين أن واقع المسيحيين البنيوي اليوم، معطوفاً على الواقع اللبناني، أعجز من القيام باي مبادرة من هذا النوع. فخلافاتهم الصغيرة على السلطة والدور، تقزّم الرؤية على حجم الخلافات. نخبهم منكفئة عن الشأن العام، كذلك رهبانياتهم، القادرة، إلى حدّ مقبول، على صياغة طروحات جامعة، وهي منكفئة بطلب فاتيكاني قديم.
أما بطريركيتهم، وهي من أعطيت مجد لبنان، فبطريركها يجد الوقت الكافي لزيارة رجل الأعمال سركيس سركيس ليبحث معه "هموم الموارنة في لبنان عامة وفي المتن خصوصاً". أما موارنة الأطراف من عكار إلى رميش، والقلق الذي يعيشونه، فلهم الله يرعاهم أو.. حزبه
المسؤولية الإسلامية
لكن استعادة فكرة لبنان ومقومات الدولة المنشودة ليست مسؤولية مسيحية فقط. هي اليوم، وبشكل خاص، مسؤولية إسلامية. فماذا يفعل هؤلاء في ترميم البيت اللبناني؟ أي مبادرات يطرحونها؟ اي صورة يفترض أن يلتقي عليها اللبنانيون؟ أي خطاب يجمعون عليه؟ أي نموذج يقدمونه؟ نموذج صواريخ القسام أم استعراضات الجماعة الاسلامية أو خيارات حزب الله في الحروب الداخلية والخارجية؟ أو صورة الانكفاء السني السياسي عن الخوض في "وحول" السياسة؟
استعادة " مغامرة" فكرة لبنان بكل نجاحاتها وخيباتها، يُفترض أن تكون مسؤولية جماعية. لكن الجهد المطلوب من "المعتدلين" و"المستنيرين" من المسلمين اليوم أكبر، وسط معطيات الواقع اللبناني.. أقله، هكذا يظن بعض المسيحيين.