تكسير لبنان على رؤوس مواطنيه

عارف العبد
الجمعة   2023/02/24
هل ينفذ نصرالله تهديده؟ (علي علوش)
فيما أتمّت الحرب الروسية على أوكرانيا عامها الأول، لا يبدو أن الاصطفاف الدولي بسبب هذه الحرب ومن حولها إلى تراجع، بل بالعكس، فإن الطرفين المعنيين يندفعان إلى استخدام كل الإمكانيات في المواجهة العسكرية الدائرة.

الولايات المتحدة ومن معها، ترى أنه لا يمكن التراجع، وإلا فان بوتين سيسيطر على كل أوروبا. بوتين من جهته، لا يمكنه التراجع لكي لا تسقط روسيا.. كل روسيا.

وسط هذه المواجهة التي تقارب الحرب العالمية الثالثة، يأمل سكان ما يسمى دولة لبنان، أن ينجحوا في الحصول على هدنة مستقطعة لكي يتمكنوا من التقاط الأنفاس وإيصال متولٍّ مسؤول، أقله عن تنظيم موقف السيارات في هذه البقعة من الأرض.

في خطابه الأخير تحت عنوان "شهادة ‏وانتصار" بمناسبة الذكرى السنوية للقادة الشهداء رفع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لهجة التصعيد والتحدي، موجهاً كلامه كما قال إلى الولايات المتحدة الأميركية والأطراف الحليفة لها في لبنان والمنطقة، وحدد قائلاً: "إذا دفعتم لبنان إلى الفوضى ‏ستخسرون في لبنان، وعليكم أن تنتظروا الفوضى في كل المنطقة. عندما تمتد مؤامراتكم إلى اليد التي ‏تؤلمنا، وهي ناسنا، سنمد أيدينا وسلاحنا إلى اليد التي تؤلمكم وهي ربيبتكم إسرائيل".

عملياً، فإن السيد نصرالله هدد بأمرين للرد على ما اعتبره الحصار والهجوم الأميركي: "نشر الفوضى في المنطقة، وتهديد إسرائيل باعتبارها اليد التي تؤلم أميركا".

في الواقع، ليس مبالغة القول، إن اليد التي تؤلم الولايات المتحدة هي إسرائيل. فما هو معروف ومسلم به ومؤكد بالممارسة، ارتباط ومصالح مشتركة، بل هناك وحدة حال بين البلدين، أي أميركا وإسرائيل، وتكاد مع التمحيص الشديد لا تعثر على أي فرق أساسي بين الاثنين في المصالح والتوجهات، بل على ترابط وتضامن وتحالف وسيطرة للوبي الصهيوني على القرار الأميركي، والرئيس بايدن تفاخر أكثر من مرة علناً بصهيونيته وارتباطه عاطفياً وفكرياً بإسرائيل.

لكن هذا التوصيف ليس كل الأمر، وكلام السيد نصرالله لجهة التهديد قابلته أيضاً خطوات أميركية وإسرائيلية متشددة تجاه ليس فقط حزب الله بل كذلك خطوات وإجراءات أميركية وإسرائيلية تجاه إيران أيضاً.

عملياً، هناك مواجهة مفتوحة ومعارك بين الطرفين، الولايات المتحدة وإسرائيل، انضمت إليها الدول الأوروبية مؤخراً، مقابل إيران وروسيا وحزب الله من جهة أخرى.

العنصر الجديد الذي أجج الصراع والمواجهة بين الطرفين، وصل أخيراً إلى أوروبا ويكاد ينتشر في أرجاء العالم، وقد شكلت الخطوات التحالفية والتعاونية الإيرانية الروسية مؤخراً، ودخول إيران على خط الحرب والمساندة والتحالف مع روسيا في حرب أوكرانيا، عبر المسيرات والتبادل العسكري بين البلدين.

أعلن مؤخراً في هذا السياق، عن قرب تسلم إيران في آذار المقبل لطائرات روسية من طراز سوخوي 35، مما يعني أن التحالف الروسي الإيراني سيمضي في اتجاهات متقدمة وواسعة.

لقد ساهم اشتراك المسيرات الإيرانية في معارك أوكرانيا في تأجيج المواجهة الإيرانية الغربية، ومنها الأوروبية، وستساهم خطوة تسليم السوخوي الروسية إلى إيران في دفع التصعيد إلى أوجّه بين المحورين.

لهذه الأسباب، فحين يتحدث السيد نصرالله عن نشر الفوضى في المنطقة، رداً على ما اعتبره الضغط الأميركي، فإن هذا الأمر يعدُ بطبيعة الحال بآفاق وأيام صعبة وملبدة مقبلة.

السيد نصرالله يقول عملياً "سأقوم بتكسير أميركا على رأس لبنان وإسرائيل"، وإسرائيل في المقابل، وبطبيعة الحال لم ولن تنتظر، وكانت بادرت وشنت هجوماً على كفرسوسة في دمشق، وقتلت ما قتلت من إيرانيين، في ما اعتبر ملاذات آمنة في سوريا، بعد يومين من خطاب نصرالله. وهذا الأمر ليس صدفة بل يأتي في سياق حرب ومواجهة طاحنة منطلقة، تأخذ في طريقها كل المواضيع والتفاصيل الصغيرة، ومن بينها بطبيعة الحال لبنان وقضاياه.

سبق القصف الإسرائيلي على كفرسوسة قصف إسرائيلي على أصفهان في قلب إيران، في هجوم كشفت عنه وسائل الإعلام الأميركية وليس الإسرائيلية.

لا أحد يحسد بلدنا الصغير والمريض أساساً على التقاطع في المصالح والعداوات التي وقع ويقع فيها وفي قلبها الآن.

نحن وسط أوجّ مواجهة، وفي لحظة الذروة لحرب بين محورين متقاتلين. فمن جهة تقف الولايات المتحدة ومعها إسرائيل والغرب عامة، فيما تقابلها إيران وروسيا وحزب الله والأطراف المؤيدة له في الجهة المقابلة.

وسط كل هذه العناصر المعقدة والمحتدمة، يعيش لبنان أزمته وفراغه الرئاسي، ويبحث عن رئيس للجمهورية. وبدل أن يذهب قادته والمسؤولين عنه للبحث عن المخارج والخلاصات والتسويات البسيطة والسريعة، واغتنام الفرصة للنفاذ بريش البلد وبنيانه المتبقي، يتمسك كل طرف من الأطراف بمطالب حده الأعلى، من دون تردد أو تهاون أو مساومة.

إذا ما اندلعت الحرب، وقررت إيران عبر حزب الله نشر الفوضى كما هدد نصرالله رداً على الحصار حسب قوله، فإن لبنان الذي نعرفه سيتحطم ويتناثر إرباً على رؤوس مواطنيه.. كل مواطنيه.

فهل ينفذ نصرالله تهديده؟ أي تهديد إيران؟ وتقع المواجهة في لبنان والمنطقة؟ وتفلت الأمور من عقالها؟