أضواء على مطالعة القاضي رزق الله

رفيق غريزي
الأربعاء   2023/12/13
القاضي حبيب رزق الله يتعمد الخلط بين المفاهيم القانونية (ريشار سمور)

بتاريخ 11 كانون الأول، نشرت "المدن" تقريراً بعنوان "مطالعة القاضي رزق الله: الجدل القضائي لم يحسم بعد". هذا التقرير يتناول موضوع تكليف القاضي بلال حلاوي للقيام بمهام قاضي تحقيق أول في بيروت، بعد إحالة القاضي شربل أبو سمرا إلى التقاعد في التاسع من تشرين الثاني الماضي.

وحيث أننا كنا من الذين أثاروا هذا الموضوع، وقد علقنا على هذه المسألة عبر مقالة نشرت في "المدن". وفي هذه المقالة، قمنا بتسليط الضوء على المخالفات القانونية التي شابت تعيين القاضي بلال حلاوي كقاضي تحقيق أوّل. والحقيقة أنّ المسألة ليست شخصية، وانما هي مسألة مبدئية. فالأسماء في هذه المنازعة، لا تعنينا البتة. بل ما يعنينا تطبيق المعايير القانونية في التعيينات. ما يعنينا بلوغ مرحلة الرجل المناسب أو المرأة المناسبة في المكان المناسب.

اليوم جرى اختزال حق القاضي فؤاد مراد، وغدا ربما يختزل الحق القاضية ندى دكروب خلفاً للقاضي غسان عويدات!

فإذا كان القضاء غير قادر على تطبيق المعايير القانونية، فعلى الدنيا السلام!

وعليه، فإننا نحيل إلى الأسانيد القانونية التي سبق أن عالجناها في مقالتنا التي أشرنا إليها. ولكن للمنفعة العلمية، وعلى سبيل النقاش ليس إلا، سوف نقوم بتحليل ما عرضه القاضي حبيب رزق الله، بمعرض تبريره تكليف القاضي بلال حلاوي، وبمعرض اجتهاده لمخالفة القانون في هذا السياق.
ورد في التقرير المنشور أن القاضي رزق الله فصّل المادة 36 قضاء عدلي التي تنص على معيار تحديد رئيس الدائرة القضائية المؤلفة من عدة غرف يرأسها القاضي الأعلى درجة حكما (حسب ما ورد في الفقرة الأولى من المادة 36). أما النيابة العامة ودائرة التحقيق فيرأس كل منهما نائب عام وقاضي تحقيق أول (بالاستناد إلى الفقرة الأخيرة من المادة 36). أي القاضي الذي يعين نائباً عاماً والقاضي الذي يعيّن قاضي تحقيق أول بقرار من المرجع المختص، حسب ما يكون التعيين بموجب تشكيلات أو انتداب أو تكليف.

أما باقي ما ورد في التقرير المنشور، فإنه يتناول المادة 52 أصول جزائية ووجوب التزام قضاة التحقيق بإنجاز التحقيق في الملفات التي تحال إليهم، وعدم جواز رفضهم التحقيق فيها، والمادة 35 عدلي التي تفترض التزام موظفي التحقيق بتعليمات قاضي التحقيق الأول الذي سيستلم رئاسة دائرة التحقيق بموجب تكليف من الرئيس الأول الاستئنافي.

وتعليقاً على ما سبق بيانه، يقتضي أولاً إعادة البحث في مدى قانونية تكليف القاضي بلال حلاوي بمهام قاضي تحقيق أول، لتصبح الأمور الثانية ثانوية.

ويتبين أنّ القاضي حبيب رزق الله قد تعمد الخلط بين المادتين 35 و 36 عدلي وبين التشكيلات القضائية، وبالمراسيم.

فما يصح بالتشكيلات القضائية لا يصح بحالة الشغور وتطبيق المادة 36 من قانون القضاء العدلي، وهذا أمر مفروغ منه!

ففي حالة التشكيلات القضائية وفي حالة الانتداب من وزير العدل بالاتفاق مع مجلس القضاء الأعلى، فليس من المحتم أن يكون القاضي المعين في هاتين الحالتين أعلى درجة من الموجودين.

ولكن إذا أردنا أن نطبق المادة 36 من قانون القضاء العدلي في حالة الشغور، فمضمون المادة 36 عدلي واضحة ولا يصح التوسع في تفسيرها، وعند وضوح النص لا يصح الاجتهاد، ففي هذه الحالة يقتضي حكما تعيين الأعلى درجة. وبالتالي، تطبق المادة 36 عدلي حكماً عند حصول شغور، فيما لم يكن هنالك تشكيلات أو قرار انتداب صادر عن وزير بالاتفاق مع مجلس القضاء الأعلى.

إذاً، وباختصار، لا يجوز الخلط بين حالة الشغور المنصوص عنها في المادة 36 عدلي والتي تحصل عند إحالة قاض إلى التقاعد أو عند الوفاة، ففي هذه الحالة يتم تعيين الأعلى درجة حكماً، وبين التشكيلات القضائية وقرار الانتداب الذي يصدر عن الوزير بالاتفاق مع مجلس القضاء الأعلى.

فما يصح في حالة الانتداب وفي حالة التشكيلات القضائية، لا يصح بتاتاً في الحالة المنصوص عنها في المادة 36 قضاء عدلي. فالحالة المنصوص عنها في المادة 36 قضاء عدلي هي نص خاص وحالة خاصة تفسر بشكل ضيق.

ويبدو أنّ الرئيس حبيب رزق الله يمعن في الخلط بين المفاهيم القانونية، في محاولة تبريره للورطة التي أوجد نفسه فيها. وقد تبدى ذلك بمعرض رده على الاعتراض الموجه من قبل قضاة التحقيق، حيث أفاد القاضي حبيب رزق الله في كتابه تاريخ 31 تشرين الأول من العام 2023 بالرقم الصادر 44\ص بما حرفيته:

وعليه، إن أي تفسير آخر مخالف للمادة 36 قضاء عدلي، ولتطبيقها المستقر والمستمر منذ عقود، سواء من قبل مجالس القضاء الأعلى المتعاقبة أو من قبل المراجع المختصة التي وقعت مراسيم تشكيلات قضائية عديدة، هو مردود.

ولا يسعنا القول سوى أن التبرير المذكور هو تبرير متعمد لخلط المفاهيم القانونية. فما علاقة الانتداب الذي يحصل بالاتفاق بين مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل، وبين مرسوم التشكيلات القضائية، بتطبيق المادة 36 قضاء عدلي؟

فإذا كان القاضي حبيب رزق الله يعرف الفرق، ومع ذلك يتعمد الخلط بين هذه المفاهيم، فهذه مصيبة، وإن كان لا يدرك الفرق بين هذه المفاهيم، فتلك مصيبة أكبر!

وبالأهمية نفسها، فإن المسألة هي أيضاً أخلاقية لناحية قبول القاضي بلال حلاوي بتكليفه هذا، وهو العالِم أنه ليس الأعلى درجة، وهو نفسه الذي رفض تكليف زميله القاضي وائل صادق على اعتبار أنه ليس الأعلى درجة، فكيف يرضى على نفسه ما رفضه على غيره؟!

فكم يصح بيت الشعر في حالتنا هذه، إنما الأمم الأخلاق ما بقيت!

فما بقيت أخلاق، وما بقي قضاء وما بقيت أمة!