سلامة بجلسة الاستجواب الثانية: يهاجم الصحافة والمحامين والمجتمع المدني

فرح منصور
الجمعة   2023/03/17
لم يتمكن من إخفاء غضبه وامتعاضه (علي علوش)

انتهت جلسات استجواب حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أمام الوفود الأوروبية، التي ستغادر لبنان غداً السبت 18 آذار، على أن تعود مرةً أخرى إلى بيروت في أواخر شهر نيسان المقبل، بغية استجواب شقيق حاكم مصرف لبنان، رجا سلامة، ومساعدته ماريان الحويّك.

وفي التفاصيل، وصلت الوفود الأوربية إلى قصر العدل ببيروت صباحاً، واستجوبت سلامة لحوالى ثلاث ساعات تقريباً، حين بدأت الجلسة في تمام الساعة التاسعة صباحاً، وانتهت عند الثانية عشر ظهراً.

وحده.. وبهدوء
وحسب ما نقلته المراجع القضائية المُتابعة لجلسات الاستجواب لـ"المدن"، فإن أجواء الجلسة كانت هادئة، معتبرةً أن سلامة "كان متماسكاً جداً أمام الوفود الأوروبية، وأجاب على جميع الأسئلة المطروحة التي لم يكُن على علم مسبق بها، من دون أي تردد. ولم يظهر على وجهه ملامح الخوف كما حصل مع بعض الشهود الذين حضروا إلى جلسات استجوابهم خلال المرحلة الأولى من التحقيقات الأوروبية، التي جرت في كانون الثاني. ومرةً أخرى دخل سلامة إلى القاعة وحده من دون اصطحابه للوكلاء القانونيين".

هذا وكان قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا، قد تولّى مهمة طرح الأسئلة على سلامة، ليتم ترجمتها فوراً للقضاة الأوروبيين. وحسب مصدر قضائي رفيع لـ"المدن"، فإن عدد الأسئلة التي طُرحت خلال جلستي الاستجواب تراوحت بين 196 و198 سؤالاً، ليصل زمن الاستجواب الكلي إلى حوالى تسع ساعات، قام سلامة خلالها بالإجابة على جميع الأسئلة من دون تجنّب أو تجاهل أي سؤال!".

طبيعة الأسئلة
وحسب مصادر "المدن"، فإن جلسات الاستجواب كانت هادئة تقريباً، وتمحورت الأسئلة حول شركة "فوري" المسجلة باسم شقيقه رجا سلامة، وعن حقيقة هذه الشركة إن كانت وهمية أو أنها موجودة فعلاً، وعن عمولاتها التي حُولت إلى أوروبا، وعن تفاصيل تتعلق بسندات اليوروبوند والتي جنى منها أكثر من 325 مليون دولار كعمولات، عبر بيع هذه السندات للمصارف اللبنانية. أسئلة أخرى طرحت حول أملاكه وعقاراته والشقة الموجودة في باريس، والتي تعود ملكيتها لوالدة إبنته، آنا كوزاكوفا، والتي استأجرها مصرف لبنان بحوالى نصف مليون دولار أميركي سنوياً".

الأسلوب المعتاد..
هذا وأكد مصدر متابع لملف سلامة القضائي، أنه أجاب على بعض الأسئلة باللغة الفرنسية بطلاقة، وأن بعض القضاة الأوروبيين ذُهلوا من إجاباته السريعة والتي كانت بالنسبة إليهم كاذبة بوضوح، إلا أنهم تركوه يستطرد من دون التوقف عندها لمناقشته بها. في حين أشارت مصادر أخرى أنه عرض جميع معطياته بطريقته المعتادة، التي يظهر فيها خلال المقابلات على شاشات التلفزيون، ما يعني أنه تعامل بهدوء تام مع كل الأسئلة المطروحة عليه من القضاء الأوروبي، وببرودة وبابتسامة صغيرة. وأنه اعتمد أسلوبه المعتاد في شرح مواضيع كثيرة تداخلت ببعضها البعض، في محاولة منه ليصعّب على الوفود الأوروبية الحصول على إجابات واضحة أو حاسمة".

وفي السياق نفسه، أكدت الوفود الأوروبية أنها بحاجة للاستماع إلى رجا سلامة وماريان الحويّك. وحسب مصدر قضائي لـ"المدن"، فإن الجلسة ستُحدد بين منتصف نيسان الجاري وأواخره. ولكن الموعد قد يتغير بسبب الأعياد الرسمية في لبنان، ومنها عيد الفطر. وتابع المصدر "أن سلامة في محاولة منه لإثبات براءته وصحة أقواله، سيُرسل بعض المستندات عبر وكلائه خلال الأيام المقبلة إلى الوفود الأوروبية. وتضم هذه المستندات عناوين بعض الأشخاص وتفاصيل تتعلق بأملاكه وشركاته خارج لبنان، وتؤكد أنها أملاكه التي حصل عليها بماله الخاص، ولا تعود لأموال الدولة اللبنانية".

أقوال سلامة
كما أشار المصدر نفسه لـ"المدن" أن سلامة أكد خلال الجلسة أن جميع قراراته يتخذها من المجلس المركزي، ولا وجود لشراكة مع شقيقه خلال عمله بالمصرف المركزي، بينما لم يُطرح أي سؤال أو أي استفسار حول الهندسات المالية، بل دارت الأسئلة حول أملاكه وعقاراته وحساباته المصرفية خارج لبنان، وعن تفاصيل حول "شركة فوري".

وبعد الانتهاء من الاستجواب وتناول قطع الحلوى، جهّز القاضي أبو سمرا المحضر الذي وقّع عليه حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، قبل خروجه من قصر العدل. واجتمع أبو سمرا بالوفود الأوروبية للاتفاق على الجلسات المقبلة. وقد علمت "المدن" أن المحضر سيحول إلى النيابة العامة التمييزية، ومن ثم ستحيله الأخيرة للوفود الأوروبية التي ستترجمته من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية أو الانكليزية. وأفاد مصدر قضائي لـ"المدن" أن الوفود الأوروبية ستصدر تقاريرها الخاصة بعد استجواب رجا سلامة وماريان الحويّك، على أن تكون القرارات الأوروبية وفقاً لقوانينها الخاصة، ولن يصدر أي قرار داخل الأراضي اللبنانية".

وحسب معلومات "المدن"، فإن القاضي أبو سمرا سيحدد لاحقاً جلسة لسلامة للاستماع إليه كمدعٍ عليه من القضاء اللبناني، حيث أن الأسئلة التي يريد طرحها على سلامة مختلفة جداً عن الأسئلة الأوروبية التي طُرحت في السادس عشر والسابع عشر من آذار.

بيان سلامة
ومن الواضح أن سلامة كان منزعجاً جداً من حضور القاضية هيلانا اسكندر جلسة استجوابه. وهي رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل التي ادعت عليه الأربعاء 15 آذار. وحسب بعض المعلومات فإنه امتعض من وجودها داخل الجلسة، وحاول أن يطلب إخراجها من القاعة، إلا أن اسكندر حضرت جلستي الاستجواب بأكملهما.

وفور خروجه من قصر العدل، أصدر سلامة بياناً يتعلق بتفاصيل جلسات الاستجواب قال فيه: "حضرت جلسة دعا إليها الرئيس شربل ابو سمرا، من دون رفقة المحامي، إذ أن حضوري كان كمستمع إليه لا كمشتبه فيه ولا كمتهم. لقد حضرت احتراماً مني للقانون وللقضاة، وتحفظت لوجود حضرة القاضية اسكندر، لأنها خصم. وقد تدخلت بالدعوى اللبنانية ضدي، وتحفظي ناتج عن الإخلال بمبدأ المساواة بين الفرقاء. أكدت خلال الجلسة الأدلة والوثائق التي كنت قد تقدمت بها إلى القضاء في لبنان والخارج مع شرح دقيق لها.

يتبين من هذه الوثائق والكشوفات أن المبالغ الدائنة في حساب المقاصة المفتوح لدى مصرف لبنان والذي حولت منه عمولات إلى فوري (foory) كانت قد سددت من أطراف أخرى، ولم يدخل إلى هذا الحساب أي مال من مصرف لبنان ولم يكن هذا الحساب مكشوفاً في أي لحظة.

كما يتبين من هذه الكشوفات أن حسابي الشخصي في مصرف لبنان غير مرتبط بالحسابات التي تودع فيها الأموال العائدة إلى المصرف، ولم تحول إلى حسابي أموال من مصرف لبنان. وأن التحاويل إلى الخارج الخاصة بي، ومهما بلغت مصدرها حسابي الشخصي.

لقد لمست ولأكثر من سنتين سوء نية وتعطشاً للادعاء علي. ظهر سوء النية من خلال حملة إعلامية مستمرة تبنتها بعض الوسائل الاعلامية والتجمعات المدنية، منها أُوجدت غب الطلب لتقديم إخبارات في الداخل وفي الخارج، وذلك للضغط على القضاء والمزايدة عليه. فأصبح مدنيون وصحافيون ومحامون يدعون أنهم قضاة، يحاكمون ويحكمون بناء لوقائع قاموا بفبركتها.

واكبهم بعض السياسيين من أجل الشعبوية، اعتقاداً منهم أن هذا الأمر يحميهم من الشبهات والاتهامات أو أنه يساعدهم على التطميش عن ماضيهم أو يعطيهم عذراً لإخفاقاتهم في مواجهة وحلّ الأزمة، ناسين أن الأوطان لا تبنى على الأكاذيب".

يبدو أن حاكم مصرف لبنان تصرف كالمعتاد بشخصيته اللامبالية أمام الشعب اللبناني، غير المكترثة بكل ما يحصل حولها، وربما حاول جاهداً اعتماد هذا الأسلوب أمام القضاء الأوروبي ليظهر كشخصية قوية لم تهتز بتهم الفساد واختلاس أموال الدولة اللبنانية وتبييض الأموال. فهو كما يزعم دائماً بريء من كل ما نُسب إليه.. إلا أنه لم يتمكن من إخفاء غضبه وامتعاضه من جلسات الاستجواب وظهر ذلك واضحاً في بيانه الأخير.